بنهاية العام الحالي سيصل عدد الذين يعانون من الجوع في العالم إلى 270 مليون إنسان بحسب تقديرات برنامج الغذاء العالمي، في حين أن هذا الرقم كان 149 مليون شخص قبل تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد. معنى هذا أن العالم يتجه نحو أوقات عصيبة في ضوء زيادة معدلات الجوع مع التأثيرات السلبية لظاهرة التغير المناخي والزيادة المطردة لعدد سكان كوكب الأرض، بحسب وكالة بلومبرج للأنباء. ووفقا لتوقعات الأممالمتحدة، فإن عدد سكان العالم سيصل إلى 7ر9 مليار نسمة بحلول عام 2050، وهو العام الذي يفترض أن يصل فيه عدد متزايد من دول العالم إلى معدل صفر انبعاثات غازية لمواجهة ظاهرة التغير المناخي، وسيتجاوز عدد السكان حاجز ال11 مليار نسمة بحلول 2100. وتدفع الضغوط من أجل زيادة إنتاج الغذاء أو حتى لتحقيق مكاسب أكبر من الزراعة، العديد من الدول إلى إزالة مساحات واسعة من الغابات والمستنقعات لإقامة المزارع، وتحويل المياه العذبة الشحيحة إلى الصحراء لاستخدامها في زراعتها، فهل هذه الإجراءات ضرورية؟ وهل يمكن زيادة إمدادات الغذاء، مع حماية الموارد البرية النادرة؟ من ناحيتها نفذت خدمة "بلومبرج جرين" المتخصصة في أخبار وموضوعات البيئة والمناخ، تجربة فكرية، ففي ضوء عدد سكان الأرض والكمية التي يستهلكها كل شخص في المتوسط، هل يمكن تغذية كل السكان باستخدام نفس البنية التحتية الزراعية الموجودة؟ كانت الإجابة هي نعم. ومن الناحية النظرية يمكن القول إنه يمكن توفير الغذاء لضعف سكان الأرض دون الحاجة إلى إزالة فدان واحد من الغابات. وبحسب تقرير خدمة بلومبرج جرين فإن عدد سكان الأرض حاليا يبلغ 8ر7 مليار نسمة وكل إنسان يأكل يوميا حوالي 4ر1 كيلوجرام من الأغذية في المتوسط دون حساب المياه. وهذا يعني أننا نحتاج إلى حوالي 7ر3 مليار طن من الأغذية سنويا لإطعام كل البشر. في الوقت نفسه ينتج العالم في اللحظة الراهنة حوالي 4 مليارات طن من الغذاء سنويا، لكن يتم إهدار حوالي 3ر1 مليار طن منها كمخلفات، بحسب تقديرات منظمة الأممالمتحدة للأغذية والزراعة (فاو). وأشارت دراسة دولية أجراها باحثون من جامعة أدنبره البريطانية، إلى أن كمية المهدر من الغذاء في العالم تزيد عن 4ر1 مليار طن وهو ما يعني أن حوالي 44% من الإنتاج الزراعي للعالم لا يستهلك. وتهدر الدول النامية كميات من الغذاء تعادل تلك التي تهدرها الدول المتقدمة، مع اختلاف طريقة الإهدار. ففي الدول الغنية يحدث أكثر من 40% من الإهدار في متاجر التجزئة وعلى مستوى المستهلكين. ورغم أن البعض يحاول تقليل الهدر من خلال تحويل مواد البقالة التي اقتربت نهاية صلاحيتها إلى الفقراء، فإن قواعد السلامة لا تترك أمام المطاعم خيارات كثيرة غير التخلص من الأغذية المشكوك في صلاحيتها. ولكن في الدول الأفقر، حيث يكون المهدر من جانب المستهلكين أقل، تقدر الأممالمتحدة نسبة المحصول المهدر خلال عمليات النقل من الحقول إلى المتاجر بنحو 40%، وفي الهند على سبيل المثال يحدث الجزء الأكبر من الهدر أثناء عملية الحصاد نفسها، كما أن الخضروات الطازجة تتلف أثناء نقلها من الحقول، إلى السوق بسبب تأخير عملية النقل ونقص وسائل النقل المبرد. وتقول دراسة لمؤسسة إيسري للمعلومات الجغرافية، إنه إذا وضعنا في الحساب الهدر المحتمل نتيجة سوء استخدام الأراضي الزراعية؛ فإن ما بين 30 و50% فقط من الإنتاج الزراعي في العالم هو ما يصل إلى معدة الناس. والحقيقة أنه يمكن زيادة إنتاج العالم من الغذاء من خلال تحسين كفاءة استخدام الأراضي الزراعية المتاحة بالفعل دون الحاجة إلى إضافة مساحات جديدة إلى القطاع الزراعي، وذلك من خلال التوسع في استخدام الميكنة الزراعية وتحسين سلالات المحاصيل وتطوير أنظمة الري، في الوقت نفسه فإنه لا يمكن تجنب بعض الهدر ونقص الكفاءة وبخاصة الناجمة عن ضعف المحاصيل، والحشرات والطقس السيئ والصعوبات اللوجيستية وهي مجرد وظائف في نظام غير كفء، لكن في العالم المثالي، ومع استخدام تقديرات إيسري إلى جانب تقديرات الأممالمتحدة وغيرها من المنظمات بشأن الهدر الغذائي، فإنه يمكن توفير 9 مليارات طن من الغذاء للعالم سنويا، بما يعادل 4ر2 مرة ما يحتاجه العالم سنويا لإطعام كل سكان الكوكب حاليا. كما يمكن زيادة الإمدادات الغذائية في العالم دون الاعتماد على تحسين الكفاءة أو تقليل المهدر، ووفقًا لبحث أشارت إليه الأممالمتحدة، يمكن استعادة خصوبة 2ر2 مليار فدان من الأراضي الزراعية المتدهورة من خلال الاستخدام الرشيد للأسمدة والري. كما يمكن استخدام بعض هذه الأراضي لإعادة نمو الأحراش، والبيئة الطبيعية، ومع ذلك فإن المساحة المتبقية ستكفي لإنتاج نحو 500 مليون طن من الغذاء سنويا. ويمكن أن يساعد تحسين عادات الأكل في توفير الغذاء للجوعى في العالم. ففي إيطاليا أشارت الأبحاث إلى أنه يتم استهلاك ما يصل إلى 140 مليون طن من الطعام دون حاجة إليه، وهي كمية تكفي لإطعام أكثر من 270 ألف شخص سنويا. كما أن تناول هذه الكميات الفائضة من الغذاء، يؤدي إلى السمنة والمشاكل الصحية المزمنة مثل ارتفاع ضغط الدم والسكري من النوع الثاني. وبالطبع فإن توجيه هذه الكميات من الطعام إلى الذين يعانون من نقصه سيكون عملية معقدة للغاية. أخيرا، فإن أي مزيج من كل هذه الأفكار والخطوات التي تناولها التقرير يمكن أن تحقق للعالم إنتاجا من الغذاء يزيد على 4ر7 مليار طن سنويا بما يكفي لإطعام حوالي 16 مليار نسمة أي نحو ضعف عدد سكان الأرض الآن، دون الحاجة إلى أي تعديات جديدة على البيئة الطبيعية.