سعر الذهب اليوم الأحد في مصر بعد الارتفاع الأخير.. كم سجل عيار 21 الآن في الصاغة؟    الاحتلال الصهيوني يُواصل خروقاته لوقف إطلاق النار وتوافق بين فتح وحماس على رفض أي إدارة أجنبية لقطاع غزة    «لافروف»: الدعوات لوقف إطلاق النار في أوكرانيا محاولة لمنح زيلينسكي وقتًا إضافيًا    ياسين الملاح أفصل لاعب في لقاء فاركو والاسماعيلي بالدوري    5 ساعات خطِرة.. تحذير من حالة الطقس غدا: ترقبوا الطرق    رنا سماحة ترد على انتقادات فستانها في حفل زفاف أحمد جمال: «مكبرين الموضوع على الفاضي»    الشاعر هانى عبد الكريم بعد إشادة صابر الرباعى به: نتعاون قريبا فى أغان جديدة    أحمد مالك بعد جائزة أفضل ممثل فى الجونة: اتعلمت إن كلمة ليه هى أول طريق النجاح    اليوم السابع يهدى الطفلة ريتاج ميكى ماوس.. وتؤكد: هسميه ريتال زي أختي الشهيدة    لا يرتبط بضعف المناعة.. طبيب يكشف سر تكرار الإصابة بالإنفلونزا في الخريف والشتاء    نقيب الصحفيين: المرأة الفلسطينية عمود رئيس في النضال وسلاح للدفاع عن القضية    أحمد أبوالغيط: إسرائيل المستفيد الوحيد من 2011 والربيع العربي    الرئيس الإيطالي: نُقدر جهود شيخ الأزهر في نشر السلام وتعزيز الأخوة الإنسانية    مصر تشارك في فعاليات مراسم التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة السيبرانية    أول فيديو للحظة تنفيذ جريمة طفلى الهرم.. توك توك وضعهما داخل عمارة وهرب    "شقوير": رقمنة السجلات وتحديث الرعايات ضمن خطة تطوير المؤسسة العلاجية    عرض مسلسل «جولة أخيرة» بطولة أحمد السقا على mbc.. قريبًا    الجيش الإسرائيلي يقول إنه قضى على تاجر أسلحة في عمق لبنان    أول تعليق من محمد سلام بعد مشاركته في احتفالية «وطن السلام»: عاشت فلسطين حرة عربية (فيديو)    تشكيل المصري - دغموم وصلاح ومنذر يقودون الهجوم ضد الاتحاد في الكونفدرالية    محافظة المنيا تحقق الترتيب الرابع على محافظات الجمهورية في ملف التقنين    5 أبراج تهتم بالتفاصيل الصغيرة وتلاحظ كل شيء.. هل أنت منهم؟    وزير المالية: إعطاء أولوية للإنفاق على الصحة والتعليم خلال السنوات المقبلة    الوزير وأبوريدة معًا فى حب مصر الكروية    هل رمي الزبالة من السيارة حرام ويعتبر ذنب؟.. أمين الفتوى يجيب    ضبط المتهم بإصابة 3 أشخاص في حفل خطوبة بسبب غوريلا.. اعرف التفاصيل    طاهر الخولي: افتتاح المتحف المصري الكبير رسالة أمل تعكس قوة الدولة المصرية الحديثة    «تقبل انتقادات جماهير ليفربول».. ماكمانامان يوجه رسالة نارية ل محمد صلاح    البابا تواضروس يكلف الأنبا چوزيف نائبًا بابويًّا لإيبارشية جنوب إفريقيا    وزير الخارجية يتابع استعدادات افتتاح المتحف المصري الكبير    بسبب خلافات بينهما.. إحالة مدير مدرسة ومعلم بالشرقية للتحقيق    محافظ المنوفية يتفقد عيادات التأمين الصحي بمنوف    تجهيز 35 شاحنة إماراتية تمهيدًا لإدخالها إلى قطاع غزة    مستوطنون يهاجمون المزارعين ويسرقوا الزيتون شرق رام الله    مقتل شخصين وإصابة ثمانية آخرين جراء هجمات روسية على منطقة خاركيف    القوات المسلحة تدفع بعدد من اللجان التجنيدية إلى جنوب سيناء لتسوية مواقف ذوي الهمم وكبار السن    الأمن يكشف حقيقة فيديو فتاة «إشارة المترو» بالجيزة    نقابة الصحفيين تعلن بدء تلقى طلبات الأعضاء الراغبين فى أداء فريضة الحج    كنز من كنوز الجنة.. خالد الجندي يفسر جملة "حول ولا قوة إلا بالله"    محافظ المنوفية يتفقد إنشاءات مدرسة العقيد بحري أحمد شاكر للمكفوفين    إطلاق مبادرة "افتح حسابك في مصر" لتسهيل الخدمات المصرفية للمصريين بالخارج    محمود عباس يصدر إعلانًا دستوريًا بتولي نائب الرئيس الفلسطيني مهام الرئيس «حال شغور المنصب»    لأول مرة في جنوب سيناء.. افتتاح وحدة علاج الأورام والعلاج الكيماوي بمجمع الفيروز الطبي    المرشح أحمد حسام: "شرف كبير أن أنال ثقة الخطيب وأن أتواجد ضمن قائمته"    الزمالك يوضح حقيقة عدم صرف مستحقات فيريرا    كيف تتعاملين مع إحباط ابنك بعد أداء امتحان صعب؟    حسام الخولي ممثلا للهيئة البرلمانية لمستقبل وطن بمجلس الشيوخ    منح العاملين بالقطاع الخاص إجازة رسمية السبت المقبل بمناسبة افتتاح المتحف    رئيس الوزراء يستعرض الموقف التنفيذي لأبرز المشروعات والمبادرات بالسويس    مركز الازهر العالمي للفتوى الإلكترونية ، عن 10 آداب في كيفية معاملة الكبير في الإسلام    مصدر من الأهلي ل في الجول: فحص طبي جديد لإمام عاشور خلال 48 ساعة.. وتجهيز الخطوة المقبلة    حصاد أمني خلال 24 ساعة.. ضبط قضايا تهريب وتنفيذ 302 حكم قضائي بالمنافذ    هيئة الرقابة المالية تصدر قواعد حوكمة وتوفيق أوضاع شركات التأمين    د. فتحي حسين يكتب: الكلمة.. مسؤولية تبني الأمم أو تهدمها    تداول 55 ألف طن و642 شاحنة بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    موعد بدء شهر رمضان 2026 في مصر وأول أيام الصيام    مصرع شخص في حريق شقة سكنية بالعياط    بث مباشر الأهلي وإيجل نوار اليوم في دوري أبطال إفريقيا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شاهين وتورتشى.. معركة القضاء على كورونا
نشر في الشروق الجديد يوم 16 - 11 - 2020

إلى هذا الحد يمكن أن تتحوّل تلك الوحدة الصغيرة المؤتلفة برباط الزواج المقدس إلى سفينة النجاة من طوفان الجائحة المخيف. إلى هذا الحد يمكن لآلام الهجرة وتحدياتها أن تشيّد معملا وبيتا قوامهما الطموح وحب العلم والمعرفة ليجتمع تحت سقفيهما الدكتور «أور شاهين» Dr. Ugur Sahin (55 عاما) والدكتورة أوزلم تورتشى Dr. Özlem Türeci (53 عاما) العالمان الألمانيان من أصول تركية.
حينما نزح والد الدكتور شاهين من مدينة الإسكندرونة إلى مقاطعة كولونيا، كان ابنه فى الرابعة من عمره، لكنه بالتأكيد تجرّع عبر تجربة والديه مرارة البحث عن وطن جديد، وطن لا يميز الناس إلا بالسعى، ولا يفتش فى العقائد والأعراق. ليس سهلا أن يكون هذا الوطن هو ألمانيا، التى عرفت عبر تاريخها الحديث تيارات يمينية عنصرية، تشكلت فى بواتقها نفسية نفر من المتطرفين الكارهين لكل ما هو ملوّن أو مهاجر.
فى ظروف مشابهة نشأت الدكتورة أوزلم وأحبت الطب، والتقى المهاجران فى محاريب العلم على أمر قد قدر، حتى إن «ديفيد جيليس» ذكر فى مقال فريد له بالنيويورك تايمز، نشر فى العاشر من نوفمبر الجارى، أنهما أمضيا ما بقى من ليلة عرسهما فى المعمل، كأنما أفرغا فيه شحنات المودة والنهم إلى المعرفة والإبداع، بما يكفى للتعبير المتبادل عن ألفة صادقة تسطر أولويات الزوجين من أول ليلة.
***
إذا لم تكن من الباحثين فى وسائل الإعلام عن كل تطور يطرأ على حرب البشرية ضد فيروس كورونا، وغلب عليك الانشغال بالروتين اليومى أو بالانتخابات الأمريكية أو المصرية أو حتى مسلسل ما وراء الطبيعة، فربما لم تلحظ أن أسواق المال والسلع والمعادن النفيسة قد اهتزت بقوة منذ أيام طربا لنبأ عظيم، عن تطوير شركة فايزر بالتعاون مع إحدى الشركات المختصة بالبحوث الطبية للقاح جديد ضد فيروس كوفيد 19 المعروف بكورونا، وأن اللقاح المذكور قد أتى بنتائج إيجابية تزيد فاعليتها عن 90%!.
الشركة التى طوّرت اللقاح فى معاملها هى شركة «بايونتك» BioNTech المملوكة لهذين الزوجين المهاجرين، والتى يعمل بها نحو 1800 شخص، ولها أفرع فى عدة مدن بأوروبا، قد بلغت قيمتها السوقية منذ أشهر ما يزيد عن 21 مليار دولار، فى أعقاب طرح الزوجين لنسبة من أسهمهما بها فى السوق... وهى شركة جديدة نسبيا قاما بتأسيسها بعد نجاح شركتهما الأولى التى نشأت فى صورة مشروع صغير عام 2001 تحت اسم Ganymed والتى أمكنها تطوير أدوية لعلاج السرطان باستخدام الأجسام المضادة.. ثم وفقا إلى بيعها عام 2016 بنحو 1.4 مليار دولار ليدخلا بذلك نادى المليارات. للوهلة الأولى تظن أن الدكتور «أور» وزوجته قد احترفا مجال الاستثمار وجمع الأموال، لكن ما إن تعرف أنهما مازالا يقيمان مع ابنتهما الوحيدة الفتاة المراهقة فى شقة صغيرة بجوار مقر عملهما، فلربما راجعت استنتاجك المتسرّع، وأبصرت بعينى الحكمة أن الزوجين قد زهدا فى كل شىء خلا العلم وتحقيق النفع للبشرية.
منذ عامين عكف شاهين وزوجته على تطوير لقاح للأنفلونزا، وكانت مساهمتهما فى المؤتمرات تدور حول احتمال ظهور وباء جديد يصيب البشرية كما حدث مع الحمى الإسبانية مطلع القرن الماضى... تمكنا من بيع فكرة تطوير هذا اللقاح لشركة فايزر العالمية، وطورا من أجل ذلك شراكة تسمح باقتسام نجاح المشروع على نحو عادل. ظل العمل يدور على قدم وساق، وكعادة أعمال البحث العلمى فإن النجاح يكون قاصرا على نسبة ضئيلة، وفى الغالب ما يتأخر إثماره لسنوات، لكن من يعملون بهذا الحقل يدركون ذلك ويصبرون على زرعتهم، كغارس النخيل لا ينظر أن يأكل من ثمره.
البداية الحقيقية كانت مع بدء انتشار فيروس كورونا فى الصين يناير 2020، وعلى الرغم من تشويش المعلومات الذى أحاط بالموجة الأولى للوباء لدى انطلاقتها، والذى يظن الكثيرون أنه كان متعمّدا، فقد تحرّك الزوجان سريعا للبدء فورا فى تطوير اللقاح، الذى يمكنه أن يصمد أمام كورونا بالتعاون مع شركة فايزر للأدوية، التى يترأس مجلس إدارتها مهاجر أيضا لكن من أصول يونانية، ولا عجب إن كان بين الشعبين اليونانى والتركى ما بينهما من أسباب الفرقة والشقاق، فقد اصطلحوا فى محراب العلم والنفع، وكأنها فى ذاتها رسالة حب مخفية للبشرية. كان الشركاء على موعد مع المسئولية لا الفرصة، إذ أدرك العالمان أن معملهما هو الوحيد فى العالم الأكثر استعدادا لتطوير هذا اللقاح، وأنهما قد بدءا فى العمل على احتمال انتشار وباء بتلك المواصفات قبل أى مخلوق على وجه الأرض.
***
العالم كله يتسابق من أجل الوصول إلى لقاح. مصائر دول عظمى، نتائج انتخاباتها، تداول السلطة فيها، أنشطة الاقتصاد فى أنحاء الكرة الأرضية، عودة الحياة سيرتها الأولى، وقف نزيف الموتى الذى تجاوز المليون وثلاثمائة ألف ضحية، ونزيف الإصابات التى تجاوز رصيدها الخمسين مليون إصابة حول العالم!... كل ذلك رهن بظهور لقاح فعّال.
البعض أشاع أنه وجد الحل، والبعض روّج للقاحات لم تكن فعّالة، لكن أيا من هذا لم يضغط على العالمَين، ولم يدفعهما إلى العجلة فى حرق أى من مراحل تطوير اللقاح واختباره. بالطبع استفادا من الاستثناء الممنوح لاجتياز الأدوية المستحدثة فى ظروف الطوارئ، والكثير من مراحل التدقيق والفحص والاختبار التقليدية، لكنه استثناء أتاحته منظمة الصحة العالمية للجميع ولم تختص به شركة بعينها.
ولأن فى كل مشكلة فرصة، فإن العالم قد بدأ يتجاوز الصدمة الإيجابية لظهور اللقاح إلى ما وراءها من صعوبات توفيره بكميات كبيرة، وإتاحته لكل سكان العالم. لذا فقد تجد عزيزى القارئ أن برنامجا مهما على شبكة سى إن إن الإخبارية الأمريكية قد خصص وقت الهواء فيه كاملا لصالح شركة ناشئة توفّر حلولا عالية الكفاءة لنقل اللقاح فى حاويات طبية بدرجة حرارة مناسبة تحت الصفر بسبعين درجة مئوية.
الدروس المستفادة من عمل الزوجين لا تحصيها كلمات مقال واحد، لكن أبرزها يكمن فى قهر المستحيل، واغتنام فرصة التعليم الجيد مهما أحاط بها من صعوبات، وأن سر الفلاح يتجسّد فى التفانى والإخلاص إلى مشارف الإتقان، والاستعداد دائما لما يغفله الكثيرون حتى وإن كلّفك هذا الوقت والمال الكثير، والبحث عن فرصة للتميّز ولو عبر ثقب إبرة.
***
إن نجح هذا اللقاح فلا أستبعد أن يحصل العالمان الزوجان على نوبل فى الطب، وأى إنجاز أنفع للبشرية من وقف فنائها؟! ولا أستبعد أن يتوقف الجدل السخيف حول أى أصحاب الملل والنحل أنفع للناس! وأن يعى الجميع أن صلاح العقيدة مرهون بالمتلقى، فإن صح وعيه وإدراكه صحّت عقيدته وكفى الناس أذاه. وأنه ليس ثمة شر محض أو خير خالص فى أمة دون الأمم، وأن الله قد خلقنا شعوبا وقبائل لنتعارف ونتعايش. إن نجح هذا اللقاح فسوف تعود الحياة إلى طبيعتها، ويعود الإنسان أقوى من ذى قبل، فقد صهرته المحن على نحو غير مسبوق فى تاريخنا المعاصر، وأحاطت به الظنون المهلكة ومازالت، لكنه استطاع أن يخرج منها بأمانة الله التى أودعها إياه، بالعقل والعلم والمعرفة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.