وعود محافظ أسوان مصطفى السيد عن تمليك النوبة للأراضى، التى يسكنونها مجانا، أصبحت عنوانا لأحدث أزمة نوبية، تحمل فى تفاصيلها كل العناصر النوبية المعتادة: أرض، وهجرة، وأوراق تمليك مفقودة، يعتقد البعض أنها هناك، فى دار المحفوظات بالقلعة. بدأت الأزمة يوم الثلاثاء 10 نوفمبر، حين عقد المجلس المحلى لمدينة أسوان جلسة طارئة لمناقشة مطالب الأعضاء بتفعيل وعود المحافظ حول تقنين أوضاع أهل النوبة وإعطائهم حقوق الملكية للأراضى التى تم تهجيرهم إليها. وفى أثناء الجلسة ترك مصطفى عبدالمحسن، رئيس الوحدة المحلية فى مدينة ومركز أسوان، الجلسة ورفض استكمالها بعد أن اتهمه بعض الأعضاء بالعنصرية والتعنت. كان محافظ أسوان مصطفى السيد قد صرح بوعد تمليك النوبيين لأراضيهم فى 7 سبتمبر الماضى، بحضور جمال مبارك أمين لجنة السياسات للحزب الوطنى، أثناء زيارة الأخير لمنطقة نصر النوبة التى تبعد ساعة عن أسوان. «احنا عملنا الجلسة دى لنطالب بتفعيل وعود المحافظ، والتى جاءت فى حضور جمال مبارك، واتسقت مع تصريحات رئيس الجمهورية، الذى أكد أن الأولوية فى تملك الأراضى هى للنوبيين»، يقولها محمد سرور، عضو أمانة الحزب الوطنى لمدينة أسوان. يروى سرور، الذى ينتمى لقبيلة كنوز النوبية، أحداث الجلسة العاصفة: «رئيس الوحدة رفض تمليك أراض للنوبيين إلا بعقود تثبت تملكهم لأراض فى القرى الغارقة بسبب خزان أسوان عام 1933»، وهو أمر مستحيل تطبيقه، فى رأى سرور، لأن الهجرة قد حدثت منذ أكثر من 100 سنة، «وعمر ما كان فى النوبة عقود ملكية». «رفضنا فكرة العقود خلال الجلسة»، والكلام ما زال لسرور، «وأصر مصطفى عبدالمحسن رئيس اللجنة على تكوين لجنة تروح وتشوف أوراق تثبت أن طالب ملكية الأرض نوبى عايش من أيام الأجداد». شهدت النوبة 4 هجرات منذ مطلع القرن العشرين، ارتبطت كلها ببناء خزان أسوان أو تعليته. الهجرة الأولى وقعت فى 1902 عند بناء الخزان، ثم اضطر أهل النوبة للهجرة مرة أخرى بعد تعلية الخزان فى 1912، ثم هاجروا مرة ثالثة بعد تعلية السد فى 1933. وجاءت الهجرة الكبرى أثناء بناء السد العالى أواخر الستينيات. ولم يحصل النوبيون على تعويضات ولم يتملكوا أراض بديلة حتى الآن، ويسكنون فى قرى مقامة على أرض ملك للحكومة فى غرب سهيل وجزيرة أسوان ونجع المحطة وجبل شيشة وعواض وتنكار والحصايا والشلال وغيرها. وينتقد محمد سرور إصرار رئيس المجلس على دراسة أوضاع النوبيين المهجرين بين 1902 و1933 وتجاهل النوبة الذين هاجروا فى الستينيات. يتفق حذيفة محمد أحمد، وكيل لجنة الإسكان فى مجلس مدينة أسوان، مع محمد سرور فى وصف رئيس اللجنة مصطفى محسن بالتعنت. يرى حذيفة أن مطالبة المجلس لأهل النوبة بأوراق ملكية هى «كلاكيع» هدفها عرقلة حصول النوبيين على حقوقهم التاريخية. ويطالب حذيفة باستبدال عقود الملكية بورقة مختومة من الجمعيات الأهلية المتوافرة بالمراكز والقرى، «احنا كنا علمنا مستند بيثبت إن فلان ده نوبى ومن أصل نوبى من خلال ذكر شجرة العيلة، وعائلات النوبة معروفة». ويرد مصطفى عبدالمحسن رئيس الوحدة المحلية لمركز أسوان على اتهامات أعضاء المجلس بعرقلة تمكين النوبة لأراضيهم بأن كل مطمحه هو التأكد من تمليك الأراضى لأصحابها، وإغلاق أى باب محتمل للتزوير، وتأمين لحقوق جميع أبناء النوبة المتضررين فى مركز ومدينة أسوان، مشيرا إلى أن عدم وجود إحصاء دقيق للنوبيين يزيد من صعوبة تحديد مستحقى الأراضى. وأشار مصطفى إلى أن النوبة الذين هاجروا فى الستينيات لا يتبعون مركز ومدينة أسوان، بل يتبعون مركز نصر النوبة، ولا علاقة له بأمرهم. «مش شرط إن المستند اللى بيثبت ملكية الأرض يكون عقد ملكية، ممكن يكون شهادة ميلاد أو وفاة للمورث أو زواج أو طلاق، أو عقود عرفية بين اثنين تدل على الملكية»، يوضح مصطفى، «ولا يمكن أن يكون هناك نوبى لا يمتلك مستندا واحدا رسميا يتقدم به كدليل ملكية». ويرفض مصطفى فكرة الاعتماد على مستندات «شجرة العائلة»، التى تصدرها الجمعيات الأهلية كدليل رسمى يثبت ملكية الأرض، «لأنه دليل غير رسمى لأن الجمعيات الأهلية ذات صفة اعتبارية، وأعضاؤها متغيرون وجدد، والشهادة بوضعها الحالى لا تعتبر مستندا». ويؤكد مصطفى أنه حاول أن يجد حلا وسطا، «كإرسال مندوبين من الوحدة المحلية لتسجيل كشوف بأسماء النوبيين ومطابقتها فى مستندات الضرائب العقارية القديمة ونطلع المستندات باسمهم»، ويؤكد مصطفى أن جميع المستندات القديمة موجودة بحالة جيدة فى دار المحفوظات بقلعة صلاح الدين الأيوبى بالقاهرة. وفسر محسن، ذو الأصل الأسيوطى، خروجه الغاضب من الجلسة المخصصة لمناقشة الوضع النوبى بأنه كان ردا على اتهام الأعضاء له بالعنصرية. وقال مصدر رسمى قريب من ملف النوبة، فضل عدم ذكر اسمه، إنه يؤيد الإجراءات التى يطالب بها مصطفى. «بعد بناء السد العالى شهدت أسوان هجرات متتالية من جميع المحافظات خاصة الصعيد ووجه بحرى إلى أسوان، للعمل فى المصانع التى تم افتتاحها منها مصنع الحديد والصلب، ومصنع السكر»، وطبقا للمصدر فإن بعضهم قد يحاول الاستيلاء على أراضى النوبيين رغم عدم أحقيتهم التاريخية فيها. وعن مطالبة أعضاء المجلس المحلى بالعمل بورقة مختومة من الجمعية الأهلية والمجلس المحلى، يعلق المصدر «ممكن أى واحد يعرف حد فى المجلس المحلى وياخد حق واحد نوبى، واحنا عايزين حقوق النوبيين تروح لهم».طبقا للمصدر، فإن الأمر كله برمته أمام إدارة الشئون القانونية بمحافظة أسوان التى تدرسه للبت فيه.