رئيس حزب الشعب الجمهورى: من أراد أن يخدم مصر فسيجد ألف طريق لذلك    4 يوليو 2025.. الذهب يتراجع 15 جنيها وعيار 21 يسجل 4640    استقرار أسعار الدواجن بأسواق الإسكندرية.. الفراخ البيضاء ب80 جنيها للكيلو    من إشبيلية.. المشاط تدعو لتمويل عادل وشراكات تدفع التنمية في الدول النامية    وزير خارجية السعودية: هناك تعزيز للتعاون الاقتصادي والثقافي على المستوى الشعبي مع روسيا    يلا كورة يكشف.. ترتيب قادة الزمالك في الموسم الجديد بعد اعتزال شيكابالا    «حادث قطار» ينهي حياة مهاجم طلائع الجيش.. تفاصيل صادمة    مخرج «أحمد وأحمد»: الفيلم فكرة «فهمي».. وكوميديا السقا هتفاجئ الجمهور| خاص    عمرو دياب يحيي حفلًا ضخمًا ب«مهرجان العلمين».. في هذا الموعد    "الزراعة" إصدار 677 ترخيص لأنشطة ومشروعات الإنتاج الحيواني والداجني    باشاك شهير يقترب من ضم مصطفى محمد.. مفاوضات متقدمة لحسم الصفقة    صفقة نيكو ويليامز إلى برشلونة تدخل نفق التعقيدات.. والشرط "المرفوض" يعطّل الحسم    أندية بالمنيا تهدد بالانسحاب من دوري القسم الثاني لكرة القدم للموسم الجديد    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : هذا هو اجتهادى?!    محافظ المنوفية: تحرير 220 محضرًا تموينيًا خلال يومين من الحملات التفتيشية    مصرع طفلة وإصابة 3 أشخاص صدمهم أتوبيس فى الدقهلية    "كانت فى طريقها للوادى الجديد" إصابة 14 شخصا إثر انقلاب سيارة ميكروباص بديروط فى أسيوط    الأمن يكشف حقيقة فيديو لضابط يجمع أموالًا    إخلاء سبيل طالبة بالإعدادية تساعد طلاب الثانوية على الغش بالمنوفية    سلطات كييف: هجوم روسي مكثف بالمسيرات على العاصمة    وزير الأوقاف يدين اغتيال الاحتلال مدير المستشفى الإندونيسي بغزة    حمو بيكا يوضح حقيقة اعتزاله الغناء بعد وفاة صديقه المطرب أحمد عامر    18 يوليو.. أنغام تفتتح الدورة الثالثة لمهرجان العلمين الجديدة 2025    النائب هيثم الشيخ: نطالب بتمهيد الطريق أمام الشباب للتمثيل بالقائمة الوطنية    برعاية المحافظ.. سائحون يشاركون في معرض التراث بمتحف شرم الشيخ    السنن النبوية والأعمال المستحب فعلها يوم عاشوراء    الصحة: تنظم زيارة ميدانية لوفد فرنسي إلى عدد من المنشآت الصحية بكفر الشيخ    حملات بالمدن الجديدة لضبط وإزالة وصلات المياه الخلسة وتحصيل المتأخرات    شعار سوريا الجديد يشعل ضجة بين الرافض والمؤيد.. فماذا تعرف عنه؟    معركة حطين.. ما يقوله جرجى زيدان عن انتصار صلاح الدين الأيوبى    منتخب الهوكى يفتتح مشواره فى بطولة الأمم الثلاث الدولية بمواجهة كرواتيا    ضبط 118 قضية مخدرات وتنفيذ 61 ألف حكم قضائى فى 24 ساعة    الشربيني: تسليم مبنى الإسعاف وتنفيذ طرق الإسكان الاجتماعي بأخميم الجديدة    وزير الدفاع الإسرائيلي: الجيش سيضمن أن إيران لن تهدد إسرائيل مجددًا    مستوطنون يحاولون إحراق منزل جنوب نابلس.. وإصابات بالضرب والغاز خلال اقتحام بيتا    "ضريبة البعد" تتصدر تريند تويتر في مصر فور طرح ألبوم أصالة.. والأغنية من ألحان مدين    اتصال هاتفي بين وزير الخارجية والهجرة ونظيره النرويجي    وظائف جديدة بمرتبات تصل 13 ألف جنيه في قطاع الكهرباء    مدحت العدل: الزمالك بحاجة إلى ثورة إدارية.. والاعتراض على تعيين إدوارد «كلام قهاوي»    هل يجوز صيام عاشوراء فقط؟.. ماذا قال النبي وبماذا ينصح العلماء؟    الأمم المتحدة: فشلنا في حماية الشعب الفلسطيني    ننشر كل ما تريد معرفته عن «يوم عاشوراء»    رمضان السيد ينتقد تعاقد الزمالك مع جون إدوارد: النادي لا يحتاج إلى سماسرة    الفلفل ب10 جنيه... أسعار الخضراوات والفواكه بكفر الشيخ اليوم    رئيس وزراء إثيوبيا يوجه دعوة خاصة لمصر بشأن سد النهضة    تنسيق الجامعات 2025، قواعد التوزيع الجغرافي للقبول بالجامعات الحكومية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الجمعة 4-7-2025 في محافظة قنا    بعد ملحمة السيتى الهلال يطمع فى التأهل لنصف نهائى المونديال    الصحة : نجاح جراحات لسيدتين من السودان واندونيسيا تعانيان من أورام بالرحم    طريقة عمل العاشوراء اللايت بمكونات بسيطة    «أوقاف شمال سيناء»: تنفيذ قوافل دعوية في 3 مراكز للشباب الأربعاء المقبل    الصحة بشمال سيناء: فرق طبية شاملة لشواطئ العريش حتى نهاية الصيف    يوم طار باقي 9 أيام، إجازات الموظفين في شهر يوليو 2025    احذر.. التحرش الإلكتروني يعرضك للحبس وغرامة 100 ألف جنيه    حكم جديد ضد صالح جمعة يمنعه من السفر لتاني مرة، ومحامي طليقته يتوعده بمفاجأة    ردد الآن| دعاء صلاة الفجر اليوم الجمعة 4 يوليو 2025.. اللهم أجرنا من النار، واصرف عنا كل مكروه، وأرض عنا يا أرحم الراحمين    أضرار النوم الكثير، أمراض القلب والاكتئاب وضعف المناعة    أول تعليق لرئيس حزب الوعي بعد استقالة كرم جبر وعمرو الشناوي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مباراة على ملعب الستينيات
نشر في الشروق الجديد يوم 19 - 11 - 2009

لأول مرة منذ انتقلت إلى هذا الحى قبل واحد وثلاثين عاما أغلق جارها الطبيب عيادته، وكان ذلك يوم السبت الموافق 14 نوفمبر 2009. فعلى مدار هذه الفترة الطويلة التى عرفت فيها جارها النطاسى البارع لم يوصد أبواب عيادته فى الصباح، ولا أطفأ أنوارها فى المساء إلا فى العيدين وشم النسيم.
كان يسافر ليوم أو بعض يوم وما أن تحط طائرته على أرض المطار حتى يتخذ طريقه إلى العيادة، فهو من القلائل الذين يتعاملون مع الطب كرسالة وليس كمجرد مهنة. لكن فى هذا اليوم خالف الرجل عادته وفعل كما فعل معظم المصريين عندما منحوا أنفسهم إجازة فقَروا فى المنازل أو اتخذوا طريقهم إلى استاد القاهرة أو عملوا بنصف تركيز لساعة أو اثنتين لا أكثر.
فاليوم مباراة القرن كما وصفها مذيع بالقناة الثانية المصرية، وإن كانت لا تدرى بحق عن أى قرن كان يتحدث صاحبنا: هل القرن العشرون لكن بأثر رجعى أم القرن الحادى والعشرون الذى يكتمل بعد واحد وتسعين عاما بالتمام والكمال، منح الله الجميع طول العمر.
وحدهم كانوا رجال الأمن والإعلام وباعة الأعلام هم أصحاب الحضور المطلوب والكثيف جدا فى ميادين القاهرة وشوارعها. يحول الجنود العاصمة إلى ثكنة عسكرية جاهزة للمعركة. ويلتحم الإعلاميون بالمشجعين من الجانبين يسألونهم عن توقعاتهم قبل المباراة وعن شعورهم بعد المباراة، وطبعا يغطون أخبار اللاعبين ثانية بثانية. ويرقص الباعة فى الطرقات أمام السيارات فيجبرونها على الوقوف ماذا وإلا، ويلوحون بالأعلام صائحين: شجع بلدك.
أعلام من كل المقاسات تفنن المشجعون فى توظيفها بأشكال مختلفة، فإذا هى تتدلى من الشرفات وترفرف فوق السيارات أو تغطى زجاجها وأحيانا لوحاتها المعدنية. أعلام على هيئة تى شيرت وشال وغطاء للرأس ووشم على الوجه والذراعين.. أعلام فى كل مكان.. كل مكان.
هل نحن نحب مصر إلى هذا الحد؟ إن كنا نحبها فلماذا لا نخلص لها العمل؟ لماذا نختزل العمل فى الرياضة، والرياضة فى الكرة، والكرة فى الجزائر؟ وهل للعَلم فى ثقافتنا كل هذا التقديس؟ فإن كنا نقدسه فلماذا نتركه ممزقا متسخا فوق مرافقنا وعلى مكاتبنا وأعلى أعمدة الضوء فى شوارعنا؟ من منا يتبرع بعلمه الجديد النظيف بعد المباراة إلى الجهة التى يعمل فيها فيحفظ لمصر كرامتها لأن العَلَم المُهان يؤشر لدولة مهانة؟
على أى حال الآن وبعد أن انفض السامر ها هى تحاول أن تبحث عن نتيجة إيجابية واحدة فى كل هذا العبث الذى لازمنا طيلة الأيام الماضية. وها هى أخيرا تجدها. رد الفريقان المصرى والجزائرى لعصر جمال عبدالناصر اعتباره فى مواجهة حملة شرسة طالت البشر والحجر فى هذا العصر حتى حملته كل أوزار الفترة من عام 1970 إلى يومنا هذا.
فعندما أراد المتعصبون من المصريين أن يحرجوا إخوانهم الجزائريين عايروهم بأن مصر الستينيات هى التى ساندت ثورة الأول من نوفمبر عام 1954، وهى التى علمتهم الإسلام والعروبة، وهى التى ساهمت فى بناء الجزائر الحديثة.
لم يجد هؤلاء المتعصبون إذن خلال تسعة وثلاثين عاما ما يفاخرون به من دور لمصر عربى فى الجزائر إلا ميراث عبدالناصر. ورغم أن بين هؤلاء المتعصبين من لا يرى فى حقبة الستينيات إلا شرا مطلقا، كما هو حال هذا المذيع الفضائى اللامع الذى لا يترك فرصة للتذكير بأن عبدالناصر كان متسلطا ومستبدا إلا وذكَرنا بها، فقد شاهدناه يسمق برقبته عاليا كعادته ويرفع حاجبيه ويقول «ساندنا ثورة المليون شهيد».
وعندما أراد المتعصبون من الجزائريين الكيد لإخوانهم المصريين ترحموا على الزمن الجميل زمن جمال عبدالناصر وزملائه من الضباط الأحرار. هكذا قال صحفى جزائرى فى رده على تجاوز الإعلام الفضائى المصرى لكل الخطوط الحمر.
ومضوا خطوة أبعد بالتهكم على العلم المصرى فنزعوا النسر الذى يتوسطه ووضعوا مكانه نجمة داوود فى إشارة إلى اتفاقيات كامب ديفيد التى كانت من ميراث ما بعد عبدالناصر. لكن لأن بين هؤلاء من لا يقتنع بالتجربة الناصرية وفى الوقت نفسه لا يملك إنكار مسئولية مصر الخمسينيات والستينيات تجاه حركات التحرر الوطنى، تجده يتشفى فى هزيمة يونيو 1967، ويذكر بأن الدعم الذى قدمه الرئيس العروبة هوارى بومدين لمصر بعد النكسة كان هو السبب فى نصر أكتوبر.
عندما كان لمصر دورها العربى النابع من مصلحة مصرية ومن التزام قومى لا من شعور بالكبر والاستعلاء، بنى المهندس المصرى الشهير مصطفى موسى أكبر فنادق العاصمة الجزائرية وأقدمها فندق الأوراسى، وترأس الشيخ محمد الغزالى المجلس العلمى لجامعة الأمير عبدالقادر للعلوم الإسلامية فى قسنطينة، وعمل معه دعاة بقامة د.يوسف القرضاوى، كما حضر د.توفيق الشاوى الإعلان عن استقلال الجزائر ومعه صديقه الصدوق أحمد بن بيلا، ثم اشتغل لاحقا مستشارا لمجلس قيادة الثورة وأسس بنك الجزائر الوطنى. وعندما كان للجزائر مشروع عربى لم تعتبر هزيمة 1967 هزيمة لمصر توجب المعايرة بل هزيمة للتيار التقدمى بكل امتداداته العربية فى ذلك الحين وأساسا فى الجزائر.
عندما يتشاتم المصريون والجزائريون ويتضاربون ويتعايرون بسبب مباراة... مجرد مباراة على طريق الألف ميل لكأس العالم، وعندما يتعامل المصريون والجزائريون مع المباراة كمعركة ويحشدون لها الأنصار فى القاهرة والخرطوم يتجدد الحنين إلى زمن الستينيات التى كان فيها للمعارك معنى مختلف، ولا تملك صاحبتنا أمام دموع طالبها الجزائرى الخلوق إلا شعورا عميقا بالخزى والخجل مما جرى أو قد يجرى.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.