استعرض الدكتور مصطفى أديب رئيس الوزراء المكلف في لبنان، في خطاب الاعتذار عن عدم تشكيل الحكومة الجديدة، جهوده نحو تأليف الحكومة ومسار تشكيلها، مشيرا إلى أن التكتلات النيابية أبلغته التزامها تسهيل مهمته، وعدم وجود نية لتسمية أي شخصية وزارية، وكذلك عدم وجود شروط لها سوى إجراء الإصلاحات المالية والاقتصادية والمالية التي سبق وجرى الاتفاق عليها مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وأضاف أديب، أنه أبلغ جميع الكتل النيابية والقوى السياسية اللبنانية أنه لن يقوم بتفضيل فريق سياسي على آخر، كما أنه لن يقوم باختيار أسماء قد تشكل استفزازا لأي طرف سياسي في البلاد حرصا على التوافق السياسي، مشيرا إلى أنه -ومع بلوغ المراحل النهائية لتشكيل الحكومة- فوجىء بتراجع عدد من القوى السياسية عن التزاماتها وتعهداتها، الأمر الذي ينسف التوافق السياسي الذي قبل على أساسه مهمة تشكيل الحكومة الجديدة. وقال أديب: "عندما سمتني غالبية كبيرة من نواب الأمة في الاستشارات النيابية الملزمة، وكلفني رئيس الجمهورية ميشال عون بناء عليها بتشكيل الحكومة الجديدة، قبلت على أساس أنني لن اتخطى مهلة الأسبوعين لتشكيل حكومة إنقاذ ذات مهمة إصلاحية محددة ومفصلة، استنادا إلى المطالب الإصلاحية العارمة للبنانيين، وقوامها أفضل ما يوفقنا إليه الله من اختصاصيين مشهود لهم بخبرتهم ونزاهتهم ومعرفتهم بالإدارة، وليس من بينهم أصحاب انتماءات حزبية أو من تسميهم الأحزاب". وأضاف: "كان تفاؤلي كبيرا لمعرفة أن هذه المواصفات كلها وافقت عليها التكتلات الرئيسية في المجلس النيابي، والتزمت بها أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون صاحب المبادرة الإنقاذية الدولية المتاحة أمام لبنان في اجتماع جرى مطلع الشهر الجاري في السفارة الفرنسية، وتم خلاله تدوين الإصلاحات المالية والاقتصادية والإدارية المفصلة واللازمة خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عمر الحكومة الجديدة، والتي التزمت الكتل نفسها بدعمها في المجلس النيابي". وتابع: "كان واضحا في البداية أن تشكيل حكومة بهذه المواصفات الاختصاصية المبنية على الكفاءة والنزاهة، والتزامها مع الكتل النيابية ببرنامج الإصلاح المالي والاقتصادي والإدارية التفصيلي، من شأنه أن يسمح للرئيس الفرنسي الإيفاء بوعده بحشد المجتمع الدولي لدعم لبنان بدءا من مؤتمر دولي في العاصمة الفرنسية باريس بعد حوالي شهر من نيل الحكومة ثقة المجلس النيابي". واسترسل قائلا: "وما زاد من تفاؤلي حينها أن برنامج الإصلاحات المالية والاقتصادية والإدارية المفصل، والذي التزم به الجميع في أول سبتمبر الجاري، شكّل مسودة أولى شبه جاهزة للبيان الوزاري، خصوصا وأنني أعلنت بوضوح لجميع الكتل النيابية أن لا نية لدي شخصيا، أو لدى أي تشكيلة حكومية أنا في صددها، الانخراط في أي شأن سياسي، وهو ما طلبته على شكل تعهد قاطع من جميع الأسماء التي فكرت باقتراحها من ضمن التشكيلة الحكومية". وأضاف: "وفور شروعي بالاستشارات النيابية لتشكيل الحكومة، أعلن عدد من الكتل النيابية نيته عدم تسمية أحد للحكومة، مع التزامه تسهيل عملها، في ما أبلغتني بقية الكتل أن لا شروط لها على مثل هكذا الحكومة سوى التزام مسودة الإصلاحات المالية والاقتصادية والإدارية المتفق عليها، كما أنني أبلغت جميع الكتل التي تواصلت معي بعد الاستشارات، أنني لست في صدد إيثار فريق سياسي على آخر، أو في صدد اقتراح أسماء قد تشكل استفزازا لأي طرف مهما بلغت كفاءتها المهنية والإدارية للمنصب المطلوب، وهو ما قوبل بارتياح عبرت عن الكتل النيابية جميعا". وتابع: "ومع وصول المجهود لتشكيل الحكومة إلى مراحله الأخيرة، تبين لي أن هذا التوافق الذي على أساسه قبلت هذه المهمة الوطنية في هذا الظرف الصعب من تاريخ لبنان، لم يعد قائما". وقال: "وبما أن تشكيلة حكومية بالمواصفات التي وضعتها أصبحت محكومة سلفا بالفشل، وحرصا مني على الوحدة الوطنية بدستوريتها ومصداقيتها، فإنني اعتذار عن عدم متابعة مهمة تشكيل الحكومة الجديدة، متمنيا لمن سيتم اختياره للمهمة الشاقة من بعدي، وللذين سيختارونه، كامل التوفيق في مواجهة الأخطار الداهمة المحدقة بلبنان وشعبه واقتصاده". وأعرب مصطفى أديب عن تقديره لرئيس الجمهورية ميشال عون، والرؤساء السابقين للحكومات اللبنانية، لدعمهم له في مهمته، متوجها بالاعتذار إلى الشعب اللبناني عن عدم التمكن من تحقيق ما يطمح إليه من فريق حكومي إصلاحي يعبر من نافذة الإنقاذ التي فتحتها مبادرة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. وأكد أديب أهمية الاستمرار في المبادرة الفرنسية لإنقاذ لبنان، كونها تعبر عن نية صادقة من الدولة الفرنسية والرئيس ماكرون شخصيا لدعم لبنان ومساندته في أزماته. وكان مصطفى أديب قد حضر اليوم إلى قصر بعبدا في لقاء هو السادس له مع رئيس الجمهورية منذ أن جرى تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة في 31 أغسطس الماضي. وتواجه عملية تشكيل الحكومة اللبنانية الجديدة عقبة كبيرة تتمثل في إصرار حركة أمل وحزب الله على الاحتفاظ بوزارة المالية في الحكومة التي كُلف مصطفى أديب بترؤسها وتشكيلها، وذلك عبر تسمية الثنائي الشيعي للوزير الذي سيشغل الحقيبة، إلى جانب المشاركة في تسمية ممثليهما في الحكومة من خلال تقديم لائحة أسماء ل "أديب" ليختار منها وزراء الطائفة الشيعية. وفي المقابل، تمسك رئيس الوزراء المكلف -قبل اعتذاره عن عدم مواصلة مهمته- بمبدأ "المداورة" في الحقائب السيادية والأساسية والخدمية بين مختلف الطوائف، إلى جانب تشكيل حكومة مصغرة من الاختصاصيين (الخبراء) المستقلين عن القوى والتيارات والأحزاب السياسية. وكان القادة والزعماء السياسيون اللبنانيون قد تعهدوا أمام الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي زار بيروت أول شهر سبتمبر الحالي، أن تتشكل الحكومة الجديدة للبلاد برئاسة "أديب" في غضون فترة وجيزة لا تتجاوز 15 يوما، وأن تتألف هذه الحكومة من وزراء يتسمون بالكفاءة، وأن تحظى بدعم كافة القوى السياسية اللبنانية، إلى جانب موافقتهم على "خريطة الطريق" الفرنسية المقترحة لإنقاذ لبنان والتي تتضمن المداورة في كافة الوزارات وعدم استئثار أي طائفة بأي حقيبة وزارية.