«إلى العالم الإسلامى نسعى قدما إلى اعتماد نهج جديد، بالاستناد إلى المصالح المشتركة والاحترام المتبادل» بهذه الكلمات التى تضمنها خطاب تنصيب الرئيس الأمريكى باراك أوباما فى يناير الماضى لفت نظر العالم الإسلامى إلى إمكانية قيام تحالف جديد بين الطرفين بعد معاناة طويلة تفاقمت خلال سنوات حكم سلفه جورج بوش. وعلى قدر ما فجرته هذه الكلمات من آمال فى حقبة جديدة للعلاقات الأمريكية، جاءت مشاعر الإحباط وخيبة الأمل لدى الكثيرين بسبب بقاء هذا الملف فى دائرة الكلمات دون وجود أى تحرك ملموس. وعندما أطلق الميجور طبيب فى الجيش الأمريكى نضال مالك حسن النار على مجموعة من العسكريين فى قاعدة فورت هود الأمريكية بولاية تكساس ليقتل 13 ويصيب 30 آخرين، تفجر الجدل من جديد ليس فقط حول العلاقة بين أمريكا والمسلمين بل حول العلاقة بين المسلمين الأمريكيين والمجتمع الأمريكى ككل. وسارع أوباما إلى التحرك لاحتواء أى موجة عنف قد تنفجر ضد المسلمين الأمريكيين على خلفية هذه الحادثة فأعاد التأكيد فى أكثر من مناسبة على أن ما قام بها الضابط الأمريكى من أصل فلسطينى لا ينبغى أن يسيئ إلى العلاقة بين المسلمين والأمريكيين بشكل عام. وقبل تلك الحادثة كان معهد بروكنجز أصدر دراسته المطولة حول إمكانية أن تشكل رئاسة أوباما فرصة أمام كل من المجتمع المدنى الأمريكى والدبلوماسية الأمريكية لردم الهوة بين الولاياتالمتحدة والعالم الإسلامى التى ازدادت اتساعا بعد أحداث 11 سبتمبر 2001 . ويقول التقرير إن الإجراءات التى تم اتخاذها فى الأسابيع الأولى من رئاسة أوباما مثل إعلان إنهاء الحرب فى العراق، وإغلاق معتقل جوانتانامو، وإشراك القادة الإسرائيليين والفلسطينيين فى عملية السلام، شكل ابتعادا نوعيا عن سياسات إدارة بوش، حيث اعتبرت الدراسة أنه فى سياق هذه التغييرات فى السياسة، وبوجود رئيس أمريكى يثنى على تراثه الإسلامى، ورحلات أوباما إلى تركيا والسعودية ومصر تمثل فرصا جديدة أمام المجتمع المدنى لتعزيز الأواصر بين طرفى الانقسام. فبعد تدهور العلاقات بين الولاياتالمتحدة والعالم الإسلامى فى أعقاب 11سبتمبر سعت إدارة بوش إلى معالجة الانقسام بين الطرفين بإنفاق مبالغ طائلة على برامج الدبلوماسية العامة العالمية التى بلغت نحو 1.4 مليار دولار فى السنة، يقدر إنفاق 400 مليون دولار منها فى العالم الإسلامى، كما انطلقت برامج منظمات المجتمع المدنى الأمريكى لتضييق الفجوة بين الطرفين، والتى من المرجح أن تكون قد بلغت عشرات ملايين الدولارات فى السنة، وربما تجاوزت بمجموعها 100 مليون دولار، ولكن أظهرت نتائج الاستطلاعات أن العلاقات بين الطرفين ازدادت سوءا وليس العكس. تقدم الدراسة التى أجريت بين يناير 2007 ويناير 2008 تقييما لفاعلية مبادرات المجتمع المدنى الأمريكى من خلال دراسة منتظمة قائمة على الاستقصاءات لعينة مستعرضة من هذه المبادرات التى يبلغ عددها 22، تم اختيار المبادرات التى تمثل شريحة من المشروعات التى تم إطلاقها إثر هجمات سبتمبر. وينظر هذا البحث فى الطريقة التى يرى فيها الأمريكيون والمواطنون فى العالم الإسلامى الطبيعة الدقيقة للعلاقة بينهما. ويشير البحث إلى أنه ما بين عامى 2002 و2008، تراجع نفوذ أمريكا فى العالم الإسلامى بشدة وسرعة، ووفقا للإحصاء السنوى لعام 2008 عن الرأى العام العربى، أظهر أن 83% من الشعب فى البلدان حيث الأكثرية المسلمة يملكون نظرة سلبية عن أمريكا، فى حين 70 % لا يثقون بالولاياتالمتحدة، حتى فى الكويت، التى تشعر بفضل أمريكا فى تحريرها من العراق عام 1991 انخفضت النظرة الإيجابية فيها تجاه الولاياتالمتحدة إلى 17 بالمائة، فى حين بلغت النظرة السلبية تجاهها 66%. وفى المقابل يحتفظ الأمريكيون بنظرة سلبية عن الإسلام والمسلمين، حيث تبرهن الدراسات أن 59% فقط من الأمريكيين كانوا يمتلكون نظرة إيجابية تجاه المسلمين فى خريف 2001 وبحلول عام 2007 أظهرت دراسة أجراها مركز بيو أن 43% فقط من الأمريكيين يملكون نظرة إيجابية عن المسلمين، فى حين شعر 44% من الأمريكيين أن الإسلام قد يشجع على العنف أكثر من أديان أخرى فى صيف 2003. وعلى صعيد تقييم الرأى العام الأمريكى لأداء حكومته، أظهر خبير الرأى العام دانييل يانكيلوفتش فى بحث نشر فى 2006 أن الأمريكيين أعطوا علامات ضعيفة للحكومة نتيجة لإخفاقها فى العمل لتحسين العلاقات مع العالم الإسلامى. وقال 33% إن سياسة بلادهم فى الشرق الأوسط ساعدت على تجنيد الإرهابيين. فى حين أكدت أحد استطلاعات يانكيلوفتش أن 56% من الأمريكيين يعتقدون أن التواصل المحسن مع العالم الإسلامى سوف يخفف من الكره تجاه الولاياتالمتحدة». والمفارقة التى انطوى عليها هذا البحث أنه على الرغم من أن الاستطلاعات تشير إلى عدم رضا العالم الإسلامى عن السياسات الأمريكية، إلا أن العرب مازالوا يصنفون الولاياتالمتحدة من بين الدول الأولى التى تمنح الحرية والديمقراطية لشعبها. وفى النهاية نصحت الدراسة بضرورة استفادة هذه المبادرات من المسلمين الأمريكيين حيث اعتبرتهم موردا قائما فى أمريكا لم يتم استخدامه بشكل كاف. وإن اختيار أعضاء من الجماعات الأمريكية المسلمة المتماسكة والبالغ عددها 6 ملايين من شأنه أن يعزز من قوة الرسالة المراد إيصالها. وفى المقابل هناك نحو 200 ألف أمريكى مقيم فى العالم الإسلامى يجب توظيفهم بعناية لسد الثغرات بين الطرفين. وكشفت هذه الدراسة أنه بعد ثمانى سنوات، لا نملك أى فكرة واضحة عن نتيجة هذه المشروعات ومدى تأثيرها، فى تحسين العلاقات بين الطرفين، مع الغياب الشامل للبيانات التى تؤكد فاعلية هذه المبادرات، التى تقوم على «التخمينات عوضا عن الاستراتيجيات الملموسة» على حد وصف الدراسة. فيمكن لمديرى المشروعات الإشارة بطريقة روائية إلى وجهات نظر تغيرت وشراكات بنيت وحتى سياسات تأثرت. بحلول نهاية إدارة بوش أشارت معظم استبيانات الرأى إلى حدة الانقسام بين الطرفين؛ حيث إن 83% من المستطلعين فى العالم الإسلامى عبروا عن آرائهم المعادية للولايات المتحدة، فى حين قال 9% فقط من الأمريكيين بأن الولاياتالمتحدة تتمتع بعلاقة جيدة مع العالم الإسلامى. إن الانقسام بين الولاياتالمتحدة والعالم الإسلامى أصبح خط الالتماس الأكثر توترا على الصعيد العالمى، بسبب تبعاته الخطيرة على مسائل الأمن الدولى والاقتصاديات العالمية والتحالفات السياسية. وقد تم إقرار هذا الأمر من قبل صناع السياسات والمواطنين فى الولاياتالمتحدة والعالم الإسلامى، على حد سواء. وخلال كلمته إلى البرلمان التركى فى أبريل الماضى، قال الرئيس أوباما محاولا التقريب بين العالمين إن «العديد من الأمريكيين لديهم أفراد مسلمون فى العائلة، أو أنهم عاشوا فى بلد حيث الأكثرية مسلمة وأنا أصرح بذلك لأننى أحدهم». وأخيرا ترى دراسة بروكنجز أن نقمة العالم الإسلامى على أمريكا مردها استنكار سياسات واشنطن الخارجية، وليس كرها للقيم الأمريكية، لذلك شدد عدد كبير من المبادرات على مناقشة الاختلافات فى السياسة بدلا من الاختلافات فى القيم. فخلال إدارة بوش تعرضت الأكثرية فى العالم الإسلامى إلى سياسات معادية مثل الحرب فى العراق، ومعتقل جوانتانامو وفشل الولاياتالمتحدة فى حل الصراع الإسرائيلى الفلسطينى وفشل محاولتها فى إحلال السلام.