فى مناسبة مماثلة قلت إن من فوائد المؤتمرات السنوية التى يعقدها الحزب الوطنى أنها تذكرنا بوجود الحزب، وتمكننا من أن نتعرف على الكيفية التى يفكر بها الذين يديرونه. صحيح أن هناك فقرات يتعذر أخذها على محمل الجد قدمت أثناء المؤتمر، إلا أن هناك كلاما جادا ينبغى أن يقال بصدده. فقد فهمنا مثلا أن يكون تلميع السيد جمال مبارك وإبراز دوره هو أحد أهداف المؤتمر، لكننى لم أفهم ما قاله عنه المهندس أحمد عز أمين التنظيم، حين وصفه بأنه مفجر ثورة التطوير والتحديث فى الحزب، وهو كلام قاله صاحبنا فى مثل هذا الوقت من العام الماضى، الأمر الذى دفعنى طوال العام لأن أبحث عن أثر لتلك الثورة فلم أجد لها أثرا، ولأنه كررها مرة ثانية هذا العام فقد كدت أقتنع بأنه يعنى أحد أمرين، إما أنها ثورة سرية لا تنكشف على الجمهور، أو أنها ثورة افتراضية تداولتها «الشلة» التى تحيط بابن الرئيس، ولا أخفى أننى وجدت الأمر أكثر منطقية فى العنوان الذى اختارته جريدة «الدستور» فى عدد أمس 1/11 الذى تحدثت فيه عن أن السيد عز امتدح «مفجر ثورته وثروته» وهو تعبير بدا أكثر دقة وموضوعية، فضلا عن أنه يتسق مع اتجاه الخطاب وشخصنته فى المؤتمر، ذلك أنه إذا صح أن شعار «من أجلك أنت» موجه إلى السيد جمال مبارك، فلا غرابة فى أن يعبر السيد عز عن امتنانه لصديقه، بإعلانه أنه فى حياته كان مفجرا للثورة التى طرأت على أرصدته ومصالحه الخاصة. لا أستطيع أن آخذ على محمل الجد أيضا ما أعلن فى الجلسة الافتتاحية عن إيمان الحزب وقيادته بالتعددية، إلا إذا كان المقصود هو المعنى الرقمى وليس الوظيفى، إذ صحيح أن لدينا 24 حزبا ولكن دورها لا أثر له فى الحياة السياسية، وأعتبر ما قيل عن رفض الوصاية على الأمة ناقصا، حيث لا يكتمل المعنى إلا إذا قيل إننا بعد 28 سنة نرفض فقط وصاية «غيرنا» على الأمة، يتصل ذلك بما قاله السيد أحمد عز فى هجومه على الإخوان حين قال ما معناه إنهم يستخدمون الديمقراطية حين يصلون إلى السلطة، وبعد ذلك ينقلبون عليها، وهو كلام إذا صح فلا ينبغى أن يصدر عن قيادى الحزب الوطنى، صاحب شعار احتكار السلطة حتى آخر نفس. فى الكلام الجاد، لا تفوتنا ملاحظة أن خطاب قيادات الحزب انصب على الشأن الداخلى دون أية إشارة إلى السياسة الخارجية، وكأنه كان مهرجانا انتخابيا فقط، كما أن ذلك الخطاب كان دفاعيا فى أغلبه، وهجوميا فى أقله، وخلاصة الرسالة التى أرادوا توصيلها هى اننا أنجزنا الكثير ولكن جهدنا لم يقدر، والإعلام لم ينصفنا ولم يتوقف عن انتقادنا والتنديد بنا، وهو مفهوم ساذج يعبر عن الرضا عن الذات، وتوجيه اللوم إلى الآخرين وحدهم. لم أتوقع أن يمارس أحد من قادة الحزب نقدا ذاتيا، كما يحدث فى مؤتمرات الأحزاب المحترمة، لكننى استغربت جدا أن يطلق أحد قادة الحزب ادعاء من هذا القبيل، دون أن يتساءل؟ لماذا يوجه الإعلام المستقل سهام نقده للحزب وحكومته، وهل كلها أكاذيب وافتراءات أم أنها الحقيقة التى يريدون طمسها والتستر عليها؟. إن أزمة الحزب الحقيقية التى يرفضون الاعتراف بها أنه معزول عن المجتمع ولا يعرف قادته رأى الناس فى قادته وممارساتهم، ولا غرابة فى ذلك لأن صلة الحزب بالأمن والحكومة أقوى بكثير من صلته بالناس ولو أن أحدا من أولئك نزل إلى الشارع ذات مرة ليتحرى آراء المارين لصدم مما يسمعه. ليفرح قادة الحزب بما أوتوا، لكن ذلك لا يغير من أحزان الناس، التى لن تتبدد إلا إذا تغيرت أحوالهم أو استردوا الأمل فى حاضرهم ومستقبلهم، أما الخطب التى تقال والشعاعات التى تطلق فى الفضاء، فهى من قبيل اللهو السياسى، الذى لم يعد قادرا لا على إقناع الناس، ولا حتى على إضحاكهم.