أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمى بمناطق آثار جنوبسيناء بوزارة السياحة والآثار، أن حجاج بيت الله الحرام كانوا يواجهون مشكلات فى طريق الحاج أهمها نقص المياه ،لأن الآبار الموجودة بالطريق كانت محدودة وتكاد تنعدم فى المنطقة الصحراوية بين حافة التيه وخليج السويس وفى اتساع هضبة التيه. وقال ريحان، في تصريح له اليوم،إن السلاطين والأمراء المسلمين حرصوا على معالجة هذه المشكلة طوال العصور الإسلامية، ففى عام(79ه / 698م) أرسل الخليفة الأموى عبد الملك بن مروان أموالًا مع أمير الحج من أجل إنفاقها على كل من تضرر من الحجاج، حيث تضرر حجاج الركب المصرى بسبب هطول أمطار غزيرة فى طريق الركب. وأضاف أنه فى سنة (91ه / 709م) أمر الخليفة الوليد بن عبد الملك بتمهيد طريق ركب الحجاج المصرى وحفر الآبار فى محطات الطريق، وفى سنة (104ه / 722م) أمر الخليفة يزيد بن عبد الملك بحفر الآبار فى طريق ركب الحاج المصرى. وتابع: "الخليفة أبو العباس عبد الله بن أحمد فى عام (135ه/ 752م) قام كذلك بإصلاح طريق الركب المصرى وحفر الآبار فى منطقة الوجه، وفى عام (137ه/ 754م) أمر الخليفة أبو جعفر عبد الله المنصور عامله على مصر بأن يقوم بتوزيع أعطيات للأعراب القاطنين بطريق الحاج المصرى كما أنه أمر ببناء المساجد فى هذا الطريق". وأوضح أنه فى عام (165ه / 781م) أمر الخليفة أبو عبد الله محمد المهدى صاحب البريد فى مصر بإقامة محطات للبريد فى طريق الحاج المصرى ووزع فيها البغال والحمير الخاصة بهذا الغرض، فيما أمر أبو جعفر هارون الرشيد (175ه / 791م)عامله فى مصر بإصلاح طريق الحاج وتوزيع أموال على الأعراب القاطنين فى الطريق. وذكر أن أحمد بن طولون أصلح طريق الحاج ووزع أعطيات على الأعراب في سنة (260ه / 873م) ، كما أعاد الحاكم بأمر الله إصلاح طريق الحاج سنة (410ه / 1019م) ، وفى سنة (555ه / 1160م) حج أسد الدين شيركوه مع حجاج الركب المصرى ووزع أعطيات كثيرة على الأعراب. وقال إن صلاح الدين الأيوبي فى عام (572ه/1176م) أرسل الأعطيات والصداقات لتوزيعها على سكان أهل القرى المجاورة لمكة ولسكان مكة وألغى المكوس التى كانت تؤخذ من الحجاج من قبل والى مكة والأعراب الموالين له ، ولقد دفع لوالى مكة ألفى دينار وألفى أردب من القمح وغدت تدفع وتحمل إلى والى مكة كل عام. وبيّن أن شجر الدر في عام (648ه /1250م) أرادت الحج وفضلت الذهاب عن طريق البر فأمرت بإصلاح الطريق وحفر الآبار وبناء البرك على طول طريق الحاج المصرى ووزعت الأعطيات على الأعراب. وأضاف أنه جاء فى وصف المحمل الذى احتفل به لأول مرة احتفالًا رسميًا فى عهد شجر الدر، أن أعظم ما أشتمل عليه هى كسوة الكعبة، بما تشمل عليه من كسوة مقام الخليل إبراهيم عليه السلام وبيارق الكعبة والمنبر، وكانت الكسوة تعرض فترة عشرة أيام فى الحرم الحسينى ثم تخرج فى احتفال رسمى حتى تصل بركة الحاج. وأكد الدكتور ريحان أن قمة ازدهار طريق الحج عبر سيناء كانت زمن سلاطين المماليك ففى عام (667ه / 1269م) أرسل السلطان بيبرس 200 ألف درهم إعانة من مصر إلى الحجاز، وفى عام 1319م خصص المنصور سيف الدين قلاوون (678-689ه/1279-1290م) إيراد بعض القرى المصرية والسورية لصالح شريف مكة، ووقعت معاهدة تعهد فيها شريف مكة بأن يعلق على الكعبة الكسوة الشرعية الواردة من مصر فقط دون غيرها وألا يذكر فى الخطبة إلا اسم السلطان المصرى. وكشف عن عدد الحجاج الذين كانوا يعبرون سيناء حيث كان يتراوح ما بين 50 ألف و 300 ألف، مما يدل على مقدار النشاط الذى كان يجرى فى سيناء وعلى اهتمام السلاطين المماليك بشئونها، مشيرا الى ان العلم المصرى كان يرفرف فوق المحمل فى عهد المماليك وكان لونه أصفر،و كانت قيمة الكسوة المرسلة سنويا من مصر تقدر بثلاثمائة دينار. وعن موكب قافلة الحجيج، ذكر الدكتور ريحان أن القافلة تغادر مصر وفقا لنظام محدد وهو الرسميون ثم الأعيان ثم الحجاج ، أما صندوق المال والمؤن والنساء والبضائع الثمينة فقد كانت توضع فى وسط القافلة ويتبعها ركب الحجاج العاديين من غير الرسميين والأعيان، و كان يتم منح مرتب خاص لرئيس المحمل قدره 18 ألف دينار و ألف أردب من القمح وأربعة آلاف أردب من الفول ويرافق أمير الحاج عدد من الموظفين والخدم والحاشية. وأضاف أن سوق التجارة فى مكة كان أعظم سوق فى العالم فى الأيام العشرة التى يقضيها الحجاج فى المدينة المقدسة، وكان تبادل تجارة الهند ومنتجات الشرق يقدر بملايين من الدينارات وترسل تلك البضائع مع المحمل أو إلى جدة لنقلها من هناك إلى السويس، أما جدة فهى الميناء التى تتجمع فيها غلال مصر وخضرواتها وتجارة الهند والقهوة اليمنية.