الذين يتفقون على الفنانة التونسية هند صبرى، والذين يختلفون معها يجمعون على شىء واحد، وهو أنها الفنانة الأكثر إثارة للجدل بين بنات جيلها، والأكثر اجتهادا وطموحا، ومؤخرا خرج الجدل الذى تثيره من دائرة العمل الفنى إلى الساحة السياسية بعد زيارتها الأخيرة لفلسطين، حيث خلقت حالة انقسام حاد فى الأوساط الفنية والسياسية بين من يتهمها بالتطبيع مع إسرائيل ومن يدافع عنها بقوة ويصف زيارتها لفلسطين بالعمل الجرئ الذى يستحق الإشادة. وفى هذا الحوار الذى أجرته معها «الشروق» ردت هند صبرى بهدوء على تلك الاتهامات بالقول: هل زيارة السجين تعنى التطبيع مع السجان؟!.. نافية بشدة حصولها على تأشيرة دخول من إسرائيل، وأكدت فى الوقت نفسه تمسكها بصحة موقفها.. معربة عن رغبتها فى زيارة فلسطين مجددا. الشروق: حملة الهجوم التى تعرضت لها تركزت على حصولك على تأشيرة إسرائيلية.. فهل هذا الكلام صحيح؟ هند: بداية أحب أن أوضح أننى تلقيت دعوة للمشاركة فى مهرجان «القصبة» السينمائى برام الله، وذهبت وعندما عدت وجدت أخبارا خاطئة، أبرزها ما تقوله بأننى حصلت على تأشيرة دخول من إسرائيل بدعوى أننى سافرت إلى رام الله بالطائرة.. وهو ما يعنى حصولى على تأشيرة إسرائيلية، وهو ما لم يحدث فأنا ذهبت عبر معبر الكرامة، وعدت أيضا منه، وبالمناسبة هو أصعب المعابر بالفعل حتى إننى انتظرت 6 ساعات للعبور منه. الشروق: لكن لماذا أثارت زيارتك كل هذه الضجة مع أن أكثر من فنان قام بالخطوة نفسها مؤخرا؟ هند: لا أعرف.. وأنا دخلت فلسطين عبر معبر الكرامة وهو معبر به تصريح دخول للسلطة الفلسطينية فقط، رغم أن هند: الفنان محمود قابيل مثلا زار القدس وأماكن أخرى تثير جدلا أكبر، ولم يتحدث أحد عن هذه الزيارة، وهذا هو الطبيعى.. لكن ما يحدث معى هو غير الطبيعى وما لا أفهمه وأحاول استيعابه.. هل هى رغبة فى إيذائى أم أن البعض شعر بالانزعاج من كسر جدار التعتيم على ما يحدث هناك.. الحقيقة أنا لا أعرف بالضبط؟! الشروق: هل الدعوة تم توجيهها من قبل عرب 48 أم من قبل الفلسطينيين بالضفة الغربية؟ هند: وما الفارق.. فهم كلهم عرب، وأنا لا أدرى لم هذه التقسيمة.. وأنا أتعجب أن السؤال الأكثر توجيها لى هو كيف دخلت فلسطين.. ولم يسألنى أحد عما حدث أو عما رأيته هناك ولكنه شىء يتسق مع ما نعيشه حاليا من تفاهة، وهذا شىء خطير لأن التفاصيل التى نغرق فيها لن تؤدى بنا لتحقيق شىء مفيد. الشروق: لكن عرب 48 يحملون الجنسية الإسرائيلية؟ هند: أنا لا أفرق بين فلسطينىغزة والضفة أو عرب 48 فهم كلهم إخواننا، وأنا ضد التفرقة بينهم، ومن يعيش تحت الحصار سيدرك كيف يعيش أهلنا فى فلسطين، وقد شعرت بحزن الدنيا كله بعد أن أخبرنى الأشقاء فى فلسطين بالمعاناة التى يواجهونها، وبالوجع الذى يشعرون به بسبب حصار غزة.. وقد قال لى الفلسطينيون «نحن معك».. وهم يعرفون مصلحتهم فدعنا لا نزايد عليهم.. ونحن نتحدث عن أمور إنسانية وفنية وثقافية وليست سياسية، وللعلم الإسرائيليون مستاءون جدا من زيارتى، لأنها ألقت الضوء على الحصار الإسرائيلى الظالم، وهم يريدون منا أن نترك إخواننا الفلسطينيين بمفردهم. الشروق: وهل تعتقدين أن هذا هو دور الفنان؟ هند: أنا كفنانة أرفض أن يكون دورى هو ارتداء فساتين غالية الثمن والسير على سجادة حمراء خلال المهرجانات والعروض الخاصة للأفلام، لأننى ضد تهميش دور الفنان فى مجتمعه، ولو كان البعض يعتقد أننا كفنانين سنبتعد عن المشاركة فى الحياة العامة فهو مخطىء، رغم أننا كفنانين لسنا مقيدين بأجندات سياسية.. وقد كانت زيارتى لفلسطين ذات طابع فنى أقوم به لدعم المهرجانات الفلسطينية، بالإضافة إلى أننى كنت أؤدى واجبا إنسانيا من خلال عملى مع برنامج الغذاء العالمى. الشروق: هل كنت تتوقعين كل هذا الهجوم؟ هند: منذ اللحظة التى تلقيت فيها الدعوة شعرت بالقلق ليس من الدعوة نفسها.. لكننى فكرت للحظة أن البعض ربما يهاجمنى لسبب لا أعرفه.. وربما لأننى أبيع أكثر، وربما يريد البعض إيذائى.. ولكنى أدركت بعد ذلك أن الناس تفهم الأمر بصورة صحيحة، وهو ما اتضح لى من تعليقات الجمهور، الذى التقيه أو فى البرامج التليفزيونية أو على الفيس بوك.. وأؤكد للجميع أننى لن أتعامل مع إسرائيل أبدا فأنا ضد التطبيع. الشروق: لكنك خلال الزيارة بالتأكيد اضطررت لعبور حواجز إسرائيلية بمدن الضفة؟ هند: فلسطين بها شعب سجين وزيارة السجين لا يعنى التطبيع مع السجان على الإطلاق.. ولو تركناهم فمن حق السجان أن يعذبه وسيكون مرتاحا نفسيا وسيقول للسجين: أنت بلا أهل وكلهم تركوك.. وأتمنى الذهاب لغزة لأنهم يحتاجوننا حاليا أكثر من رام الله نحن نقسمهم لفلسطينىغزة و الضفة وعرب 48 وهذا غير منطقى. الشروق: كيف كان استقبالك فى فلسطين؟ قابلونى بكل المحبة والاشتياق لفنان عربى يمثل العرب وهى مسألة إنسانية بحتة وعادية.. وأؤكد أننى سأكرر زيارتى لأهلى فى فلسطين.. كما أننى أطرح قضية مهمة ولست بمفردى فمن قبلى هاجموا هانى شاكر وصابر الرباعى وأيضا مدحت صالح.. الشروق: هل الحملة لها علاقة بترشيحك لمنصب سفيرة لبرنامج الغذاء العالمى؟ هند: سألت نفسى السؤال ذاته، لكننى أجيب هل يمكن أن أقارن نفسى بفنان مثل نور الشريف فإذا كان صحفيا أو اثنين كتبوا عنه ما كتبوه فهل أغضب مما يحدث معى؟! فمن يمس رمزا بحجم نور الشريف يمكن أن يهاجم أى فنان آخر وأرى أن هناك محاولة من قبل البعض لتشويه الفنانين. وأضافت: ربما ساهم بعض الفنانين فى تغييب مواقفنا ومبادراتنا الاجتماعية، وأننا كفنانين نمتلك رسالة إنسانية.. فهل يريد من يهاجمنى أن يفسد فرحتى بزيارة شعب أحبه من كل قلبى؟.. أنا لن أنسى نظرات الامتنان أو الدموع فى عيون الأشقاء الفلسطينيين، وهم يعبرون عن فرحتهم بالزيارة، وقد أيقنت أنهم يحتاجوننا وينتظروننا. الشروق: ما الذى فكرت فيه عندما لامست أقدامك أرض فلسطين؟ هند: مشاعر متناقضة.. شىء ما كان يتحرك بداخلى مع أول ضغطة بقدمى على هذه الأرض التى حرمونا منها ومع أول رؤية لجندى إسرائيلى يحاصر إخواننا هناك.. وخلال رحلة العودة كنت أبكى لأننى أتركهم.. الشروق: وما أبرز ملامح زيارتك لفلسطين؟ هند: زرت قبر الشاعر محمود درويش والشهيد أبوعمار والتقيت رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس «أبومازن» ورئيس الوزراء الدكتور سلام فياض، كما التقيت كثيرا من أبناء الشعب الفلسطينى فى مظاهرات حب، جعلتنى فخورة جدا بزيارتى لهذا الشعب البطل الصامد.. وللعلم فإن مهرجان «القصبة»، الذى زرته هو الفضاء الثقافى الوحيد المتبقى للفلسطينيين. كما التقيت 12 شابا فتاة يدرسون الدراما هناك وشعرت بالسعادة معهم وبالفخر بما يفعلونه، وبالمناسبة صدر بيان من المثقفين الفلسطينيين يشكروننى فيه على زيارتى مع توجيه نداء للفنانين العرب لزيارتهم لتكوين وحدة فنية عربية. الشروق: الزيارة كانت بدعوة من مهرجان القصبة أم للقيام بدورك مع برنامج الغذاء؟ هند: كانت دعوة من المهرجان تزامنت مع قيام برنامج الغذاء بتنظيم زيارة لنابلس المدينة الأغنى فى فلسطين لتقديم الألبان فى إطار جهوده لحل مشكلة نقص فى الكالسيوم عند الأطفال والكبار.. وأنا لن أنسى قصص المآسى التى سمعتها هناك ولمستها بنفسى من الأبطال فى فلسطين، الذين لا يتعاملون على أنهم أبطال، كما أننى ما زلت أتذكر مشهد الجدار المهين بين رام اللهوالقدس فقد شعرت أمامه بالحزن الشديد، ولمست بنفسى عظمةالشعب الفلسطينى، الذى يحرص على الحياة رغم كل الصعوبات التى يواجهها.. وأنا أشعر أن الشعب الفلسطينى يحبنى بعد هذه الزيارة أكثر مما يظن صاحب القلم الذى هاجمنى. الشروق: بعيدا عن زيارتك لفلسطين.. ماذا عن مسلسل «أنا عاوزه أتجوز» الذى تعاقدت على بطولته؟ هند: تضحك وتقول: «أنا عاوزة أتجوز» هو عمل سيثير الكثير من الجدل لأنه مختلف عما قدمته من قبل، وقد بدأ كمدونة كتبتها غادة عبدالعال وطبعتها دار «الشروق» وحققت نجاحا كبيرا.. فغادة تتمتع بروح فكاهية ولهذا نستعين بها أيضا فى كتابة الحلقات الدرامية. واتفقنا مع شركة «الشروق للإنتاج»، ومع المنتج المنفذ طارق الجناينى، الذى قدمت معه من قبل برنامج «الشقة» على تحويل المدونة إلى عمل فنى، الذى يحمل قدرا كبيرا من التحدى وهو كوميديا ساخرة وليست «سيت كوم» قد يقلل من قيمة وروح العمل، الذى يناقش قضية عربية وعالمية تدور حول تأخر سن الزواج بطريقة ساخرة ومعمقة. الشروق: وهل ستحمل بطلة العمل اسم «غادة»؟ هند: فى الكتاب تسمى نفسها «برايد» أى عروسة باللغة الإنجليزية.. وعموما أن لا أحب أن أكشف تفاصيل العمل.. لكن ما يمكننى قوله إننى سعيدة به لأنه يتفق مع طموحاتى وآرائى بضرورة الاعتماد على الأعمال الأدبية فى إنتاجنا الفنى. الشروق: وماذا عن فيلمك الجديد «أسماء»؟ هند: دخل مرحلة الكتابة النهائية وهو فيلم حساس جدا ونرفض الاستعجال فى تنفيذه وهو قرار منى ومن عمرو سلامة أيضا ومنتجه محمد حفظى، وسنبدأ تصويره قبل مسلسل «أنا عاوزه أتجوز».. ولن أتحدث عنه أكثر من ذلك.