قد يواجه المرضى الذين يصابون بفيروس كورونا المستجد معركة ثانية، وهي التعامل مع تداعيات التأثيرات النفسية التي تحل بالكثير من المصابين والمتعافين بسبب مكوثهم لفترات طويلة بمفردهم في عزل منفرد. حيث يحتاج المرضى إلى المكوث لوقت قد يبدو لهم طويلا في وحدة العناية المركزة، ما قد يصيبهم بمعاناة "متلازمة ما بعد العناية المركزة"، التي يمكن أن تظهر في صورة مزيج من الإعاقات الجسدية والمعرفية والعقلية للمريض الذي أقام في العناية بسبب مرض خطير. ما هي متلازمة ما بعد العناية المركزة؟ بحسب موقع "ميديكال نيوز توداي"، أوضحت سابنا كودشادكار، الحاصلة على دكتوراه في الطب من جامعة جونز هوبكنز في بالتيمور، أن المتلازمة يمكن أن تؤثر بشكل كبير على جودة الحياة على المدى القصير والبعيد أيضا قائلة: "إنها لا تؤثر فقط على المريض ولكن أيضًا على عائلته" . قد يعاني المرضى البالغين من صعوبات في استئناف أنشطة الحياة اليومية أو يصارعون للعودة إلى العمل، أما جسديا، فقد يعانون ضعف العضلات والألم المزمن. ومن الناحية المعرفية، قد يعاني هؤلاء الأفراد من مشكلة في التركيز والذاكرة، وقد تظهر المشكلات المعرفية بشكل خاص مع الأشخاص الذين لديهم تاريخ من الخرف، وقد يعاني الأشخاص الذين يعانون من المتلازمة من القلق أو صعوبات النوم أو الاكتئاب أو اضطراب ما بعد الصدمة. وأشارت كودشادكار إلى أن حتى المرضى الذين كانوا أصحاء في السابق قبل إقامتهم في وحدة العناية المركزة ، بسبب فيروس كورونا أو أمراض حرجة أخرى، معرضون لخطر الإصابة ب"متلازمة العناية المركزة" بعد الخروج من المستشفى، فيما يبقى كورونا أكثر عوامل الإصابة بالمتلازمة بل وأخطرها. كيف نفهم حالة المريض؟ وأوضحت كودشادكار قائلة: "بالنسبة للناجين من فيروس كورونا بدأنا بالفعل في ملاحظة العديد من هذه مشكلات المتلازمة لديهم ويمكن أن يكون ضعف العضلات عميقًا كما لاحظنا ارتفاع معدل الهذيان المستمر". وأضافت: "هذه المتلازمة تتزايد بسبب قيود الزيارات وفقدان اللمسة الإنسانية للمريض والوجوه المألوفة في عصر معدات الوقاية الشخصية وغرف العزل بسبب كورونا". وأكدت الطبيبة جيسي جولد، الحاصلة على دكتوراه في الطب، من جامعة واشنطن في سانت لويس، أن كورونا قد غيّر بشكل جذري مشهد وحدة العناية المركزة. وقالت: "الطرق التي كنا نحاول بها عادة تجنب متلازمة العناية المركزة ليست لدينا القدرة على تطبيقها الآن في ظل كورونا لأن مقدمي الرعاية الصحية أصبحوا بداخل بدلات الفضاء العملاقة للوقاية من الإصابة، فهناك مستشفيات قرر بعض أطباؤها لصق صورهم على صدورهم لإراحة نفسية المريض". وأضافت جولد أن ذلك كان لمرضى وحدة العناية المركزة من العوامل المعتادة التي تساعدهم على الشعور بالأمان: "ليس لدى المريض عائلة بجانب السرير تعيد توجيهه أو تجعله يشعر بالأمان وهذا ما يحدث في وحدة العناية المركزة، فليس هناك الكثير من الممرضين، هناك عدد قليل جدا وإضافة لذلك يوجد المزيد من الرموز التي يتبادلها الأطباء والضوضاء والقلق والتوتر تجعل المريض لا يفهم ما يحدث". كيف نساعد المريض نفسيا؟ بالنسبة للحلول، تقترح جولد أن يتعلم مقدمي الرعاية الصحية المزيد لجعل المرضى يشعرون براحة أكبر، بالإضافة لاستخدام طرق الاتصال الافتراضية الأخرى للمساعدة في ربط المريض بأسرته، فإن سماع صوت شخص عزيز عبر الهاتف يمكن أن يكون مفيدا. ولتجنب الهزيان الذي لاحظه الأطباء على أغلب مرضى كوفيد- 19 في العناية، نصحوا بتحسين التحكم في الألم باستخدام التخدير البسيط والفعال مع المرضى الذين كانوا على أجهزة التنفس الصناعي. وللتقليل من خطر الهزيان المرتبط بمتلازمة العناية، نصح الأطباء بوجود تدخلات أخرى لتقليل الخطر تشمل ضمان تعرض المرضى لأشعة الشمس ومساعدتهم في الحفاظ على إيقاعات الساعة البيولوجية الطبيعية. - ما بعد الخروج من العناية حيث تقول الدكتورة كودتشادكار، إن تحسين نظام النوم للمرضى يمكن أن يعزز أيضًا قدرتهم على المشاركة في إعادة التأهيل المبكر من متلازمة العناية، وذكرت أن العلاج البدني المبكر والعلاج الوظيفي والعلاج بلغة الكلام يمكن أن تزيد من فرصة المريض في استعادة حالته الجيدة قبل الفيروس. وأشار الدكتور جولد إلى أهمية النظر إلى ما هو أبعد بعد البقاء في وحدة العناية المركزة، مشددًا على أن مقدمي الرعاية الصحية يجب أن يأخذوا هذه المشاكل الصحية العقلية المحتملة بعد الخروج من المستشفى على محمل الجد، ويعرضوا على المريض المتعافي تقديم الاستشارة في حال شعر بأعراض المتلازمة بعد خروجه من وحدة العناية المركزة. وقد يعاني أولئك الذين يتعافون من حالة حادة من كورونا من الكوابيس والاستجابة المفاجئة واضطراب ما بعد الصدمة واضطرابات النوم وعدم الاستقرار العاطفي والاكتئاب وتغيرات الشهية وفقدان الاهتمام. تقول كودشادكار إن المرضى الذين يتعافون من معركة كورونا الطويلة، ويخرجون من المستشفى، قد يكون لديهم مشاعر مختلطة. وأوضحت قائلة: "قد يكون من الصعب العودة إلى طبيعتهم السابقة بعد هذا الطريق الطويل والمرهق في المستشفى ليس فقط للمريض ولكن لمقدمي الرعاية أيضًا". - المستشفى أم المنزل؟ واستكملت: "لقد أخبرني المرضى والعائلات أنهم يخشون العودة إلى منازلهم، وأنهم يشعرون بالأمان في المستشفى إنها طريقة صعبة للانتقال من حياة المستشفى للحياة الطبيعية في المنزل بعد المرض". علاوة على ذلك، أشارت إيريس سومر، الحاصلة على الدكتوراه، من المركز الطبي الجامعي جرونينجن، و دكتور روبرتو باكر، من المركز الطبي بجامعة ماستريخت، كلاهما في هولندا، إلى أن مرضى كورونا من المرجح أن يواجهون عبئا كبيرا على الصحة العقلية في أثناء التعافي. ولفتوا إلى أنه قد يستمر الخوف والقلق من الإصابة بالمرض مرة أخرى خاصةً لأنه لا يوجد سوى القليل من الأدلة فيما يتعلق بالفيروس. من جهته حذر الدكتور هينك ستام، من المركز الطبي بجامعة إيراسموس في هولندا، وزملاؤه، من أنه قد يكون هناك عدد غير مسبوق من الأفراد الذين يعانون من متلازمة العناية المركزة. وذكروا في دورية طبية لإعادة التأهيل، أن فكرة إعادة المرضى الذين ينجون من العناية المركزة والتهوية الميكانيكية إلى المنزل دون مزيد من العناية الطبية هو وهم خطير. وأضافوا أن المتلازمة وغيرها من الحالات الشديدة تتطلب ليس فقط الفحص الكافي ولكن إعادة التأهيل المبكر وبعض التدخلات الأخرى.