محافظ الإسكندرية يدلي بصوته في لجنة الحسن بن الهيثم بالعامرية غدًا    تفاصيل المشهد المعقد.. فؤاد السنيورة رئيس وزراء لبنان الأسبق يكشف أسرارا جديدة في "الجلسة سرية"    معهد الطب العدلي الإسرائيلي يؤكد: الرفات الذي سلمته كتائب القسام يعود للضابط هدارغولدن    من زيزو إلى بن شرقي.. الأهلي يتقدم على الزمالك بهدف عالمي في السوبر المصري    قرار بشأن 78 متهمًا بالانضمام لجماعة إرهابية بالتجمع    مصرع شخص مجهول غرقًا بمعدية كوبري البترول في شبرا الخيمة    توقيع مذكرة تفاهم لدمج مستشفى «شفاء الأورمان» بالأقصر ضمن منظومة المستشفيات الجامعية    محافظ مطروح يتفقد مركز التدريب المدني.. ويؤكد الإعلان عن دورات تدريبية قريبا    تقرير الائتلاف المصري لحقوق الإنسان والتنمية: أقبال كبير فى تصويت المصريين بالخارج    العربى الناصرى: المصريين بالخارج قدموا مشهد وطنى مشرف فى انتخابات مجلس النواب    إعصار فونج-وونج يصل إلى مقاطعة أورورا شمال شرقى الفلبين    الخزانة الأمريكية ترفع العقوبات عن الرئيس السوري أحمد الشرع ووزير الداخلية أنس خطاب    هل أصدر الرئيس الروسي تعليمات بالتحضير لتجارب نووية؟.. الكرملين يجيب    هيئة الرقابة المالية تعلن اعتماد وثيقة تأمين سند الملكية العقارية    رئيس الوزراء يتابع مستجدات مشروع مدينة رأس الحكمة بالساحل الشمالي    الشروط الجديدة لحذف غير المستحقين من بطاقات التموين 2025 وتحديث البيانات    ضبط صانعة محتوى في الجيزة لنشر فيديوهات خادشة للحياء على مواقع التواصل    الداخلية: تكثيف التواجد الأمني بمحيط لجان انتخابات مجلس النواب 2025    أخبار السعودية اليوم.. إعدام مواطنين لانضمامهما إلى جماعة إرهابية    دارالكتب تستعيد ذاكرة الطفولة في «أغنية الطفل بين الأمس واليوم»    رئيس منتدى مصر للإعلام تستقبل رئيس المجلس الأعلى لتنظيم الإعلام    بيلاقوا سعادتهم في جذب الاهتمام.. 5 أبراج بيحبوا لفت الانتباه    ماذا قال ياسر جلال بعد كلمته بمهرجان وهران في الجزائر؟    الشيخ خالد الجندي: ربنا بيوريك نتيجة استخارتك في تيسير الطريق أو توقفه    "الصحة" توقع خصم على شركة النظافة بمستشفى شبرا العام وتحويل مدير الاستقبال ومشرفة التمريض للتحقيق    المستشارة أمل عمار تدعو سيدات مصر للمشاركة بقوة في انتخابات مجلس النواب 2025    بالتسابيح والإلحان.. بدء أنطلاق فعاليات اليوم الأول لإحتفالات دير مارجرجس بالرزيقات غرب الأقصر    وزير الصحة يبحث مع ممثلي «الصحة العالمية» تعزيز جهود مواجهة الكوارث والطوارئ    المشاط: ألمانيا من أبرز شركاء التنمية الدوليين لمصر.. وتربط البلدين علاقات تعاون ثنائي تمتد لعقود    انعقاد لجنة اختيار القيادات بجامعة أسوان لاختيار عميد كلية تكنولوجيا المصايد والأسماك    سمير عمر رئيس قطاع الأخبار بالشركة المتحدة يشارك في ندوات منتدى مصر للإعلام    من يحضر تنفيذ العقوبة؟.. بعد حكم إعدام قاتلة زوجها وأبنائه ال6.. إنفوجراف    محافظ قنا يترأس اجتماع لجنة استرداد أراضي الدولة لمتابعة جهود التقنين وتوحيد الإجراءات    زلزال قوي يضرب الساحل الشمالي لليابان وتحذير من تسونامي    علاج مجانى ل1382 مواطنا من أبناء مدينة أبو سمبل السياحية    أحمد سعد يتألق على مسرح "يايلا أرينا" في ألمانيا.. صور    رئيس الجامعة الفيوم يستقبل فريق الهيئة القومية لضمان جودة التعليم    ضبط تشكيل عصابي لتهريب المخدرات بقيمة 105 مليون جنيه بأسوان    استلام 790 شجرة تمهيداً لزراعتها بمختلف مراكز ومدن الشرقية    امتحانات الشهادة الإعدادية للترم الأول وموعد تسجيل استمارة البيانات    «زي كولر».. شوبير يعلق على أسلوب توروب مع الأهلي قبل قمة الزمالك    أهم 10 معلومات عن حفل The Grand Ball الملكي بعد إقامته في قصر عابدين    التنسيقية: إقبال كثيف في دول الخليج العربي على التصويت في النواب    وجبات خفيفة صحية، تمنح الشبع بدون زيادة الوزن    الأوقاف توضح ديانة المصريين القدماء: فيهم أنبياء ومؤمنون وليسوا عبدة أوثان    مئات المستوطنين يقتحمون باحات المسجد الأقصى والاحتلال يواصل الاعتقالات في الضفة الغربية    تشييع جنازة مصطفى نصر عصر اليوم من مسجد السلطان بالإسكندرية    قافلة «زاد العزة» ال 68 تدخل إلى الفلسطينيين بقطاع غزة    الزمالك كعبه عالي على بيراميدز وعبدالرؤوف نجح في دعم لاعبيه نفسيًا    أمين الفتوى: الصلاة بملابس البيت صحيحة بشرط ستر الجسد وعدم الشفافية    على خطى النبي.. رحلة روحانية تمتد من مكة إلى المدينة لإحياء معاني الهجرة    مواعيد مباريات الأحد 9 نوفمبر - نهائي السوبر المصري.. ومانشستر سيتي ضد ليفربول    الأهلي والزمالك.. تعرف على جوائز كأس السوبر المصري    طولان: محمد عبد الله في قائمة منتخب مصر الأولية لكأس العرب    «لعبت 3 مباريات».. شوبير يوجه رسالة لناصر ماهر بعد استبعاده من منتخب مصر    معلومات الوزراء : 70.8% من المصريين تابعوا افتتاح المتحف الكبير عبر التليفزيون    تعرف على مواقيت الصلاة بمطروح اليوم وأذكار الصباح    «الكلام اللي قولته يجهلنا.. هي دي ثقافتك؟».. أحمد بلال يفتح النار على خالد الغندور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



البريكسيت.. الخروج الثانى
نشر في الشروق الجديد يوم 02 - 01 - 2020

قبل اختياره رئيسا لكلية الملكة بجامعة كامبريدج علق الدكتور محمد العريان الاقتصادى العالمى المصرى الأصل فى حديث لل«بى بى سى» على أزمة الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى بقوله: إن العلاقة بين بريطانيا وأوروبا لم تكن علاقة الزواج الذى لا ينفصم، بل كانت أشبه بالعلاقة الغرامية التى تنتهى بعد فترة. وقد شهدنا أخيرا نهاية الفصل الأول لهذا الخروج والذى امتد لثلاث سنوات ونصف فى شد وجذب بين أنصار البقاء ودعاة الخروج ثم انتهى بهزيمة ساحقة لمعسكر البقاء ولحزب العمال وانتصار كاسح لقوى اليمين المتشدد والليبراليين الجدد فى حزب المحافظين الذين تزعموا حملة الخروج. وبذلك بدأ الفصل الثانى وهو تنفيذ الخروج على يد «بوريس جونسون» السياسى البريطانى المعروف بالدهاء والرياء والكذب الصراح. ويتوقع قطاع واسع من المفكرين والاقتصاديين أنه سيجر ويلات كثيرة على الاقتصاد البريطانى وسيجعل من إنجلترا تابعا ذليلا للنمطية الأمريكية وسيضعف الاتحاد الأوروبى، وذلك أحد أهداف السياسة الأمريكية التى يقلقها تنامى قوة أوروبا بزعامة ألمانيا وتسعى لإضعاف الكيانات الكبيرة لتظل على قمة الهرم الدولى.
ويمكن القول إن هذا الخروج هو الثانى فى تاريخ المملكة المتحدة حيث وقع الخروج الأول من خمسة قرون عنما انفصل هنرى الثامن بإنجلترا عن كنيسة روما الكاثوليكية بدعوى رغبته فى تطليق زوجته كاثرين الأراجونية، فغير العقيدة الدينية ونصب نفسه رئيسا لكنيسة إنجلترا الإنجيلية، وضحى فى سبيل ذلك بكثير من أصدقائه قبل خصومه كان أشهرهم فيلسوف اليوتوبيا توماس مور الذى رفض الاعتراف بفصل الكنيستين وبشرعية الطلاق. لكن المؤرخين التفتوا إلى مقدمات سبقت هذا الانفصال كدعوات الإصلاح الدينى والاستقلال عن روما، وهو ما هيأ المناخ لهنرى الذى كان يتململ من سيطرة الكنيسة الإيطالية ويرغب فى التحرر من أعباء الالتزام المالى نحوها. ويمكن القول إن بريطانيا كانت دائما ترى نفسها فوق الجميع وترفض أن تكون عضوا مساويا لباقى الأعضاء فى المنظومة السائدة أيا كانت. وقد نتج عن ذلك الانفصال اضطراب هائل ليس فى الكنيسة وحدها ولكن فى الأوضاع السياسية والمجتمعية استمر لعدة عقود إلى أن استقرت الأمور للكنيسة الإنجيلية فى عهد إليزابيث الأولى الابنة الثالثة لهنرى. لكن بريطانيا غرقت بعد ذلك فى حمامات دم استمرت ما يقرب من مائة عام بين أنصار الكنيستين ثم امتدت إلى جوهر الديمقراطية حين شن الملك تشارلز الأول الحرب على البرلمان دفاعا عن حقه فى الاستبداد بالحكم وخسرها وانتهى الصراع بإعدامه.
***
وحين فاز دعاة الخروج من الاتحاد الأوروبى حديثا بأغلبية ضئيلة ظهر الانقسام الحاد فى بريطانيا ودارت معركة ضارية، استمرت على مدى ثلاث سنوات ونصف بين مؤيدى الخروج الذين سعوا للتعجل باغتنام فرصة الانتصار المحدود، وراغبى البقاء الذين شعروا بالغبن وبخطورة ما سيحدث. وشق الانقسام حزبى المحافظين والعمال من الداخل وامتد إلى الصحف ودوائر الرأى وفرق بين أبناء الأسرة الواحدة. وظهر دور البرلمان جليا فى معارضة مبدأ الخروج وشروطه. ومرت الديمقراطية البريطانية باختبار قاس حيث ظهر التناقض التاريخى بين الحكومة كسلطة تنفيذية وبين البرلمان كسلطة رقابية وتشريعية، واتهم رئيس الوزراء البرلمان بأنه يعطل القرار الديمقراطى للشعب بالخروج، ورد البرلمانيون عليه بأن الذين صوتوا للخروج لم تتوافر لديهم المعلومات الكافية عن النتائج وأنه يدفع بالبلاد إلى خطر غير محسوب، ودافعوا عن دورهم الديمقراطى. وقد حاول بوريس جونسون التخلص من المعارضة بتعطيل البرلمان ليتسنى له تمرير اتفاقية الخروج فما كان من البرلمانيين إلا أن لجأوا للمحكمة العليا التى أيدت الديمقراطية وحكمت بعدم دستورية تعطيل البرلمان. وهنا لم يجد جونسون حلا إلا اللجوء لإجراء انتخابات سريعة وكانت مغامرة خطيرة. لكن الشعب البريطانى الذى أنهكه الانتظار لعدة سنوات لم يعد قادرا على تحمل هذه الدوامة، فأعرض عن برنامج إصلاحى ممتاز لحزب العمال وألقى بمصيره فى حجر «بوريس جونسون» الذى أجمع كل المعلقين على أنه غير جدير بالثقة. وثبت مرة أخرى أن الجماعة لا عقل لها وأن الناس فى النهاية يفضلون الراحة حتى لو كانت ظاهرية.
وحين هدأ الغبار تبين فى كثير من التعليقات أن الأزمة ليست جديدة، وأنها تكرار لما مرت به بريطانيا من قبل وأن الساسة حاولوا علاجها تقريبا بنفس التحليلات والاختيارات، وأنه لا جديد تحت شمس لندن الباهتة.
فعلى اليمين يظل دعاة التراث الإمبراطورى يرفضون أن تكون بريطانيا جزءا من كل ويريدونها محتفظة بحرية الحركة والمناورة فى المعترك الدولى والاقتصادى دون التزامات أو قيود، ويريدون فى الوقت نفسه أن تكون الساحة الداخلية مفتوحة لهم ليستمروا فى استغلال الشعب البريطانى اللامبالى فى معظم الأوقات دون قيود الاتحاد الأوروبى مثل حقوق الإنسان وما إليها. أما دعاة البقاء فى اليمين المحافظ فكانت دعوتهم أن الدنيا تغيرت وأن شمس الإمبراطورية التى غربت لن تعود وأن الأفضل أن تكون بريطانيا أخا أكبر فى كيان كبير يحميه وتستطيع التأثير فيه وتستطيع أن تبعد شبح الحرب التى لازال بعض من خاضوها أحياء يصارعون الشيخوخة والذكريات.
أما على اليسار فالانقسام كان أكثر إيلاما فدعاة الخروج كانوا دائما رافضين أن تكون بريطانيا تحت تأثير ديمقراطية خارج البرلمان البريطانى وهم مثل دعاة اليمين كانوا يتوجسون من تعاظم دور الآلية الديمقراطية فى البرلمان الأوروبى التى ازدادت قوة فى السنوات الأخيرة وأصبحت تهدد استقلالية القرار الإنجليزى، إلى جانب أنهم كيساريين تقليديين كانوا رافضين لوجود بريطانيا فى نادى الرأسمالية الأوروبى. أما دعاة البقاء فقد حرصوا على استمرار المكاسب الاقتصادية التى أتاحها الاتحاد الأوروبى، وحرية الحركة والسفر والروح الجديدة التى خلقت مجالا حيويا دافئا أنعش نمط الحياة وأبعد شبح الحرب عن أوروبا.
وهكذا اتضح أن الاتحاد الأوروبى ليس إلا مجرد صيغة قد تكون عابرة فى معترك الصراعات الدولية وأن ثقافة السيطرة الإمبريالية لاتزال تفرض نفسها فى النهاية.
***
ويبقى السؤال الحزين لماذا منى حزب العمال بهذه الهزيمة الساحقة؟ وباختصار كانت هناك ثلاثة أسباب رئيسية، أولها حملة شريرة ظالمة شنتها آلة الإعلام الجبارة لتشويه صورة «جيريمى كوربين» رئيس حزب العمال الذى انتخب مرتين من شباب العمال رغم وقوف اتباع تونى بلير على يمين الحزب ضده، وهو اليمين العمالى الذى دخل حرب العراق وتلطخت رايته بدماء الأبرياء. ولم تدخر الحملة جهدا فنزلت من حضيض لحضيض واتهمت رجلا أنفق حياته السياسية فى الحرب على كل صنوف التمييز والتفرقة بمعاداة السامية. العامل الثانى كان حيرة الناخبين والإرهاق الذى تسبب فيه الصراع فقد تعطل كثير من أنشطة النشاط الاقتصادى ترقبا لما تسفر عنه المداولات وفى خضم الانتظار المرهق أفلست شركات وتعطلت صفقات وتوقف بيع البيوت، وتزايد الإلحاح على حل أيا كان. وهكذا فضل البريطانيون وقوع البلاء على انتظاره. أما الأمر الثالث فكان حيرة قائد يسارى أفنى عمره رافضا البقاء فى حلف رأسمالى، فلما وصل إلى مقعد القيادة وجد أعداءه التقليديين يريدون الانقلاب على هذا الحلف استجابة لمطامعهم، وإذا به يجد نفسه فى مأزق صعب مضطرا للدفاع عن موقف كان ضده. يرفض خروجا طالما تمناه ويطلب بقاء لم يكن مبتغاه. ولم يتبق وقت له لشرح القضية للقواعد العريضة فاختار أن يركز على برنامج إصلاحى تاركا قرار البريكسيت للناس، وكانت مقامرة خاسرة عكست أزمة اليسار الأبدية فى الحيرة بين الواقع والنظرية تلك التى دائما ما كلفته الكثير.
ونحن فى مصر علينا أن ندرس ما حدث لأنه قد يتكشف تدريجيا عن أزمة عالمية أوسع سيختلط فيها الحابل بالنابل ولن ينجو فيها إلا القادرون واضحو الرؤية والغاية، وستكون القاعدة الشعبية المتماسكة شرطا للنجاة فيها.
طبيب نفسى مقيم فى المملكة المتحدة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.