ارتفاع أسعار الذهب في مصر بقيمة 350 جنيه خلال أسبوع    نائب وزير المالية: مصر تعمل على تنويع مصادر و أسواق التمويل الدولية    19 أكتوبر 2025.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع اليوم    «الخارجية» و«الطيران» تبحثان توسيع شبكة الخطوط الجوية مع الدول العربية والأفريقية    معهد التخطيط القومي يشارك في المؤتمر الدولي الأول للذكاء الاصطناعي الذي تنظمه جامعة القاهرة    إصابة متضامن أجنبي وفلسطينيين اثنين في هجوم لمستوطنين شمال شرق رام الله    حماس ترفض اتهامات الخارجية الأمريكية بانتهاك وقف إطلاق النار    تحمل مساعدات لغزة.. سفينة الخير التركية السابعة عشر تفرغ حمولتها بميناء العريش    منتخب مصر البارالمبي يتوج بكأس العالم للكرة الطائرة بعد الفوز على البرازيل    قمة نارية في الدوري الإنجليزي بين ليفربول ومانشستر يونايتد.. تعرف على أبرز مباريات اليوم    إبراهيم العامري يكشف تفاصيل انضمامه لقائمة الخطيب في انتخابات الأهلي    ضبط عصابة تخصصت في النصب على المواطنين بزعم حيازة قطع أثرية    التعليم تعلن مقررات امتحان شهر أكتوبر 2025 لطلاب الصف الثاني الثانوي العام شعبة علمي    ياسر جلال يكشف وصية الرئيس السيسي: أوصاني باحترام الدكتور مرسي خلال مسلسل الاختيار    منطقة كفر الشيخ الأزهرية: اليوم أخر أيام التقديم لمسابقة شيخ الأزهر لحفظ القرآن الكريم    توقيع وثيقة استراتيجية التعاون القُطري بين مصر ومنظمة الصحة العالمية    رئيس الرعاية الصحية: بحث إنشاء إطار إقليمي موحد لدعم أداء المنشآت الصحية    هيئة التأمين الصحي الشامل تعقد اجتماعا استثنائيا لمناقشة مقترح الهيكل التنظيمي لها    كيت بلانشيت في الجلسة الحوارية بمهرجان الجونة : اللاجئين يمنحونى الأمل والإلهام وطورنا صندوق دعمهم    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة المصرية بعد مرور 90 دقيقة من بدء التداولات    خماسية النصر نهاية مشوار جوزيه جوميز مع الفتح السعودي؟    طب قصر العيني تناقش تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال الطبي    أول تعليق من هيثم الحريرى على سبب استبعاده من انتخابات النواب    بعد الزيادة الأخيرة.. الوادي الجديد تعلن تفاصيل سعر أسطوانات البوتاجاز بالمراكز والقرى    افتتاح أعمال النسخة الخامسة من منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامين    وصول بعثة الأهلي إلى مصر عقب الفوز على بطل بوروندي (صور)    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاحد 19-10-2025 في محافظة الأقصر    خاص.. أول تعليق من والد خوان بيزيرا على دعم جمهور الزمالك في مباراة ديكيداها بكأس الكونفدرالية    بوتين اشترط خلال اتصاله مع ترامب تسليم أوكرانيا أراضٍ رئيسية لإنهاء الحرب    لماذا يعد الاعتداء على المال العام أشد حرمة؟.. متحدث وزارة الأوقاف يوضح    وزير الصحة يشارك في مائدة مستديرة حول «استخدامات الذكاء الاصطناعي في الرعاية الصحية»    متحدث الصحة: مبادرة صحة الرئة قدمت أكثر من 55 ألف خدمة للمواطنين    حكم الوضوء قبل النوم والطعام ومعاودة الجماع.. دار الإفتاء توضح رأي الشرع بالتفصيل    خروج 6 مصابين بعد تلقى العلاج فى حادث انقلاب سيارة وإصابة 13 بالمنيا    دعاء الفجر| اللهم جبرًا يتعجب له أهل الأرض وأهل السماء    نقيب الصحفيين: بلاغ لوزير الداخلية ووقائع التحقيق مع الزميل محمد طاهر «انتهاك صريح لقانون النقابة»    «حظهم ماتش الأهلي جه بدري».. شيكابالا يُعلق على خروج بيراميدز من كبوته    أحمد العوضي يحقق أمنية طفلة محاربة للسرطان بالتمثيل في فيلمه مع مي عمر    أحمد سعد يغادر إلى ألمانيا بطائرته الخاصة استعدادًا لحفله المنتظر    بوني يقود إنتر لانتصار ثمين على روما في كلاسيكو الكالتشيو    وزارة السياحة والآثار تنفي التقدّم ببلاغ ضد أحد الصحفيين    شبانة: أداء اليمين أمام مجلس الشيوخ مسئولية لخدمة الوطن والمواطن    ترامب: دمرنا غواصة ضخمة تهرب مخدرات كانت في طريقها للولايات المتحدة    نتنياهو: الحرب ستنتهي بعد تنفيذ المرحلة الثانية بما يشمل نزع سلاح حماس    حنان مطاوع تخوض سباق رمضان 2026 بمسلسل "المصيدة"    مصرع عروسين اختناقًا بالغاز داخل شقتهما ليلة الزفاف بمدينة بدر    وائل جسار: فخور بوجودي في مصر الحبيبة وتحية كبيرة للجيش المصري    لا تتردد في استخدام حدسك.. حظ برج الدلو اليوم 19 أكتوبر    تفاصيل محاكمة المتهمين في قضية خلية مدينة نصر    المشدد 15 سنة لمتهمين بحيازة مخدر الحشيش في الإسكندرية    استعدوا لأشد نوات الشتاء 2026.. الإسكندرية على موعد مع نوة الصليب (أبرز 10 معلومات)    أحمد ربيع: نحاول عمل كل شيء لإسعاد جماهير الزمالك    محمود سعد يكشف دعاء السيدة نفيسة لفك الكرب: جاءتني الألطاف تسعى بالفرج    بعد هبوط الأخضر بالبنوك.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الأحد 19-10-2025    100 فكرة انتخابية لكتابة برنامج حقيقي يخدم الوطن    «زي النهارده».. توقيع اتفاقية الجلاء 19 أكتوبر 1954    «الشيوخ» يبدأ فصلًا تشريعيًا جديدًا.. وعصام الدين فريد رئيسًا للمجلس بالتزكية    شبورة كثيفة وسحب منخفضة.. بيان مهم من الأرصاد الجوية بشأن طقس مطروح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



النساء أيضا يحملقن
نشر في الشروق الجديد يوم 19 - 11 - 2019

فى البيت الكبير فى الحى الفاطمى؛ حيث ولدت ثم «أنشئت» كان للجمال معايير مختلفة عن المعايير التى أسمعها أو أراها تتكرر هذه الأيام فى أحاديث وتصرفات الرجال والنساء على حد سواء. بقيت معايير من الماضى مغروسة فى عقلى إلى مرحلة الشباب، وبصراحة بقيت مغروسة إلى أن جاءت مرحلة فرضت طبيعة العمل وأنا على أبواب الشباب أن أتنقل بين ثقافات متباينة لكل منها معاييرها الخاصة للجمال.
أذكر من معايير الجمال فى بلدى كما غرسوها فى وعيى وأنا فى ذهن مراهق على وشك أن يصير شابا: «الشعر طويل سرحان والأورة بلاطة حمام والعيون عيون غزلان والخدين تفاح مليان والمناخير نبقة والبق خاتم سليمان والكعب أحمر شهقان يدب والأرض تزلزل والصدر ياسمين مليان».
***
لا أعرف من أين تبنينا بياض البشرة معيارا للجمال فى بلدنا. أتمنى أن يجيبنى خبراء وعلماء الحضارة والأجناس ومؤرخو الثقافات. أحد هؤلاء، وربما كان دليل رحلات فى وادى الملوك هو الذى أفتى أمامى بأن المصرى القديم كان فى مثل طوله وعرضه وبالتأكيد فى لون بشرته. رسخت فى ذهنى منذ المرحلة الأولى وأنا لم أتجاوز الثانية عشرة من عمرى أن أجدادى قبل أن يختلطوا بكل وافد أجنبى كانوا سمر البشرة، سمرة أحيانا شديدة كلون بشرة الدليل الذى رافقنا، ونحن تلاميذ صغار وغرس فينا يقينه بأن المصرى أصله أسمر سمرة محروقة. جداتى، وهن كثيرات، رفضن هذا اليقين. إحداهن وهى الجدة السمراء جدا تعرف عن «يقين» أننا ورثنا سمرة اللون من لون بشرة الوافدين من جزيرة العرب منذ عصور ما قبل ظهور الإسلام ومعه وبعده. جدة أخرى تعرف أيضا عن «يقين» أننا أحفاد ملوك وضباط وجنود من بلاد فى شرق سيناء أو شمال المتوسط أهلها بيض البشرة دخلوا مصر بحرب أو بسلام آمنين. حكموها عقودا أو قرونا وصاهروا رجالها ونساءها. لن يكون الحيثيون والبطالمة أولهم ولا المماليك الشراكسة ولا الألبانيون أو الأتراك آخرهم. جدة من جداتى، وهى الجدة صاحبة البشرة البلورية فى بياضها، تكاد لا تتوقف عن مكايدة أخواتها، فالبياض دليل عز ونعم وأبهة ورفاهة وأصول قوقازية، ومن ذريتها سوف يخرج فى مصر أهل قوة وسلطان. فى بيتنا الكبير عشنا أطفالا ومراهقين وشبابا نتنافس لعبا وحبا بألوان بشرتنا. تعلمنا التعايش، كل منا فخور بلونه وأصله.
***
قالت: «جمعتنا جلسة، فيها رجال ونساء من أعمار شتى، وأيضا ببشرات شتى. دار الحديث حول صعوبات التعايش بين الناس فى البلد الواحدة متفرعا عن حديث آخر دار مبكرا وكان موضوعه اختلاف معايير الجمال عند مختلف الشعوب وأثر هذا الاختلاف على السلم الاجتماعى. بدأت القصة، إن كانت تصلح قصة، عندما أثيرت مسألة ضرورة تنبيه رجل بعينه بالامتناع عن الحملقة فى وجوهنا، نحن المشاركات فى اجتماع ضم الجنسين. الحملقة مقلقة للمرأة. قليلات اللائى يعتبرنها نوعا من الإطراء لجمالهن. الغالبية العظمى ينتابهن الشك فى حسن اختيارهن لملابسهن أو لخطأ فى ترتيب الشعر أو لانحراف غير مقصود فى تصرف أو مسلك. يومها سربت إلى الحاضرات اقتراحا بأن نقرر جميعنا نحن النساء المشاركات البحلقة فى وجه الرجل، جميعنا فى وقت واحد والصمود فى الحملقة لأطول وقت ممكن. نجحنا، ففى أقل من دقيقتين كان الرجل يلملم أغراضه ويغادر القاعة فى ارتباك وتوتر شديدين».
***
قاطعتها سيدة فى مقتبل النضوج «أذكر جيدا ما حدث ومنذ ذلك اليوم صرت وصديقاتى نرد على حملقة الرجل بحملقة نسوية جماعية تفكك أوصاله. لكن تعالوا نبحث فى مبررات الحملقة وسوف أتطوع كنموذج لأحد المبررات. نشأت فى حى بمدينة أتلانتا بولاية جورجيا غالبية سكانه من السود. اختلطت ببيض البشرة فى المدرسة والجامعة وحانات السهر والترفيه وفى نوادى التدريب الرياضى. نادرا ما اختلطنا اجتماعيا. لم نتزاور عائليا. لم أقع فى حب شاب أبيض. تعرفون طبعا أننى كنت دائما هدفا لحملقة الشبان البيض. وتعرفون السبب. قيل لى صراحة من رجل أبيض أننى أجمع فى جسدى كل ما يمكن أن يثير رغبة الجنس عند الرجل، بشرة سوداء تلمع وشفتان ممتلئتان وعينان واسعتان وجسد ممشوق وغير نحيف فى آن واحد. نعم، هكذا حدد الرجل الأبيض معايير جمال المرأة السوداء. اشتراها أو اختطفها من قبيلتها فى إفريقيا واحتفظ بها بين عبيد المزرعة أو القصر لخدمته ولتنتج أطفالا سودا بنفس المعايير. عشت حياة لا تختلف كثيرا عن حيوات جداتى. بالنسبة للإنسان الأبيض فى المجتمع الأمريكى أديت دور «الآخر». أديته، كما عاش يؤديه بامتياز كل أمريكى أسود وأمريكية سوداء. لم أعش يوما واحدا فى الولايات المتحدة ولا عاشته أمى وابنتى عضوا أصيلا فى المجتمع مثل أى امرأة بيضاء. أنا بالنسبة له أو لها هو «الآخر» ولن أكون غير ذلك. تعودت على أداء هذا الدور منذ كنت طفلة فى روضة الأطفال حتى إننى وفى رحلة عمل طويلة فى دولة إفريقية لم أتصرف يوما إلا كما يتصرف «الآخر»، أى كما تعودنا أن نتصرف فى أمريكا. كانت تصرفات الأفارقة معى عادية كتصرفاتهم فيما بينهم، أما أنا فتصرفاتى، كما وصفها الأفارقة، كانت كتصرفات إنسان مختلف المواصفات. نعم، المرأة الأمريكية ذات البشرة السوداء لا تتصرف فى مجتمع السود كإفريقيا مثلا كأى امرأة سوداء، هى غريبة بين السود فى إفريقيا كما هى غريبة بين البيض فى بلدها. نجحت أمريكا فى أن تصنع مواطنا «آخر»، له كل الحقوق التى للمواطن الأبيض وعليه نفس الواجبات ولكنه مواطن «آخر». صنعت إنسانا لا يصلح ليكون عضوا أصليا فى أى جماعة بشرية أخرى. هو الشخص الآخر فى كل موقع. لا أبالغ، ولكنى أعتقد أن الأمريكى الأسود ليس وحيدا فى هذا المضمار، إنها عقيدة الرجل الأبيض فى كل مكان هيمن عليه، فى إفريقيا كما فى أيام روديسيا وجنوب إفريقيا وفى أوروبا وفى الأمريكتين».
***
تدخلت فقلت «جارتى همست فى أذنى أن النقاش انحرف عن موضوع بدأنا به وهو معايير الجمال عند الشعوب فهمست بدورى فى أذنها أن الموضوع بطبيعته متشابك ومتداخل المكونات. أعرض عليها وعليكم مثالين لما أقول. أتصور أنه فى زمن غير بعيد استطاعت طلائع نسوية من التسلل إلى صناعة الجمال فى الغرب ثم الهيمنة عليها. فى هذه المرحلة صعدت ناعومى كامبل، أميرة من أميرات إمبراطورية الأزياء، وهى سوداء من أصول إفريقية، لتصبح التجسيد الحى للجمال الأسود كما يجب أن يكون، أى منسجما مع المعايير الغربية للمرأة البيضاء وليس كما جسده الرجل الأبيض عبر القرون وعبر رغباته للجمال الأسود. ليس سرا أن الإفريقى الجديد متمسك بمعايير للجمال مختلفة. هذا الإفريقى الجديد يرفض النموذج «البلاستيكى» للجمال الإفريقى الذى تروج له صناعة الأزياء والتجميل فى الغرب.
أضفت بالقول «المثال الآخر من الصين. كنت هناك ورأيت بعضا من آخر نساء العهد الإمبراطورى فى الصين. غالبيتهن فوق الأربعين. نساء يمشين ك «المكسحات»، بل هن بالفعل كذلك. كانت من بين معايير الجمال المعقدة فى الصين القديمة القدم المتناهية الصغر. لذلك جرى التقليد بأن تكون هدية الطفلة عند بلوغها السابعة من عمرها طاقم حذاء مصنوع من الحديد لا تخلعه قبل بلوغ سن المراهقة. ليس مهما أن تمشى كالكسيحات ولكن المهم أن تمشى متمهلة. المرأة لا يجوز أن تهرول. الطفلة تكبر وتنضج طولا وعرضا باستثناء القدم المقيدة النمو فى قالبها الحديدى. لا فرق بين امرأة فقيرة وامرأة غنية فى مراعاة هذا المعيار. بعد قرون من الالتزام بهذا المعيار توقف العمل به مع ثورة الاستقلال وبشكل أكثر حزما مع الثورة الاشتراكية التى تعاملت مع المرأة كعنصر منتج مثلها مثل الرجل. المعيار الآخر كان نعومة الجلد. وأظنه من معايير الجمال عند الغالبية العظمى من نساء العالم. هناك فى الصين حرصت نساء القصر والعائلات الاقطاعية على الاستحمام فى حمام من اللؤلؤ المطحون والمذاب فى نوع خاص من الحليب. هنا فى بلدنا أذكر أننى كنت وأنا طفل أنتظر باللهفة المشروعة اليوم المقرر أن تجرى فيه عمليات توفير النعومة لبشرة وأجساد جميع نساء العائلة والجيران أيضا. كان يوم عيد للأطفال توزع فيه الحلوى والمشروبات ونتفرج على الراقصات ونطرب مع غناء المغنيات.
***
استأذنت طالبا فترة راحة على أمل العودة للحديث عما يعجب المرأة فى الرجل، ولماذا نرفض أن تكون للرجال كما للنساء معايير جمال، أم أن لكل امرأة على حدة ما تفضله فى الرجل؟.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.