التعليم العالي: 100 ألف طالب يسجلون لأداء اختبارات القدرات    المركزي الأوروبي: التضخم بمنطقة اليورو تحت السيطرة رغم الرسوم الأمريكية    برنامج الغذاء العالمي: ثلث سكان غزة بدون وجبة طعام واحدة لعدة أيام    الإسماعيلي يواجه السكة الحديد غدا استعدادا للموسم الجديد    انطلاق امتحانات الدور الثاني لصفوف النقل بالفيوم، غدا    ظهرت مع تامر حسني بأشهر كليباته، أسيل عمران تكشف سبب انتفاخ وجهها    زيلينسكي: يجب إجراء محادثات على مستوى القادة لإنهاء الحرب مع روسيا    مؤتمر جماهيري ل"مستقبل وطن" في دمياط    الإسماعيلي يجدد عقد إبراهيم عبد العال حتى 2029    مصرع سيدة وإصابة زوجها في تصادم سيارتين بالمقطم    محادثات «أوروبية - إيرانية» بإسطنبول ومطالب بضمانات للعودة للاتفاق النووي    وزير العمل عن دمج وتوظيف ذوي الهمم: قضية تحتاج تكاتف المؤسسات    افتتاح مسجدين جديدين بالفيوم وسط استقبال شعبي واسع    ترامب يطلب من رئيس الفيدرالي خفض أسعار الفائدة من جديد    الجيش اللبناني يُشارك في إخماد حرائق بقبرص    بالانفوجراف| الحصاد الأسبوعي لوزارة الزراعة    «اقتصادية قناة السويس» تبحث تخصيص مساحة جديدة لمجموعة «تيدا» الصينية    وزير الخارجية يؤكد دعم مصر الكامل لخطة التنمية الخمسية ورؤية السنغال الوطنية 2050    نيابة باب شرقي تطلب تحريات اتهام شخص بهتك عرض طفل في الإسكندرية    غدا.. ضعف المياه بحى شرق وغرب سوهاج لأعمال الاحلال والتجديد    وزير الثقافة يهنئ المبدعين بيوم الثقافة العربية ويدعوهم لتعزيز الهوية وصون التراث    مبادرة "مصر تتحدث عن نفسها" تحتفي بالتراث في أوبرا دمنهور    ب"فستان قصير"..أحدث ظهور ل نرمين الفقي بمنزلها والجمهور يغازلها (صور)    هل يقبل عمل قاطع الرحم؟ د. يسري جبر يجيب    وزير الاستثمار والتجارة الخارجية يلتقي مسؤولي 4 شركات يابانية لاستعراض مشروعاتها وخططها الاستثمارية بالسوق المصري    وكيلة "الصحة" توجه بتوسيع خدمات الكُلى بمستشفى الحميات بالإسماعيلية    طريقة عمل الكيكة، هشة وطرية ومذاقها لا يقاوم    الكابتشينو واللاتيه- فوائد مذهلة لصحة الأمعاء    محافظ الجيزة يوجه بضبط «الاسكوتر الكهربائي للأطفال» من الشوارع    برنامج تأهيلي مكثف لنجم الهلال السعودي    استشهاد شخص في استهداف طائرة مسيرة إسرائيلية لسيارة في جنوب لبنان    مصرع شخصين وإصابة آخرين إثر حادث تصادم في الطريق الزراعي بالشرقية    عامل يقتل زوجته ويدفنها خلف المنزل تحت طبقة أسمنتية بالبحيرة    رحيل هالك هوجان| جسد أسطوري أنهكته الجراح وسكتة قلبية أنهت المسيرة    نائب وزير الخارجية الإيراني: أجرينا نقاشا جادا وصريحا ومفصلا مع "الترويكا الأوروبية"    باستقبال حافل من الأهالي: علماء الأوقاف يفتتحون مسجدين بالفيوم    «100 يوم صحة» تقدّم 14.5 مليون خدمة طبية مجانية خلال 9 أيام    شقيقة مسلم: عاوزة العلاقات بينا ترجع تاني.. ومستعدة أبوس دماغة ونتصالح    أسعار الأرز في الأسواق اليوم الجمعة 25-7-2025    ضبط 596 دراجة نارية لعدم ارتداء الخوذة خلال 24 ساعة    يامال في مرمى الهجوم، فليك يضع قواعد سلوكية جديدة للاعبي برشلونة بعد الحفلات الصاخبة    هل رفض شيخ الأزهر عرضا ماليا ضخما من السعودية؟.. بيان يكشف التفاصيل    وزارة الداخلية تواصل حملاتها المكثفة لضبط الأسواق والتصدى الحاسم لمحاولات التلاعب بأسعار الخبز الحر    إزالة 196 حالة تعدٍ على أراضي أملاك الدولة بأسوان خلال 20 يومًا - صور    بعض الليالي تترك أثرا.. إليسا تعلق على حفلها في موسم جدة 2025    بطابع شكسبير.. جميلة عوض بطلة فيلم والدها | خاص    واشنطن تدعو إلى وقف فوري للاشتباكات بين تايلاند وكمبوديا    الحكومية والأهلية والخاصة.. قائمة الجامعات والمعاهد المعتمدة في مصر    عالم أزهري يدعو الشباب لاغتنام خمس فرص في الحياة    وزير الخارجية يسلم رسالة خطية من الرئيس السيسي إلى نظيره السنغالي    مواعيد مباريات الجمعة 25 يوليو - الأهلي ضد البنزرتي.. والسوبر الأردني    نجم الزمالك السابق يوجه رسالة خاصة ل عبد الله السعيد    شديد الحرارة والعظمى 44.. حالة الطقس في السعودية اليوم الجمعة    «مشتغلش ليه!».. رد ناري من مصطفى يونس بشأن عمله في قناة الزمالك    لا ترضى بسهولة وتجد دائمًا ما يزعجها.. 3 أبراج كثيرة الشكوى    الآلاف يحيون الليلة الختامية لمولد أبي العباس المرسي بالإسكندرية.. فيديو    سعاد صالح: القوامة ليست تشريفًا أو سيطرة وإذلال ويمكن أن تنتقل للمرأة    دعاء يوم الجمعة.. كلمات مستجابة تفتح لك أبواب الرحمة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رباعيات عبدالرحيم منصور
نشر في الشروق الجديد يوم 26 - 10 - 2009

كتب شاعر العامية الكبير عبدالرحيم منصور، بالإضافة إلى أغنياته الكثيرة التى نعرفها ديوانا واحدا بعنوان«الرقص ع الحصى» وقد أضيف إليه ثمانية وخمسون رباعية بعنوان«رباعيات الموت والميلاد»، وتم طبعهما فى كتاب واحد يحمل اسم الأعمال الكاملة، صدر فى طبعة واحدة عام 1990.
وقد أهدى عبدالرحيم منصور هذا العمل إلى أمه، وكتب له تصديرا يقول فيه :«أمى بنت الشيخ إسماعيل الخلاوى من دندرة، نجع الرد، بندر قنا، تعلمت على يديها الشعر.. فحينما كنت صغيرا كنت أجلس بجوارها أمام الفرن وهى تخبز أرغفة الخبز على نيران شجر السنط، وأشعر أن الإنشادات التى تقولها أمام النار كأنها نقش الفراعنة على المعابد القديمة، وأن هذه الإنشادات هى التى تطيب الخبز.. وليس شجر السنط».
وهذا التصدير له دلالة فنية كبرى تكشف سر كتابة عبدالرحيم منصور للرباعيات ذات القوافى المتبادلة، حيث تتفق قافية البيت الأول مع قافية البيت الثالث، وقافية البيت الثانى مع قافية البيت الرابع، فيقول مثلا :
بره القفص زقزقة زقزق يا طير م القلب
الدنيا مش ضيقة لو بس تعرف تحب
فقد اشتهر أهل الصعيد فى مجالسهم ونواديهم بفن الواو رواية وكتابة، وهو درب من الرباعيات له وزن مخصوص، ويتبع نظام القوافى المتبادلة، وأشهر من كتبه ابن عروس، الذى نحفظ كثيرا من رباعياته دون أن نعرف أنه صاحبها، مثل قوله:
لابد من يوم معلوم تترد فيه المظالم
أبيض على كل مظلوم واسود على كل ظالم
ولما كان عبدالرحيم منصور صعيديا خالصا رضع التراث مخلوطا باللبن، فكان لابد له حتى تكتمل شخصيته الشعرية ذات الهوية الخاصة، أن يكتب هذا النمط من الرباعيات، وكيف لا وهو يلقب نفسه باسم مدينته:
قالولى ليه يا قناوى خطوك على السكة ساكت
أنا قلت كان لى غناوى داقت الحقيقة وشاخت
والرباعية السابقة توضح لنا على المستوى الدلالى سبب اختيار منصور لكتابة الرباعيات، فقد اكتشف أن فضاء الأغنية المحدود غير قادر على استيعاب ما فى قلبه من أحزان وما فى عقله من أفكار، فكان لابد من البحث عن قالب آخر يستوعب عناء الرحلة وأهوال الحياة:
طلقونى جوه الدروب وف قلبى نِدْعِةْ حليب
بين الشروق والغروب إزاى يا وِلْد تشِيب
وإذا كنا قد لاحظنا أن لفظة (وِلْد) قد جاءت باللهجة الصعيدية الخالصة فى النص السابق، فإن هذا كثيرا ما يصادفنا فى رباعياته، حيث يقول مثلا :
لا شىْ باقى ودايم يا حلم أمى وخَيَّه
القش هو اللى عايم ونا وزمانى فى خَيَّه
فرباعيات منصور ترتبط بواقعه الصعيدى أشد الارتباط على مستوى اللغة والصور والشخصيات أيضا، فهناك مثلا مجموعة رباعيات كتبها لأمه، منها قوله:
يا مِسْكِة الطيب يا أمى يا أم الوَدَع والحكاية
يا كون بيجرى فى دمى يا سكة بتدور ورايا
وكذلك مجموعة أخرى كتبها لأبيه، منها قوله:
ماشى ولابس عبايتك والكلمة لمَّا تقولها
ارتاح يابويا فى منامتك والدنيا سيب لى حمولها
على أن هذا الارتباط الشديد بالبيئة المحلية، لم يمنع وجود مجموعة من الرباعيات الإنسانية العامة التى تتأمل الحياة فى فلسفة بسيطة تستشف المفارقة الموجعة:
محلا ثيابك يا زهرة ف الصبح زاهى عبيركِ
ييجى المسا تبقى ذكرى والدنيا صارت لغيركِ
وأحيانا تظهر قدرة الشاعر على اكتشاف مفارقات الحياة حتى فى جانبها الإيجابى المفعم بالأمل، لكن فى إطار صراع درامى مرير، حيث يقول :
عرفت عتبات بيوت لكن ما خطيتهاش
ودُقْتْ يامَا الموت والقلب بَرْضَك عاش
وقد تنبع المفارقة من سياق صرفى يجمع بين اسم الفاعل واسم المفعول،
حيث يقول :
يا نخل مالها جدورك فى الأرض مالهاش مخالب
جيتك لحدك أشورك رجعت مغلوب وغالب
فهو مغلوب لأنه قد اكتشف أن النخل الشامخ الذى ظن أن له القدرة على منح الحكمة يكمن فى داخله ضعفه وسر فنائه، فجذوره ليس لها مخالب تتشبث من خلالها بالأرض معادلة الحياة حتى يتحقق للنخل الخلود، لكنه غالب لأنه قد تأكد من أنه لا شىء فى الكون أقوى من الإنسان، وأن عليه أن يستشف الحكمة من داخله نفسه.
وقد أدرك منصور فى النهاية أن المفارقة التى تَعَجَّب من مظاهرها المتعددة، والتى بدت مؤلمة فى صراعها الدرامى، هى الجوهر الرئيسى الذى يضمن استمرارية الحياة، حيث يقول:
لاتنين سوا لاتنين البذرة ويَّا الحصاد
الفجر أبيض جنين والموت شهادة ميلاد
فالحصاد المعادل للموت هو جمع للبذور التى تؤذن بميلاد جديد عند زراعة الحبوب الوليدة، ولولا هذا الموت المرحلى ما كانت الحياة الواعدة.
فهل هذه هى حكمة الحياة الدفينة التى عانى منصور وتغرب سعيا للوصول إليها:
بأفِرْ مِنْ تَحْت جِلْدِى واهرب وألف وأدوب
الوِدْ أشرب بيدى نبع الشروق والغروب
ربما.. لكننا فى هذا السياق لا نبحث عن الحكمة، بل نبحث عن الصورة الفنية التى قدمت من خلالها، وأظن أنها قدمت بطريقة مرضية، أبرز ما فيها أنها تبرز هوية المبدع، فى زمن ضاعت فيه الهويات وتشابهت الأصوات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.