قال الدكتور محمد عفيفي، أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، أن أدب الرسائل هو الوجه الأخر للتاريخ، مشيرًا أن الكتاب مصدر مهم للتاريخ الغامض لصعيد مصر. وأضاف «عفيفي» أثناء حفل توقيع كتاب "رسائل من مصر" ل ليدي دوف جوردون، وترجمة الروائي إبراهيم عبد المجيد، والذي انعقد في أتيليه القاهرة. «تاريخ مصر مثير بحكم البيئة الجغرافية وتقلبات الزمن، وأن الصعيد هو الحافظ إلى حد كبير على التقاليد والحياة المصرية الأصيلة، وهو ما يؤكده الرحالة الذين قاموا بزيارة مصر في القرون السابقة مشيرين أن الصعيد يعيدهم إلى زمن الفراعنة. وتابع أستاذ التاريخ أن الكتاب من المصادر النادرة التي وثقت تاريخ الصعيد وكتبت عنه، حيث أن الصعيد بشكل عام لم يكتب تاريخه الخاص، لافتًا إلى أن أدب الرسائل من أهم مصادر الكتابة التاريخية ، لأنها مصدر حي، ووسيله طازجة مهمة جدا لتوثيق التاريخ بشكل عام. واستكمل أن أهمية هذه الرسائل، تأتي كونها رسائل إنسانة محبة للصعايدة، و عاشت معهم وتفاعلت معهم بقوة، أثناء أصابتها بمرض السل، وكتبت هذه الرسائل لأهلها، ثم تم جمعها بعد ذلك، وبسبب ذلك وجدت الدراما والإنفعالات داخل الرسائل، وبها أيضا المعلومات الطازجة، وذلك عكس المذكرات، والتي هي ذكريات تكتب بعد الحدث بفترة طويلة جدا، وبها حالة إعادة مراجعة للحدث، وقد يزيد عليه، وأحيانا ينقص منه، وقد يتم تجاهل أحداث أخري، لأنه إعادة حكي. وأوضح «عفيفي»، أن ليدي دوف جوردون، والتي عاشت في الأقصر "طيبه"، شخصية مهمة جدا، ولها كتابات كثيرة في الأدب اإنجليزي، و أتت لتعيش في صعيد مصر للإستشفاء وليس للعلاج، بحثا عن الدفئ والشمس، وقد أحبها المصريين وأطلقوا عليها إسم "الشيخة نورا" أو "الست نور علي نور"، وكانت تقدم العلاج لأهل الصعيد وتهتم بتعليمهم القراءة والكتابة، حتى أصبحت جزء من هذا المجتمع، ما جعلها توصى بدفنها بالأقصر، قبل أن تستسلم للمرض في القاهرة بعدما اشتد عليها. وأوضح أستاذ التاربخ، أن الفترة التى كتبت بها الرسائل هي السنوات الأخيرة لحكم الخديوي إسماعيل، وبالرغم من دوره المهم في تاريخ مصر، وتأسسيه للعديد من الأماكن الهامة مثل القاهرة الخديوية، والأوبرا، ولكن ليدي دوف جوردون أختارت الحديث عن الأوضاع السيئة للفلاحين والصعايدة، في عصره كما شاهدتها، وخصوصا التعسف في جمع الضرائب، وإنتشار الأمراض، وهو وجه آخر مخالف تماما لصورة القاهرة، والإسكندرية. وأبدي «عفيفي» إعجابه بترجمة الكاتب إبراهيم عبد المجيد للكتاب معتبره أن أروع الترجمات هى التي يكتبها أديب، وأشاد بالأسلوب الأدبي المميز الذي صاغ به الأديب الكبير الرسائل، وأنه تحدى نفسه أثناء الترجمة ذلم لأن المؤلفة هي أيضا أديبة مشهورة. وأشاد أيضًا بالهوامش التى أضافها المترجم للكتاب، لأنه جزء من إبداعه، وأنهى حديثه بأن الكتاب مادة خصبة لمن يريد أن يدرس التاريخ الإجتماعي للصعيد، أو مهتم بعمل مسلسل خاص عنه.