مائة وثلاثون عاما وأزيد هو عمر الجمعية الجغرافية المصرية التى يحتضنها حرم مجلسى الشعب والشورى وتجاور العديد من الوزارات المهمة، جغرافية المكان تَشى باهتمام الدولة بها، فموقعها فى كنف المجلس الموقر وقبته الشهيرة وإجراءات الأمن التى يجتازها الفرد منا قبل الدخول إليها تؤكد مبدئيا اهتمام الحكومة المصرية بها. الجمعية التى صمد مبناها التاريخى وقبته الأقل شهرة أمام زلزال 1992هى تاسع أقدم جمعية جغرافية فى العالم من حيث التأسيس، وأقدم جمعية جغرافية خارج أوروبا وأمريكا، أمر الخديوى إسماعيل بإنشائها «نظرا لما يعود على مصر من نفع جزيل وفوائد جليلة من العلوم الجغرافية والمصالح الصناعية والتجارية بارتياد الأمصار وأقطار أفريقيا وما يجاورها من البلدان» وهو ما جاء فى مرسوم إنشائها الموقُّّع بتاريخ 19 مايو 1875، ومنذ هذا التاريخ والجمعية الجغرافية المصرية مستمرة فى عطائها العلمى والبحثى. باحثون غضون ينكبون على الكتب والدوريات الجغرافية التى تتبادلها الجمعية مع نظيراتها حول العالم كذلك المجلة الجغرافية المصرية والعربية، وسلاسل البحوث والدراسات غير الدورية التى تصدرها الجمعية، إلى جانب مجموعة الكتب النادرة والمكتبات المهداة لها، ونتائج الأبحاث التى ألقيت فى مؤتمراتها التى كانت تدعو إليها المستكشفين والرحالة لإلقاء نتائج كشوفهم الجغرافية، بالإضافة لإيداعهم مقتنيات تلك الرحلات الاستكشافية فى متحف الجمعية فى القاعة الأفريقية. أما ذاكرة مصر فتحتضنها ردهات وأروقة الجمعية التى تحفظ فى متاحفها مفردات الحياة الشعبية فى قاعة القاهرة والتى تضم المحمل النبوى والتختروان وصندوق الدنيا العجيب ومنتجات الحرف والصناعات التقليدية والألعاب والحلى والآلات الموسيقية الشعبية، كما تحوى قاعة قناة السويس مجسمات تذكارية للقناة ومدنها وطريقة حفرها وخرائطها، بالإضافة لما تحويه مكتبة الخرائط بالجمعية من أطالس نادرة كأطلس أسفل الأرض للأمير عمر طوسون وأطلس الأمير يوسف كمال لإفريقيا، وخرائط نادرة رسمها جوردون وبوردى ومحمود باشا الفلكى. فى عالم اليوم انتهت الكشوف الجغرافية بمعناها التقليدى وتطوّر مفهوم علم الجغرافيا لعلم إدارة المكان (الأرض) وارتبط هذا العلم باستشراف المستقبل وعلومه، لذا أصبحت أغلب أنشطة المواسم الثقافية التى تقيمها الجمعية تتعلق بقضايا مستقبلية وحيوية كقضية المياه وحق مصر فيها. الجغرافيا والتاريخ، يقال إن الجغرافيا تصنع التاريخ ويمكن التأكد من صدق تلك المقولة بمعرفة دور الجمعية الجغرافية المصرية وخرائطها النادرة التى حفظت حدود مصر وتم استخدامها فى التحكيم الدولى لمشكلة طابا وأسهمت فى إرجاعها للسيادة المصرية، وبعد ذلك فربما يعكس حال الجمعية الجغرافية المصرية حال مصر وتطور نظرتها نحو مؤسسة علمية بعراقتها والتى عين لها الخديوى إسماعيل عند إنشائها مبلغ 400 جنيه إعانة سنوية وتم تخصيص وقف راتب باشا بالغربية للإنفاق عليها وعلى أنشطتها العلمية حين كانت مصر تؤمن بأهمية العلم وتقدر دوره، واليوم تم إيقاف مخصصات هذا الوقف من قِبَل وزارة الأوقاف جراء خلاف قانونى وما زالت الجمعية الجغرافية المصرية تجاهد من أجل تقديم خدماتها لروادها ومريديها وتمثيل مصر فى المؤتمرات العلمية الدولية واستمرار الجهد البحثى لأبنائها. نجت الجمعية بأعجوبة من حريق مجلس الشورى المتاخم لها، ورأبت الصدوع التى أحدثها زلزال 1992 فى قبتها التى لا تقارن بالتأكيد بقبة مجلس الشعب، فتحت قبة مجلس الشعب نواب وشيوخ وتحت قبة الجمعية الجغرافية المصرية شيخ حقيقى وولىّ زاهد يحج إليه طلاب العلم ودارسو الجغرافيا ولا يطلب نقوطا أو نذورا ولكن بقاء مقام سيدنا الولى رهين ببقاء شىء من الإيمان به فى القلب.