عقدان كاملان من الزمن مرا على نهاية الحرب الباردة، وما زال عالم اليوم حافلا بالصراعات والحروب ليثبت أن نهاية الحرب الباردة لم تكن بداية لعهد جديد من السلام والاستقرار العالمي، كما ظن كثيرون يوم الإعلان عن نهاية تلك المواجهة الدولية الكبرى بين المعسكرين الشرقي والغربي، فمازالت خريطة العالم تبدو محتقنة ومحترقة بأعداد لا نهاية لها من الحروب الداخلية والخارجية. وبينما كان للحروب والنزاعات والصراعات خلال العقدين الماضيين سمات عامة مشتركة تميزها عن الحروب السابقة، فإن حروب القرن ال21 التي تقود الثورة الرقمية طبيعتها شهدت تغيرات جذرية، محدثة تحولات في مفاهيم وخلفيات الحروب والصراعات نفسها على مستوى المفهوم والممارسة. ففي هذا القرن، لم تعد كلمة "حرب" تعني تلك العسكرية بالأسلحة والطائرات الحربية والنزاع المسلح بين جيوش الأطراف المتنازعة، كما لم تعد معتمدة على الاستراتيجية والتكتيك والتسليح كما وكيفا كما في الحروب التقليدية، بل إنها باتت مع التطورات والأحداث المتلاحقة التي شهدها القرن ال21، وما فرضته العولمة من تداعيات، نوعا جديدا من الحروب غير التقليدية، فعلى مر الأجيال تطورت الحروب بناء على تطور المجتمعات والوسائل المستخدمة، وهو ما أدى بدوره لتغير واضح في العلاقات الدولية، حيث اختلفت الدول في إدارة حروبها وتوظيف قدراتها العسكرية. لا يوجد تناقض بين الحرب التقليدية والحروب الجديدة، فكلاهما يتم توظيفه لتحقيق مصالح دولة على حساب دولة أخرى، ولا يمكن اعتبار أحدهما بديلا عن الآخر، بل إن الأمر قد يتطلب في بعض الأحيان التهديد باستخدام الحرب التقليدية، وطبيعة تلك الحروب واحدة لا تتغير وهي أنها شاملة وكونية، أما صفتها فهي في تغير دائم، حيث أدت التحولات التي تحدث كل يوم في علوم وتكنولوجيا المعلومات، بصورة كبيرة إلى صياغة المفاهيم الأمنية التقليدية. وبالتالي، فإن حروب القرن ال21 مختلفة عن حروب القرن السابق، حيث تتغير مصادر تهديد الأمن القومي للدول لتصبح الهجمات الإلكترونية (السيبرانية) أحد أخطر مصادر التهديد، وتحل الأسلحة الإلكترونية محل كثير من الأسلحة التقليدية، وستكون الهجمات الإلكترونية هي الوجه الجديد للحروب، حيث ستتفوق الحروب الإلكترونية على الحروب التقليدية، لما تتميز به من انخفاض في تكلفتها، وسهولة استهداف المرافق الحيوية والحرجة بالدولة، إضافة إلى صعوبة تعقب مصدر تلك الهجمات الإلكترونية. استراتيجيات مختلفة لاختراق البرامج والأجهزة مهمتها الرئيسية القيام بأعمال تخريبية، واختراق الشبكات المالية والبنوك الكبرى، أو سرقة بيانات المستخدمين ، أو دس شفرة غريبة داخل أحد البرامج ذات البرامج ذات الشعبية العالية تقوم بدورها بنشر الأكاذيب والشائعات، فحروب القرن ال21 عادة ما يكون أطرافها غير معروفين، كما إن الهدف منها ومدى مشروعيته غبر معروفة أيضا. وتكون الأسلحة المستخدمة في حروب القرن 21 أوسع انتشارا وأفتك من القوة العسكرية، حيث يتم استخدام القوة الناعمة بشكل أكثر والتأثير على الشعوب ليميل الانتماء لديهم تدريجيا إلى طرف، أو أن يتم استغلال نقاط الضعف والثغرات الموجودة لدى الطرف الآخر، كاستغلال الضعف السياسي أو الاقتصادي أو العسكري والحالة النفسية لتفجير الدول من الداخل وتحقيق الأهداف المنشودة، وهو ما يتم وصفه "بالجيل الخامس من الحروب". وتعتمد الحروب الجديدة بشكل أو بآخر على استخدام الوسائط العسكرية، كأنظمة الرادار والاستشعار وأنظمة الاستطلاع وجمع المعلومات والروبوتات والطائرات غير المأهولة وغيرها، وهذه الوسائط غير مقتصر استخدامها في المجال العسكري بل أيضا في مجالات مختلفة غير عسكرية، ومن أبرز أنواع الحروب الجديدة الحروب المتكاملة مثل الحرب الهجين والحرب غير المقيدة، وحرب الفضاء والحرب الافتراضية وحرب المناخ والحرب النفسية والحرب البديلة. و"حرب الهجين" هي تلك التي يتم فيها توظيف كل أبعاد القوة للفواعل من الدول ومن غير الدول بشكل قد لا يبدو منتظم، بمعنى أن تلك الحرب يمكن أن يتم شنها من خلال الدول أو فاعلين من غير الدول، ومن أهم سماتها المزج الكبير بين الأدوات التي تتضمن استخدام القوات العسكرية والتكنولوجيا والإرهاب والضغوطات الاقتصادية والمالية والأفكار والمعتقدات وغيرها وتوظيفها جميعاً خلال مراحل الحرب المختلفة، والاستخدام غير المحدود للفضاء سواء إعلاميا أو للتعبئة أو لغيرهما، حيث يكون الهدف الأساسي هو عزل الخصم وإضعافه من خلال العمل تآكل شرعيته في العديد من المجالات. و"الحرب السيبرانية "وهي حرب الفضاء أو الحرب الافتراضية، وتجمع تلك الحرب مابين استخدام القوة الناعمة والصلبة في عملية توظيف تفاعلية للتأثير على البنية التحتية والأمنية للخصم، بمعنى القيام بأعمال عدائية في الفضاء الإلكتروني تستهدف منشآت أو أهداف مدنية أو عسكرية مما يعيق من فرص حمايتها، ومن أهم خصائصها اتساع المسرح الخاص بها، فهو يمتد من قاع المحيطات حتى الطبقات العليا من الفضاء الخارجي، ويستخدم فيها مختلف النظم الإلكترونية، مثل المراقبة والكشف والإعاقة والخداع، كما أنها لا ترادف الحرب الإلكترونية والتي تعني عمل عسكري قائم على حالات التشويش على أنظمة الاتصال والردار وأجهزة الاستشعار والإنذار. ويستخدم هذا النوع من الحرب في حالتي السلم والحرب، لأنها قائمة بالأساس على الهجمات الإلكترونية، التي لا يقتصر القيام بها على الأجهزة الأمنية للدولة، بل يمتد تنفيذها إلى مستوى الأفراد حتى أنه لا يستثنى منها التنظيمات الإرهابية.