منذ اليوم الأول لإطلاقها عبر "الشروق" ، ومبادرة "لا للتعصب بين جماهير مصر والجزائر" تستقطب المزيد والمزيد من المؤيدين من الجانبين المصري والجزائري. المشاركة في المبادرة والاستجابة القوية لها تعني أن الساحة الرياضية العربية ما زالت بخير ، وتعني أن الغالبية العظمى من الجماهير العربية ما زالت تعي المعنى الحقيقي للرياضة ، وتدرك أن كرة القدم التي تفرق بين الأشقاء لا يجب أن يكون لها مكان بيننا. ربما كانت المبادرة في بدايتها أشبه بسكب كمية كبيرة من المياه على نيران مشتعلة ، فقد كانت عشرات التعليقات والرسائل تصل إلينا ، وخاصة عبر موقع الشروق الإليكتروني ، تحمل معها عبارات الكراهية والتعصب والرغبة في الانتقام وأشياء وعبارات من هذا القبيل ، فضلا عن الإساءة المتبادلة بين شعبين عربيين كبيرين ، ولكن بقي أن تستمر المبادرة لإطفاء ما بقي من النيران! ولهذا ، كان لابد للإعلام أن يكون له دوره الذي يتعين عليه القيام به في مثل هذه الحالات ، بدلا من أن يحدث ما لا يحمد عقباه في مواجهة 14 نوفمبر المنتظرة بين مصر والجزائر على أرض استاد القاهرة في تصفيات كأس العالم. كان لابد للإعلام أن يمارس دوره السامي في توعية الجماهير وإرشادها إلى الطريق الصحيح وليس تكرار حديث المتعصبين و"المهاويس" من هنا وهناك ، كان لابد أن تعي الجماهير في البلدين أن الرياضة أسمى من هذا الذي يدعو إليه البعض من كراهية وانتقام ، وأن كرة القدم لعبة راقية لا يقلل من متعتها إلا الحديث بعبارات من نوعية "ثأر" "موقعة" "معركة" "مقبرة" "دفن" "حرب" .. وغير ذلك! لذلك ، كانت هذه المبادرة التي أطلقتها "الشروق" ، وكانت الاستجابة لها كبيرة ومتوقعة ، والدليل على ذلك كم التعليقات التي وردت إلينا ويعرب فيها أصحابها عن تأييدهم لهذه الخطوة ، ويكفي القول إنه منذ إطلاق هذه المبادرة ، لم ترد تعليقات مسيئة إلى أي من الشعبين عبر الموقع الإليكتروني ، إلا ما يتعدى عدد أصابع اليدين. وفيما يلي بعض التساؤلات والاستفسارات التي تلقتها "الشروق" حول هذه المبادرة ، ونجيب عليها بكل شفافية وصراحة ودقة ، كما يلي : هل صحيح أن هذه المبادرة هدفها "تنويم" الجمهور المصري قبل مباراته مع الجزائر ، وأنه كان من الأولى ألا تتم لأنها تصبح في مصلحة المنتخب الجزائري الذي سيلعب خارج أرضه ويخشى الضغط الجماهيري؟ غير صحيح ، فالجمهور المصري غير قابل "للتنويم" في مباراة مهمة كهذه ، لأنه يعرف أنها مباراة مصيرية ، ولن يمنعه أحد من التشجيع والحماس والوقوف خلف فريقه بكل قوة ، ولكن المبادرة أعلنت عن هدفها من اليوم الأول لإطلاقها بوضوح ، وهو أنه – فضلا عن الهدف المعنوي السامي الذي تدعو إليه – فإنها ترمي إلى توفير الهدوء والتركيز الذي يحتاج إليه المنتخب المصري نفسه قبل هذه المباراة ، وإبعاد اللاعبين والجهاز الفني والجماهير نفسها عن الدخول في مهاترات ومعارك إعلامية كل هدفها التأثير على معنوياتهم أو الشحن الزائد أو الابتعاد عن التركيز. هل جاءت هذه المبادرة بناء على تعليمات "من فوق" كما يردد البعض؟ "الشروق" لا تتلقى تعليمات من أحد ، والمبادرة انطلقت من داخل الشروق نفسها ، وتحديدا عبر موقعها الإليكتروني الذي كان يتلقى يوميا عشرات التعليقات الرياضية التي تبتعد كل البعد عن الروح الرياضية بين جماهير الفريقين ، ووصلت هذه النوعية من التعليقات إلى الدرجة التي كانت تجعل هنام صعوبة في استمرار هذا الوضع على ما هو عليه قبل مباراة 14 نوفمبر ، لأن هذا كان سيودي إلى كارثة محققة ، فكان لابد لنا أن تكون هناك مبادرة من داخلنا لاتخاذ ما نراه صحيحا ومناسبا ، وأن يكون هناك تطبيق فعلي للمبادرة عبر منع نشر التعليقات المسيئة للشعبين المصري أو الجزائري ، وما ينبغي قوله هنا هو أن تصريحات وزيري الإعلام والرياضة الجزائريين الأخيرة ل"الشروق" جاءت بعد المبادرة بعدة أيام ، مما يؤكد أن البداية كانت من اقتناعنا بها فقط. هل هذه المبادرة مجرد "شعارات" و"كلام على الورق" فقط؟ لا ، لأننا كما سبق الذكر اتخذنا – قبل إعلان المبادرة – قرارا بمنع نشر كافة الأخبار أو التصريحات أو التعليقات المسيئة للشعبين المصري والجزائري منعا لإذكاء روح التعصب بين جماهير البلدين قبل مباراة 14 نوفمبر. هل الأغلبية مع أم ضد هذه المبادرة؟ بكل صراحة ، فإن أكثر من 90% من الرسائل التي تلقتها الشروق في الأسبوع الماضي كانت مع المبادرة قلبا وقالبا ، أما النسبة المتبقية فهي إما أنها تفهمت المبرر من وراء ذلك لاحقا أو أنها لم تقتنع ، وهذا حقها! هل الأطراف الإعلامية الأخرى التي انضمت لاحقا إلى المبادرة فعلت ذلك من قبيل "الشو الإعلامي" و"ركوب الموجة" فقط؟ أم أنها شاركت بجدية في تطبيق ما نادت به؟ ما يعنينا هنا أن "الشروق" بادرت والتزمت بالفعل لا بالقول ، ونترك للجمهور في مصر والجزائر أن يحكم بنفسه على ما إذا كانت الأطراف الأخرى من صحف ومجلات ومواقع إنترنت وفضائيات قد التزمت حقا بالمبادرة أم أن الأمر كان مجرد "ركوب للموجة"! قيل أيضا إن المبادرة هدفها "تهدئة" حماس لاعبي الجزائر قبل مباراة 14 نوفمبر؟ هذا غير صحيح ، فالمنتخبان لا ينقصهما الحماس ، وكلاهما يرغب في الفوز ، ويكفي التذكير بأن التأهل إلى كأس العالم للمرة الثالثة في التاريخ "بالنسبة للفريقين" حلم يسعى إليه كل فريق. ألم يكن من الأولى أن نشحن الجماهير معنويا بصورة أكبر من أجل الفوز في هذه المباراة؟ الجماهير ليست في حاجة إلى شحن في مباراة مصيرية كهذه ، والمبادرة لا تعني أننا نطالب الجماهير بالذهاب إلى الاستاد يوم المباراة والجلوس دون فعل أي شيء ، فالحماس شيء والتعصب شيء آخر. أنتم تطلقون المبادرات والصحف الجزائرية ما زالت تنشر كل ما هو مثير ضد منتخبنا الوطني؟ نحن – في النهاية - نفعل ما نراه مناسبا وصحيحا وما يحقق الصالح العام وأيضا ما فيه مصلحة منتخبنا. هل استجاب الإخوة الجزائريون للمبادرة ورددوها وراءنا لمجرد أنهم "خائفون" من مواجهة الجماهير المصرية؟ بالتأكيد الجزائريون يعملون "ألف حساب" للجمهور المصري ، ولكن لا تنسى أن فرقا مصرية عديدة خسرت مباريات مهمة للأسف في حضور الجماهير الغفيرة ، ونذكر هنا مثلا مباراة الأهلي والنجم الساحلي في نهائي دوري أبطال أفريقيا قبل عامين التي خسرها الأهلي وسط جماهيره ، ولكننا في الوقت نفسه ندرك تماما أن الفوز يجب أن يأتي بأساليب رياضية بعيدة عن التعصب والعنف ، مع تهيئة جماهير البلدين إلى فكرة أنك يمكن أن تفوز ويمكن أن تخسر ، فإذا خسرت ، فكل ما هو مطلوب منك أن تتقبل الخسارة وتشجع الطرف الآخر.