مصطفى الفقي: مصر ضلع مباشر قي القضية الفلسطينية    شعبة الدواجن: انخفاض البانيه 70 جنيها.. وتراجع كبير بأسعار المزرعة    الكونجرس بمجلسيه يقر حزمة مساعدات لأوكرانيا ب 61 مليار دولار    مطالبات بفتح تحقيق دولي بشأن المقابر الجماعية المكتشفة في غزة    مواعيد مباريات اليوم الأربعاء 24- 4- 2024 في الدوري الفرنسي    نتائج مباريات الأدوار من بطولة الجونة الدولية للاسكواش البلاتينية PSA 2024    لمدة موسم واحد.. تفاصيل العرض النهائي للأهلي مقابل التجديد ل على معلول    الكونجرس يقر مشروع قانون يحظر «تيك توك» بالولايات المتحدة    طقس اليوم.. شديد الحرارة نهارا مائل للحرارة ليلا والعظمى بالقاهرة 41    البنتاجون: بدء البناء في ميناء مؤقت لإيصال المساعدات لغزة قريبا    بالمصنعية| سعر الذهب اليوم الأربعاء 24-4-2024 في مصر للبيع والشراء    عاجل - يسكمل اقتحامه غرب جنين.. قوات الاحتلال داخل بلدة سيلة الظهر وقرية الفندقومية    تكساس إنسترومنتس تتجاوز توقعات وول ستريت في الربع الأول    البنتاجون: هجومان استهدفا القوات الأمريكية في سوريا والعراق    موازنة النواب: تخصيص اعتمادات لتعيين 80 ألف معلم و30 ألفا بالقطاع الطبي    اليوم، فتح متحف السكة الحديد مجانا للجمهور احتفالا بذكرى تحرير سيناء    بعد وصفه بالزعيم الصغير .. من هم أحفاد عادل إمام؟ (تفاصيل)    قناة «CBC» تطلق برنامج «سيرة ومسيرة» الخميس المقبل    موعد مباراة ليفربول وإيفرتون في الدوري الإنجليزي والقنوات الناقلة    أيمن يونس: «زيزو» هو الزمالك.. وأنا من أقنعت شيكابالا بالتجديد    مصطفى الفقي: كثيرون ظلموا جمال عبد الناصر في معالجة القضية الفلسطينية    بالخطوات .. تعرف على كيفية الاستعلام عن تأشيرة السعودية برقم الجواز 2024    إصابة العروس ووفاة صديقتها.. زفة عروسين تتحول لجنازة في كفر الشيخ    خطر تحت أقدامنا    التموين: تراجع سعر طن الأرز 20% وطن الدقيق 6 آلاف جنيه (فيديو)    رئيس البنك الأهلي: «الكيمياء مع اللاعبين السر وراء مغادرة حلمي طولان»    حظك اليوم وتوقعات الأبراج الأربعاء 24/4/2024 على الصعيد المهني والعاطفي والصحي    بقيادة عمرو سلامة.. المتحدة تطلق أكبر تجارب أداء لاكتشاف الوجوه الجديدة (تفاصيل)    بالأسماء.. محافظ كفر الشيخ يصدر حركة تنقلات بين رؤساء القرى في بيلا    تعيين أحمد بدرة مساعدًا لرئيس حزب العدل لتنمية الصعيد    موعد مباراة مانشستر يونايتد وشيفيلد في الدوري الإنجليزي والقناة الناقلة    الأزهر يجري تعديلات في مواعيد امتحانات صفوف النقل بالمرحلة الثانوية    من أمام مكتب (UN) بالمعادي.. اعتقال 16 ناشطا طالبوا بحماية نساء فلسطين والسودان    مسئول أمريكي: خطر المجاعة «شديد جدًا» في غزة خصوصًا بشمال القطاع    3 أشهر .. غلق طريق المحاجر لتنفيذ محور طلعت حرب بالقاهرة الجديدة    أداة جديدة للذكاء الاصطناعي تحول الصور والمقاطع الصوتية إلى وجه ناطق    القبض على المتهمين بإشعال منزل بأسيوط بعد شائعة بناءه كنيسة دون ترخيص    مصرع سائق سقط أسفل عجلات قطار على محطة فرشوط بقنا    مصرع شاب غرقًا أثناء محاولته السباحة في أسوان    إعلام عبري: مخاوف من إصدار الجنائية الدولية أوامر اعتقال لمسؤولين بينهم نتنياهو    نشرة التوك شو| انخفاض جديد فى أسعار السلع الفترة المقبلة.. وهذا آخر موعد لمبادرة سيارات المصريين بالخارج    الارتفاع يسيطر.. سعر الحديد والأسمنت اليوم الأربعاء 24 إبريل 2024 بالمصانع والأسواق    تونس.. قرار بإطلاق اسم غزة على جامع بكل ولاية    فريد زهران: دعوة الرئيس للحوار الوطني ساهمت في حدوث انفراجة بالعمل السياسي    فريد زهران: الثقافة تحتاج إلى أجواء منفتحة وتتعدد فيها الأفكار والرؤى    ما حكم تحميل كتاب له حقوق ملكية من الانترنت بدون مقابل؟ الأزهر يجيب    ‏هل الطلاق الشفهي يقع.. أزهري يجيب    هل يجوز طلب الرقية الشرعية من الصالحين؟.. الإفتاء تحسم الجدل    حكم تنويع طبقة الصوت والترنيم في قراءة القرآن.. دار الإفتاء ترد    رغم فوائدها.. تناول الخضروات يكون مضرا في هذه الحالات    عصام زكريا: القضية الفلسطينية حضرت بقوة في دراما رمضان عبر مسلسل مليحة    أجمل مسجات تهنئة شم النسيم 2024 للاصدقاء والعائلة    قد تشكل تهديدًا للبشرية.. اكتشاف بكتيريا جديدة على متن محطة الفضاء الدولية    طريقة عمل الجبنة القديمة في المنزل.. اعرفي سر الطعم    كم مرة يمكن إعادة استخدام زجاجة المياه البلاستيكية؟.. تساعد على نمو البكتيريا    موعد مباريات اليوم الأربعاء 24 أبريل 2024| إنفوجراف    مع ارتفاع درجات الحرارة.. دعاء الحر للاستعاذة من جهنم (ردده الآن)    عاجل- هؤلاء ممنوعون من النزول..نصائح هامة لمواجهة موجة الحر الشديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حول الاستقالة من مجلس أمناء المتحف البريطانى
نشر في الشروق الجديد يوم 18 - 07 - 2019

المتحف البريطانى متحف موسوعى، وهم قلة فى العالم. موضوع المتحف هو كيف عاش الإنسان ويعيش، وكيف بنى الحضارة، والمتحف ملتزم بأن يكون الدخول إليه مجانيا. يأتيه نحو سبعة ملايين زائر كل عام، ويحتل مكانة متفردة فى وعى الأمة وربما فى وعى العالم. ومنذ أيام، قدمت استقالتى من مجلس أمنائه.
لم تكن استقالتى بسبب مسألة واحدة، بل كانت استجابة تراكمية لما لمسته من جمود المتحف إزاء قضايا محورية فى اهتمامات من يفترض أن يكونوا ضمن جمهوره الأساسى: الشباب، وأصحاب الحظ الأقل.
المؤسسات الثقافية العامة عليها مسئولية كبيرة، ليس فقط مسئولية مهنية، وإنما مسئولية أخلاقية، تُظهرها فى المواقف التى تتخذها من القضايا الأخلاقية والسياسية الكبرى. عالمنا اليوم مشتبك فى صراعات حول التغير المناخى، وحول التفاوت الرهيب فى أوضاع البشر الاقتصادية، وحول تراث ومخلفات عصور الاستعمار، وحول تساؤلات الديمقراطية والمواطنة وحقوق الإنسان. والمتحف عليه أن يأخذ من كل هذه القضايا موقفا أخلاقيا واضحا.
***
فى أوائل عام 2016 أثرت مع مدير المتحف، ومع رئيس مجلس أمنائه، وفى المجلس أيضا، إشكالية قبول المتحف المبلغ المالى الذى تقدمه شركة بريتيش بتروليوم كل عام لدعم معرض ثقافى أو تاريخى مهم، وما يتيحه هذا للشركة العملاقة من مظهر إيجابى فى الساحة الثقافية. وكان درسا لى أن وجدت أن تواطؤ المتحف فى «غسل وجه» شركة البترول لا يثير أى قلق عند من حادثتهم ويستمر هذا بالرغم من تعاظم الاحتجاجات التى يأتى بها نشطاء حماية البيئة إلى داخل المتحف وتفننهم المبدع فى ابتكار أشكال فنية لها تكسبها قبولا كبيرا عند الزوار. المتحف بهذه الشراكة يقدم لبريتيش بتروليوم كسبا ضخما ومتفردا فى العلاقات العامة، وفى المقابل فالدعم المادى الذى تقدمه الشركة للمتحف ليس بالحجم الذى يصعب معه الحصول عليه من مصدر آخر. وبالتالى، فأنا لا أرى سببا لحرص المتحف على هذه العلاقة والتى أعاد منذ أيام إعلان تمسكه بها إلا أن يكون الحرص على ألا يُنَفِّر قطاعا من عالم الأعمال، وأن هذا الاعتبار له من الثقل ما يغلب القلق العاجل والمشروع حول أثر شركات البترول على البيئة والذى يُعَبِّر عنه الشباب فى العالم كله بما فى ذلك تلامذة المدارس الذين هم جمهور طبيعى للمتحف.
فى يناير 2018 أشهرت شركة كاريليون العملاقة وهى شركة تقديم خدمات إفلاسها. كان المتحف قبل خمس سنوات قد أحال إلى كاريليون 139 عاملا هم عمالته للنظافة والكافيتريات والبريد وغير ذلك من الخدمات. وحين أفلست كاريليون كانت قد تخلصت من الكثيرين منهم وتبقى فقط ستون. ظل الستون يأتون إلى العمل أثناء «تفليسة» كاريليون. بعضهم كان قد عمل فى المتحف عشرين عاما قبل أن يحال إلى «المخدم» الضخم، وكانوا يريدون العودة مُعَيَّنين على قوة المتحف. وفى ذلك الوقت، فى مواقف مشابهة، أعادت بعض المؤسسات مثل القصور الملكية التاريخية، ومركز الساوث بانك الثقافى تعيين عمالها. المتحف البريطانى رفض التفاوض مع العمال أو حتى الاستماع لهم. بدأت حوارا مع زملائى فى مجلس الأمناء حول الموضوع لكن تم إغلاقه على وجه السرعة.
وفى نوفمبر 2018، تم إطلاق تقرير فرنسى طلبه الرئيس ماكرون وقام به باحثان أكاديميان، وكان تقرير راديكالى أوصى بإعادة كل الآثار الإفريقية الموجودة بالمتاحف الفرنسية إلى بلادها. وقد فجّر هذا التقرير نقاشا كان يجرى حثيثا حول إشكالية ملكية / الحفاظ على / إعادة المقتنيات التراثية، فنزل إليه المتاحف وممثلو الحكومات والمثقفون والصحفيون فى العديد من البلاد. والمتحف البريطانى وليد وربيب الإمبراطورية وممارسات الاستعمار، وهو محط الأنظار والترقب، وهو بالكاد ينطق. إن المتحف فى موقع متفرد، يتيح له أن يدير نقاشا، عصفا ذهنيا عالميا حول أمور مثل علاقة الجنوب بالشمال، حول الأرض المشتركة وإرث الإنسانية وروابط التاريخ وأغلاله. ما هى رسالة المتحف إلا أن يساعد العالم على استشراف عالم أفضل؟ وفى الطريق، أثناء النقاش والجدل، ربما ندرك شيئا عما لا يستطيع إلا متحف موسوعى ضخم عريق تقديمه للبشرية، وربما يساهم هذا بعض الشىء فى تبرير احتفاظه بمقتنياته فى لندن.
لكن مصداقية المتحف فى إدارة هذا النقاش ستعتمد أيضا على اتخاذه موقف أخلاقى واضح يضعه فى موقع الحليف للأجيال القادمة.
***
المتحف يقوم بعمله المهنى على أكمل وجه، فالقيمون على المقتنيات من أكثر المهنيين فى العالم تميزا فى مجالاتهم، والأبحاث التى ينشرها المتحف مذهلة فى اتساعها وعددها وصرامتها، والمتحف قد أقام شبكة حيَّة من أمناء المتاحف حول العالم من خلال برنامج التدريب العالمى الذى دشنه منذ 13 عاما، كما ساهم فى تأسيس مشروع «الأعمال الفنية الدائرة» والذى يساعد فى التعرف على الأعمال المسروقة وتتبعها حال ظهورها فى السوق، وفى مصر له دور كبير فى مشروع الحفاظ على متحفنا الفريد فى ميدان التحرير، كما أن المتحف قد بادر إلى مشروع ضخم لإعادة صف أو عرض مقتنياته لتحكى حكاية أكثر إنصافا عن عالم أكثر تداخلا ولكن، وفى النهاية، فإن أى حكاية يختار المتحف أن يحكيها سيراها الناس ضمن إطارها الأوسع: كيف يدير المتحف حياته: من أين يأتى بما يصرف، كيف يعامل عمالته، ما هى الهيئات والنظم التى تتخذها زميلة أو رفيقة درب؟
إن المتحف البريطانى ليس خيرا مطلقا فى حد ذاته؛ هو خيرٌ فقط بالدرجة التى يؤثر بها تأثيرا خيِّرا على العالم. ومقتنياته المأثورة هى نقطة انطلاق، هى فرصة، هى أداة. هل سيستعملها المتحف ليؤثر بالخير فى مستقبل كوكبنا وسكانه؟ أم سيستمر فى تكريس المكاسب الاستعمارية وتحصين وتجميل الشركات العملاقة؟
المدارس تأتى بالأطفال إلى المتحف هم نفس الأطفال الذين يعيشون الآن قلقا وجوديا بسبب التغير المناخى؛ كيف يستجيب الأطفال لشارة بريتيش بتروليوم الضخمة تهيمن على أهم المعارض؟ ماذا يعنى أن تكون سياسات العِمالة عند متحف يصر على أنه «للجميع» سياسات تدفع بالعمال إلى حياة غير آمنة ومتذبذبة اقتصاديا؟ المتحف البريطانى مشيد على مقتنيات تُبَيِّن كيف تشكل العالم ثم عاد وتشكل ثانيا وثالثا عبر التاريخ؛ هل سيساهم الآن فى تشكيل عالم عادل مترابط مفتوح عالم يسمح باستمرار الحياة للأجيال القادمة، أم سيستمر فى التعاون مع أولئك الذين يفككون هذا العالم ويدمرونه أمام أعيننا؟
حزنت للاستقالة؛ حزنت لوصولى إلى الاقتناع بأن هذا هو الفعل الأكثر فائدة المتاح لى.
كاتبة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.