قبل 132 عامًا وُلد الفنان علي الكسار، أحد أعلام الكوميديا والمسرح في مصر، وصاحب أشهر المسارح في مطلع القرن العشرين، وهو من مواليد 13 يوليو 1887 بحي المغربلين في السيدة زينب بالقاهرة، اسمه الحقيقي علي خليل سالم ولكن لقب الكسار أخذه من اسم والدته، ورحل عن عالمنا عام 1957. وفي ذكرى ميلاده، تستعرض «الشروق»، مقتطفات من حياة الكسار الفنية من خلال قراءة في كتاب "مسرح علي الكسار الصمود والتألق الفني بجزأيه الأول والثاني" لسيد علي إسماعيل ومقتطفات من كتابي "المضحكون" للناقد الصحفي محمود السعدني و"الفرافير" للكاتب يوسف إدريس. كانت بداية معرفة المصريين بالمسرح مع دخول الحملة الفرنسية، حيث كون الجنود فرقة للتمثيل والترفيه في أحد النوادي الخاصة بهم، وأخذت الفكرة في التدرج فيما بعد حتى أصبح أهل الشام المقيمين في مصر هم أصحاب الفرق المسرحية الأولى في مصر، ومع مطلع القرن ال20 بدأ اسم أولى الممثلين الكوميديين يتردد في الأوساط الصحفية وهو الفنان عزيز عيد، وكون أول فرقة مسرحية مصرية عام 1907. البداية عمل الكسار، في بداية حياته في مهنة والده "سروجي"، ثم ترك المهنة وعمل مع خاله في الطهي وفي تلك المرحلة تعرف على النوبيين العاملين في هذا المجال فاتقن لهجتهم، ثم انتقل للعمل بالمسرح وكون أول فرقة مسرحية بعنوان "دار التمثيل الزينبي" ثم عمل في فرقة دار السلام، ولم يتلق الكسار أي تعليم والتحق وقتاً قصيراً بالكتاب ولكنه لم يكمل أيضاً. مع بداية عام 1914، بدأت تتردد أسماء أعلام الكوميديا في مصر وهم علي الكسار ونجيب الريحاني في الأوساط الصحفية. وكان يقدم الكسار مسرحيات تنتمي لكوميديا "الفودفيل" -وهي عرض مسرحي عبارة عن فصول منفصلة أو متصلة تتخللها موسيقى أو عروض غنائية-. الكسار والريحاني كما ذكرنا بدأ اسم الاثنين يسطع سويًا في عالم الكوميديا وعلى خشبة مسارح عماد الدين، وجسد كل منهما شخصية ثابتة بنيت عليها أحداث قصصه المسرحية فقدم الريحاني "كشك بيك" والكسار "البربري عثمان"، وكانت المنافسة بينهما قوية. ووجدت الكثير من الفرق المسرحية طريقها لتقديم عروض وفصول كوميدية وتراجيدية مترجمة مختلفة ولكن لم تستمر طويلاً إلا قليل منها، فكان الجمهور يرفض بعض المسرحيات المقدمة ويتهمها بالخروج على الآداب العامة، ولكن الكسار والرحياني كانا مختلفين استطاعا تثبيت أقدامهم والاستحواذ على الجمهور، مع وجود جمهور آخر للفرق التي تقدم المسرح التراجيدي والغنائي مثل سلامة حجازي وجورج أبيض ومنيرة المهدية. كان يعمل الكسار في البداية على مسرح "دي باري" ثم انفصل عنه وعمل على مسرح "فاسولاكي" بشارع عماد الدين، وفي الوقت الذي هوجم مسرح الريحاني وغلقه من قبل الحكومة، كان الكسار يحقق نجاحاً جماهيرياً في مسرحه الجديد. المنافس الشرس في مطلع العشرينيات ظهر منافس قوي للفرق المسرحية الكوميدية وليس للكسار فقط وهي فرقة "رمسيس" التي أسسها يوسف وهبي وقدمت 22 مسرحية في عام واحد، وأحب الجمهور المسرحيات التراجيدية والاجتماعية التي قدمتها الفرقة وسحبت البساط من تحت أقدام الفرق الكوميدية. وتسببت في عدم نجاح مسرحيات الكسار كما أن الريحاني تعرض لأزمة مادية وخفض أجور الممثلين كما لم يستطع تسديد إيجار مسرح "الاجيبسيانة" وسافر في جولات فنية داخل مصر وخارجها لتعويض خسائره، وكان ذلك في منتصف العشرينيات. مرحلة النضج انفصل الكسار عن شريكه أمين صدقي وكون أول فرقة تحمل اسمه هو فقط "فرقة علي الكسار"، وحاول خلالها تعويض الخسائر والفشل الذي أصابه، وذلك عام 1926 بالتعاون مع بديع خيري وزكريا أحمد، وحققت مسرحية "الطمبورة" نجاحًا، دفعهم لتقديم في الشهر التالي "الخالة الأمريكانية" وحققت نجاحًا هي الأخرى، ووصف مسرح الكسار بعد هذه الفترة بالمسرح الشعبي، وكان ينتقده الكثيرون من الكتاب في الصحف. وتوالت أعمال الكسار تحت عنوان البربري ويأتي بقية الاسم فيما بعد، وكانت تحقق نجاحًا تارة وتفشل تارة نتيجة للمنافسة المستمرة بينه وبين الريحاني والفرق الأخرى مثل يوسف وهبي. قالوا عنه الفرافير ليوسف إدريس كانت الروايات التي يقدمها مسرح علي الكسار مزيجًا من الاقتباس غير المتقن والتأليف الركيك ومحاولات ساذجة لإحياء تراث ألف ليلة وليلة ومعالجة بعض قصصه، ولم يكن النص مهم لديه بل هو الأهم ومحور العمل، وكثيرون ممن شاهدوا مسرح الكسار سيعلمون أنه كان يتخلى عن النص ليدخل في سجال أو "قافية" مع أحد من الجمهور أو ليلقي نكتة مضحكة وسط كلامه. علي الكسار لم يكن يمثل طوال حياته إلا دور فرفور غير تلقائي، فرفور متعمد، لا يظهر في حلقات السامر وإنما في مكان محدد بثمن والناس يدفعون الثمن ليزاولوا حالة التمسرح. المضحكون لمحمود السعدني لقد كان الكسار هو أعظم مضحك في زمانه ولكنه عندما مات كان قد انطفأ نوره وذبلت شمعته قبل الأوان ذلك لأن الكسار كان في رأسه ضحك ولكن لم يكن في رأسه شئ آخر. وكانت موهبة الكسار أضخم ألف مرة من موهبة الريحاني ولكن الريحاني بموهبته الضئيلة استطاع أن يأكل الكسار بموهبته التي ليس لها نظير، عاش الريحاني حتى مات وعاش أكثر بعد الممات بينما مات الكسار وهو على قيد الحياة، لقد عاش الكسار معظم عمره على روايات "هايفة" أحيانا من تأليف بعض الأرزقية وأحياناً من تأليفه هو، بينما الريحاني تعاون مع أنبغ رجالات عصره مثل بديع خيري وسيد درويش وبيرم التونسي. المضحكون الباكون لأمل عريان فؤاد يعتبر علي الكسار من رواد مدرسة الأداء الطبيعي وهو من أصعب أنواع الأداء، حتى اعتقده الجمهور من شدة اتقانه لتقمص شخصية "البربري عثمان عبد الباسط" إنها شخصية حقيقية، ولم تكن شخصية البربري إلا نموذجاً للطبقة الشعبية الذي وجد نفسه فيها، وانحاز بمسرحه إلى الشعب بعد أن كانت مسرحيات "الفرانكوا آراب" تطغى على المسرح المصري في سنوات الحرب العالمية الأولى، فلم تكن شخصية "عثمان" إلا تعبير عن الطبقة الشعبية الكادحة