برامج دراسية متميزة للتأهيل على وظائف المستقبل بجامعة مصر للمعلوماتية    «الكهرباء» تسجل أقصى ارتفاع في الأحمال عبر تاريخها أمس السبت    أسعار الأسماك والمأكولات البحرية في سوق العبور اليوم    سويلم: إزالة 87 ألف تعد على النيل منذ 2015 ومواصلة مكافحة ورد النيل    ارتفاع البلدي.. أسعار البيض اليوم بالأسواق (موقع رسمي)    محافظ أسيوط يتابع إنشاء أول مصنع متكامل لمنتجات الرمان بالبداري    ماذا يعني «التوقف التكتيكي» الذي أعلن عنه الاحتلال في قطاع غزة؟    استشهاد 10 فلسطينيين وإصابة آخرين جراء قصف خيام واستهداف منتظري المساعدات بغزة    مقتل 6 أشخاص جراء تدافع في معبد هندوسي شمالي الهند    بورسعيد تودع "السمعة".. أشهر مشجع للنادى المصرى فى كأس مصر 1998    "قصص متفوتكش".. رحيل لاعب الأهلي.. صفقة بيراميدز الجديدة.. ورسالة وسام أبو علي    3 أوجه تشابه بين صفقتي بوبيندزا وأوكو مع الزمالك    خطوة بخطوة.. إزاى تتظلم على نتيجة الثانوية العامة 2025.. فيديو    «تالجو وتحيا مصر».. جدول مواعيد قطارات «الإسكندرية - القاهرة» اليوم الأحد 27 يوليو 2025    المجلس الأعلى للثقافة يصوّت على جوائز الدولة لعام 2025.. الثلاثاء    ريم أحمد: شخصية «هدى» ما زالت تلاحقني.. وصورة الطفلة تعطل انطلاقتي الفنية| خاص    كان موظف ولم يخطط للعمل كممثل.. معلومات عن رشدى أباظة فى ذكرى وفاته    إصابة 6 أشخاص إثر انقلاب ميكروباص بالطريق الأوسطى    إخماد حريق داخل شقة سكنية فى بولاق الدكرور دون إصابات    الخارجية: إعلان فرنسا الاعتراف بفلسطين خطوة تاريخية ومصر تواصل الحشد الدولى    وزير التموين يفتتح فرعا جديدا لسوق اليوم الواحد بالجمالية    ارتفاع مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات جلسة بداية الأسبوع    بعد عتاب تامر حسني لعمرو دياب.. تعرف على الأغنية رقم 1 في تريند «يوتيوب»    "الصحة": حملة 100 يوم صحة قدّمت 15.6 مليون خدمة طبية مجانية خلال 11 يوما    بعد تلقيه عرضا رسميا .. ريبيرو يمنح الأهلي الضوء الأخضر لرحيل كوكا إلى تركيا    «الإفتاء» توضح الدعاء الذي يُقال عند الحر الشديد    لأول مرة .. اختبارات علمية لتحديد ميول وقدرات الطلاب قبل اختيار المسار الدراسى    الأرصاد الجوية : اليوم ذروة الموجة شديدة الحرارة والعظمى بالقاهرة 41 درجة وأسوان 46    إيتمار بن غفير: لم تتم دعوتي للنقاش بشأن إدخال المساعدات الإنسانية لقطاع غزة    تعقد فعالياته بمقر الأمم المتحدة .. وزير الخارجية والهجرة يتوجه إلى نيويورك للمشاركة فى مؤتمر دولى حول فلسطين    إصابة 11 شخصا في حادثة طعن بولاية ميشيجان الأمريكية    بدعم من شيطان العرب .."حميدتي" يشكل حكومة موازية ومجلسا رئاسيا غربي السودان    القاهرة الإخبارية: المساعدات لغزة تحمل كميات كبيرة من المواد الغذائية والطحين    30 دقيقة تأخر في حركة القطارات على خط «القاهرة - الإسكندرية»| الأحد 27 يوليو    طريقة عمل البسبوسة الاحترافية في البيت بأقل التكاليف    حياة كريمة.. افتتاح جزئى لمستشفى دار السلام المركزى بسوهاج اليوم    القصة الكاملة لحادث انهيار منزل في أسيوط    الكلية الحربية والبحرية والجوية 2025.. خطوات التقديم وشروط القبول بالتفصيل    تنسيق الجامعات 2025.. الكليات المتاحة لطلاب الأدبي في المرحلة الأولى    الثالث علمي بالثانوية الأزهرية: نجحت بدعوات أمي.. وطاعة الله سر التفوق    «الحشيش مش حرام؟».. دار الإفتاء تكشف تضليل المروجين!    ما حكم شراء السيارة بالتقسيط عن طريق البنك؟    بعد فتوى الحشيش.. سعاد صالح: أتعرض لحرب قذرة.. والشجرة المثمرة تُقذف بالحجارة    «تجاوزك مرفوض.. دي شخصيات محترمة».. نجم الأهلي السابق يفتح النار على مصطفى يونس    لطيفة تعليقًا على وفاة زياد الرحباني: «رحل الإبداع الرباني»    «حريات الصحفيين» تعلن دعمها للزميل طارق الشناوي.. وتؤكد: تصريحاته عن نقابة الموسيقيين نقدٌ مشروع    «زي النهارده».. وفاة الفنان فريد شوقي 27 يوليو 1998    "مستقبل وطن المنيا" ينظم 6 قوافل طبية مجانية ضخمة بمطاي.. صور    "سنلتقي مجددًًا".. وسام أبوعلي يوجه رسالة مفاجئة لجمهور الأهلي    نيجيريا يحقق ريمونتادا على المغرب ويخطف لقب كأس أمم أفريقيا للسيدات    صديق بونجا: حالة اللاعب تدهورت بشكل كبير.. ويحتاج إلى زراعة كبد في اسرع وقت    خالد الجندي: من يُحلل الحشيش فقد غاب عنه الرشد العقلي والمخ الصحيح    أعلى وأقل مجموع في مؤشرات تنسيق الأزهر 2025.. كليات الطب والهندسة والإعلام    تأكيدا لما نشرته الشروق - النيابة العامة: سم مبيد حشري في أجساد أطفال دير مواس ووالدهم    سعيد شيمي يكشف أسرار صداقته مع محمد خان: "التفاهم بينا كان في منتهى السهولة    الأمم المتحدة: العام الماضي وفاة 39 ألف طفل في اليمن    وزير الثقافة: نقل الكاتب صنع الله إبراهيم إلى معهد ناصر بالتنسيق الصحة    إصابة شاب في مشاجرة بمنطقة قسم ثانٍ بسوهاج وضبط طرفي النزاع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



السد العالي على هوامش التغيرات المناخية
نشر في الشروق الجديد يوم 21 - 10 - 2009

بعد تواتر الحديث عن ارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات كإحدى ظواهر التغيرات المناخية الراهنة، تحسب صناع السياسات ومتخذو القرار فى كل بقاع العالم لأخطار ماثلة قد تتعرض لها المناطق الساحلية فى دولهم، خصوصا تلك المناطق التى لها وضع ديموغرافى وحضارى وتاريخى شديد الخصوصية.
والمثال الأشهر فى هذا المجال هو مدينة البندقية الإيطالية التى يتهددها الغرق تحت البحر الإدرياتيكى من كل جانب. ومن هنا بدأ أهالى المدينة ومحبوها يطالبون بتنفيذ مشروع يتم بمقتضاه إقامة مجموعة من السدود الكبرى حولها، حتى لو تخطت التكاليف كل الحدود.
وتأتى تلك المشروعات ضمن ما أصطلح على تسميته مؤخرا بالمشروعات فائقة الضخامة، التى صارت حديث الصباح والمساء فى منتديات المهندسين والاقتصاديين. وتعيد للأذهان أفكارا سبق وطرحها المهندس الألمانى هيرمان سورجل، منذ أواخر عشرينات القرن العشرين وحتى وفاته فى عام 1952، لإقامة سد أعظم على مضيق جبل طارق، يستهدف فى مرحلته النهائية تجفيف البحر المتوسط. غير أن سورجل لم يستطع بالرغم من دأبه تكوين رأى عام يرى رؤيته، فدخل بمشروعه غياهب النسيان لأكثر من نصف قرن.
ويعتبر مضيق جبل طارق بمقاييس البحار والمحيطات ممرا ضحلا لا يزيد عمقه على 320 مترا، وضيقا يبلغ عرضه عند أدناه 13 كيلو مترا. كما يعتبر البحر المتوسط نظاما بحريا شبه مغلق يستقبل مسطحه سنويا 1000 بليون متر مكعب مياه أمطار، 500 بليون متر مكعب مياه أنهار، 300 بليون متر مكعب من مياه البحر الأسود عبر مضيق الدردنيل. ويفقد البحر بالتبخير 3600 بليون متر مكعب من مياهه، وعليه فاتزانه المائى شديد السالبية بنحو1800 بليون متر مكعب يستعوضها من المحيط الأطلنطى عبر مضيق جبل طارق. والخلاصة المفيدة لهذه الحسابات تضع المحيط الأطلنطى مصدرا رئيسيا لإمداد البحر بالمياه، فإذا انقطع الإمداد جف البحر.
والإطار العام لمشروع سورجل كان جزءا من تصور إقامة «قارة» كبرى نتاجا لاتحاد أوروبا بريا مع أفريقيا بعد تجفيف البحر المتوسط، تعرف باسم أتلانتروبا Atlantropa.
وقد اعتقد سورجل أن أوروبا الكبرى التى تمتد بريا من القطب الشمالى للجنوب الأفريقى تستطيع بمواردها الوفيرة منافسة الولايات المتحدة الأمريكية، التى بدأت تتشكل فى ذلك الوقت كقوة عظمى. ومن المؤسف أن سورجل عايش فكر الاستعمار القديم واستعلاء الجنس الأبيض، فلم يأبه بسكان أفريقيا باعتبارهم كما بشريا مهملا، وربما كان نظام الفصل العنصرى طبقا لما جرى تنفيذه فى جنوب أفريقيا جاهزا للتطبيق على هؤلاء السكان.
ويعلن المؤيدون الحاليون لمشروع سد سورجل فى عصر العولمة تبرئهم المطلق من نزعاته الاستعمارية والعنصرية، ويبرزون جدارة المشروع فى عدة جوانب. الجانب الأول هو استغلال فارق منسوب المياه على جانبى السد بين سطح مياه المحيط الثابت وسطح مياه البحر المتهابط، لتوليد طاقة كهربائية تصل إلى 50 جيجا وات عندما يصل فارق المنسوب إلى 50 مترا. وتلك قدرة هائلة قياسا بأكبر محطات توليد الكهرباء فى الولايات المتحدة التى تعطى 3.6 جيجا وات، وطاقة محطة توربينات السد العالى فى مصر التى تبلغ 2.1 جيجا وات.
ويتعلق الجانب الثانى بالرصيف القارى للبحر الذى سوف يتكشف مصاحبا للمراحل الأولى للتجفيف، وهى مساحة أرضية شاطئية هائلة تبلغ نحو 30% من مساحة البحر، زاخرة بثروات معدنية وحقول للبترول والغاز بكميات ضخمة. وتصلح معظم هذه الأراضى لإقامة مدن ومنشآت إنتاجية وخدمية تستوعب أنشطة اقتصادية واجتماعية كبرى لملايين البشر.
ويخدم الجانب الثالث فى صون المناطق الساحلية على امتداد شواطئ البحر المتوسط لنحو 13 ألف كيلو متر من أخطار ارتفاع منسوب المياه، فى أعقاب تأثير تغيرات مناخية متوقعة. وفيما لو صح افتراض أن سطح البحر المتوسط سيرتفع بمعدل متر واحد خلال القرن الحادى والعشرين، فإن إقامة سدود وقائية بطول شواطئه تتطلب توفير مليون دولار للكيلو متر الطولى، بإجمالى 13 تريليون دولار وهو مبلغ يتعدى بضخامته حدود الاستحالة الاقتصادية. وهنا يأتى تنفيذ مشروع سد سورجل كبديل معقول، بتكلفه مبدئية تصل إلى 100 بليون دولار.
والجانب الرابع لتأييد مشروع سورجل فى ثوبه الجديد مبنى على اعتبارات بيئية صرفة. فالطاقة الكهربائية المولدة من المشروع فى مرحلة نضجه ستوفر كمية من البترول تعادل 0.78 بليون برميل سنويا، بما يعنى تجنب انبعاث كميات هائلة من ثانى أكسيد الكربون. وبافتراض أن سعر برميل البترول هو 50 دولار فإن النفقات الموفرة تبلغ 39 بليون دولار، بما يظهر أحد جوانب جدارة المشروع بحسابات التكلفة والمنفعة. ويضاف للجوانب البيئية أن بعض عيون المياه العذبة التى تقع حاليا تحت سطح البحر سوف تتكشف مع الأراضى البازغة، حيث يمكن استعمال مياهها فى الزراعة والسياحة والأغراض المنزلية لتمثل نموذجا لما يطلق عليه الواحات الساحلية. ومن الجدير بالذكر أن فرنسا أنفقت أربعة ملايين يورو فى عام 2003 لتصميم وإنشاء شبكة مائية تستقطب مياه أحد عيون المياه العذبة المغمورة على عمق 36 مترا تحت سطح البحر المتوسط، فى المنطقة الواقعة على الحدود الفرنسية الإيطالية.
ومع كل هذه الجوانب المضيئة، فمن المؤكد أن العواقب السلبية لمشروع سد مضيق جبل طارق هائلة ومزعجة اقتصاديا واجتماعيا ومناخيا وبيئيا. ولعل أكثر هذه العواقب وضوحا هو تشريك عدد كبير من الموانئ العظمى إلى خارج الخدمة، وخفض معدل سقوط الأمطار على شمال شرق أوروبا بالتوازى مع انخفاض معدل تبخير مياه البحر المتوسط بعد قرب نفاده. ويضاف إلى ذلك أن إتمام المشروع سوف يستغرق نحو نصف قرن بافتراض توافر الاعتمادات المالية اللازمة، فلا يستطيع سرعة مجابهة تأثير تغيرات مناخية ملحة نظير انبعاثات متزايدة من ثانى أكسيد الكربون.
وامتهانا للنقاش العلمى البريء الذى يدور حول مشروع سورجل فى السنوات الأخيرة، خرج أحد أساتذة الجيوفيزياء بجامعة منيسوتا بالولايات المتحدة الأمريكية يدعى روبرت جونسون، بمقولة شيطانية مؤداها أن احتجاز مياه الأنهار التى تصب فى البحر المتوسط بإقامة السدود عليها، وخصوصا نهر النيل بسده العالى، قد أدى لتزايد ملوحة مياه البحر. ويستتبع ذلك مرور تيارات مائية تحت سطحية لمياه شديدة الملوحة عبر مضيق جبل طارق إلى المحيط الأطلنطى. ويفترض جونسون دون دليل أن «تصدير» أملاح البحر المتوسط إلى المحيط الأطلنطى سوف يؤثر على مسار تياراته المائية الحرارية، بما يؤدى لتزايد احتمالات نشوء «عصر جليدي» يجتاح المناطق الشمالية لكندا وأوروبا الغربية خلال العقود الأخيرة للقرن الحادى والعشرين.
ولتفادى هذه الاحتمالات يقترح جونسون بناء سد ركامى عبر ممر جبل طارق، يقام كحاجز مغمور يمنع حركة مياه البحر العميقة شديدة الملوحة صوب الأطلنطى. ويبلغ ارتفاع السد ضعف ارتفاع الهرم الأكبر(!) وعرضه عند قمته 70 مترا، وحجمه 1.3 كيلو متر مكعب، أى ضعف حجم الهرم الأكبر بمقدار 420 مرة(!).
ويستدرك جونسون بعد تفصيل كل هذه المواصفات التى ينسبها لا شعوريا للهرم الأكبر دون مقتضى، مؤكدا أن عمليات إقامة الحاجز المغمور فى منطقة جبل طارق سوف تستغرق عقودا زمنية طويلة، وتتطلب تكاليف باهظة. وبناء على ذلك يقترح فى إطار عرض علمى خبيث، تدمير السد العالى لتجنب قدوم عصر جليدى جديد إلى المناطق الشمالية فى كندا وأوروبا الغربية.
فماذا يفعل أصحاب السد العالى مع كل هذا الافتراء الشرير؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.