«كيف نشفى أنفسنا من مرض الحصول على شهادة جامعية»، هو عنوان ورشة عمل حديثة لجمعية شيكشانتر الهندية غير الهادفة للربح. الجمعية التى نشأت فى عام 2002 هدفها الأساسى هو تطوير ودعم الأساليب المختلفة فى التعليم خارج أسوار الجامعات والمدارس. «الفكرة ببساطة هى استرداد التعليم من حصاره داخل المؤسسات، وتوزيعه داخل مكانه الطبيعى وهو المجتمع»، يقول الشاب المصرى معتز عطاالله، الذى تدرب ثلاثة أشهر فى جمعية شيكشانتر. معتز حاصل على ماجستير فى نظم التعليم من جامعة هارفرد الأمريكية، وكان تركيزه الرئيسى أثناء الدراسة على أساليب التعليم البديل لنظام المدرسة. يشرح معتز فى البداية السبب الذى يدفعه وجمعية شيكشانتر، وغيرهم كثيرون، إلى البحث عن بدائل وأماكن مختلفة للتعليم كبديل للمؤسسات، «التعليم فى المدارس مش مجرد كتب ومقررات وبس، لكن فى المدارس هناك ما يسمى بالمنهج الخفى»، وهو مصطلح للفيلسوف الاسترالى إيفان إيليتش. «شكل علاقات الطلبة ببعض وبالمدرسين هو فى حد ذاته منهج بيتعلمه الطلبة»، يقول معتز، «بيتعلم الطالب أن المنهج هو شربة واحدة مكتوبة على الجميع، دون النظر لفرديته وقدراته ورغباته الشخصية»، ومن هنا ينشأ الطالب وداخله اعتقاد بأن عليه قبول سياسات موحدة تطبق على الجميع دون اعتراض، وأن فرديته وشخصيته ليست محل اهتمام فما هو إلا جزء من كل. «غير كده محدش يقدر يسأل المدرس ولا يحاسبه، وكل دا بينعكس على النظام الاجتماعى الأوسع بره المدرسة». السبب الثانى للاعتراض على التعليم التقليدى بالمدارس والجامعات فى رأى معتز، هو أنها تعزل الإنسان عن المجتمع فى فترة طويلة من الإعداد. «فى العصور الوسطى كان الإنسان يبدأ يتعلم يبقى محامى أو دكتور من سن 13، وكان ممكن يبقى فارس ويقود الحروب فى سن 16»، يقول معتز، أما التعليم الحديث فهو يجبر الطالب على الانعزال عن مجتمعه لفترة طويلة دون اختلاط حقيقى بالمجتمع. «مشاكل المراهقة فى الحقيقة سببها أن الولد بيلاقى كل حاجة فيه بتقوله إنه راجل، بيحب ويزعل ويحس ويخطط»، يقول معتز، «لكن المجتمع بيقول له أنت وظيفتك طالب مش مطلوب منك غير أنك تذاكر وتنجح ومش مسموح لك تنتج أو تشارك فى المجتمع بشكل حقيقى». وهكذا يجد الإنسان نفسه فى معزل عن العالم الحقيقى من سن 4 سنوات وحتى سن 22 سنة، يشعر بأنه محبوس داخل جدران مدرسة أو جامعة ليس فيها إنتاج أو عملية نقدية أو إبداعية. «لو بصيت على الشريعة الإسلامية حتلاقى إن مافيهاش حاجة اسمها مراهقة، فيه طفولة، وفيه رجولة»، يقول معتز، مدللا على أن مرحلة المراهقة هى مرحلة أنتجتها أساليب التعليم الحديثة التى تجبر الإنسان حتى سن التخرج من الجامعة يعامل معاملة الأطفال. أما السبب الثالث للاعتراض على التعليم التقليدى فهو أنه يركز على قدرات محدودة للطالب ويقيم نجاحه بأسلوب ضيق. «نظام المدرسة والجامعة هو نظام فرز للمجتمع على أساس قدرته على حل مشكلات محددة بأسلوب موحد وقدرة على الحفظ»، يقول معتز، « لكن فيه ناس التعليم ده مش مناسب ليهم وقدرتهم الفكرية والجسدية، وعندهم قدرات تانية كتير ما حدش بيقدرها فى المدارس». ويضيف أن هناك أساليب تعليم عديدة، منها الجماعى والتعليم من الطبيعة والتعليم بالقدوة والتعليم غير المنهجى، وعشرات من أساليب التعليم التى تتجاهلها المدرسة والجامعة. يروى معتز تجربته مع جمعية شيكشانتر الهندية كنموذج لحركة تهدف لكسر احتكار المدارس والجامعات للتعليم. «شيكشانتر حركة من النشطاء والمدرسين والأمهات والطلبة اللى حاسين إنهم شاطرين لكن المدرسة مش مقدراهم»، يقول معتز. إحدى التجارب الناجحة كانت لشاب هندى مصاب بالربو، ترك الدراسة الجامعية وتفرغ لدراسة الطهو الصحى، بعض أن لاحظ وجود علاقة بين ازدياد أعراض الربو وانخفاضها بتناول أنواع معينة من الطعام. «الشاب دا نجح وبقى يكسب فلوس كتير، وبقى بيجى له دعوات من أمريكا ودول كتير إنه يعلم الناس إزاى بيعمل الأكل الصحى اللذيذ دا من غير زيوت أو سمن». معتز يعمل باحثا بإحدى المنظمات الدولية التابعة للأمم المتحدة، ودرس الترجمة بالجامعة الأمريكية وعمل مع عدد من دور النشر ومنظمات المجتمع المدنى، ويتعلم حاليا صناعة الأرابيسك وعزف الطبلة، كما أنه كوميديان ناجح قام بالعديد من عروض الستاند أب كوميدى. «. يقول معتز إن بعض مجالات التعلم تحتاج إلى شكل صارم من أشكال التعلم، مثل الجراحة والطيران مثلا. لكن الكثير من مجالات العمل لا تحتاج إلى مثل هذا الأسلوب المؤسسى الممنهج فى التعليم، «اللى عايز يعمل حاجة يروح يعملها وقلبه جامد ويؤمن إن وراها فيه خير وميسمعش واحد بيقوله سيب الحاجة اللى بتحبها وخد شهادة جامعة أحسن».