قد تؤدى زيادة عدد الجنود فى الوضع الحالى بأفغانستان إلى ردة فعل قومية عكسية. ففى صميم مطالبة الجنرال ستانلى ماكريستال بزيادة كبيرة فى عدد الجنود فى أفغانستان يكمن الافتراض بأننا نفشل فى مهمتنا هناك. لكن هل هذا صحيح؟ لقد كان للولايات المتحدة هدف أساسى واحد منذ بدء هذه الحرب: ألا وهو منع تنظيم القاعدة من إعادة تشكيل نفسه وتنظيم صفوفه ومن التدرب والتخطيط لهجمات إرهابية كبيرة. هذه المهمة كانت ناجحة بشكل عام طوال السنوات الثمانى الماضية. فتنظيم القاعدة مشتت، وأعضاؤه مختبئون وغير قادرين على القيام بهجمات مثل تلك التى خططوا لها ونفذوها بشكل منتظم فى أماكن متفرقة من العالم فى تسعينيات القرن الماضى. ف14 من أهم 20 قائدا فى التنظيم قتلوا بواسطة هجمات قامت بها طائرات بلا طيار. ومصادر تمويله تنضب وجاذبيته السياسية فى أدنى مستوياتها. كل هذا ليس من قبيل المصادفة بل هو نتيجة للوجود الأمريكى المتواصل فى المنطقة وللجهود، التى تبذل للتضييق على تحركات الإرهابيين وتعقب مصادر تمويلهم وجمع المعلومات الاستخباراتية وتقديم مساعدات إنمائية ومساعدة الحلفاء وقتل الأعداء. صحيح أن الوضع الأمنى فى أفغانستان قد تدهور بشكل ملحوظ. وعلى الرغم من أنه ليس بسوء الوضع فى العراق حتى عام 2006 فعدد القتلى المدنيين يوازى عشر عددهم فى العراق إلا أن بعض أجزاء أفغانستان يقع تحت سيطرة حركة طالبان فعليا. وتعتبر مناطق أخرى غير خاضعة لأى سلطة، لكن هذه مناطق ريفية قليلة السكان وقليلة التأثير والجاذبية. فجميع المناطق المأهولة الرئيسية لا تزال تحت سيطرة حكومة كابول. إذن هل بسط السيطرة على ال35.000 قرية أفغانية المنتشرة فى كل أنحاء البلد يستحق العناء؟ هذا الهدف الذى كان مستعصيا على معظم الحكومات الأفغانية طوال السنوات ال200 الماضية، وهو هدف شديد الصعوبة بالنسبة إلى نجاح مهمة الولاياتالمتحدة هناك. لماذا ازداد الوضع الأمنى سوءا إذن؟ إن السبب الأساسى هو أن حكومة حامد كرزاى غير فعالة وفاسدة، وقد أغضبت أعدادا كبيرة من أفراد قبائل البشتون الذين هاجروا إلى طالبان. وليس واضحا ما إذا كان بالإمكان حل هذه المشكلة بالقوة، حتى إن اعتمدت استراتيجية ذكية لمكافحة التمرد وإيقافه. لكن فى الواقع، قد تؤدى زيادة عدد الجنود أخذا فى الاعتبار الوضع الحالى إلى ردة فعل شعبية عكسية ضد الحكومة أو إلى تنامى المشاعر القومية. من المهم الآن أن نتذكر أن العنصر الأهم والأكثر استدامة فى عملية زيادة عدد القوات فى العراق لم يكن تنامى عدد الجنود، بل هو فى الواقع عملية إقناع القبائل السنية بتغيير ولائها، وذلك من خلال توفير الأمن والمال لها وإعطائها مكانا فعليا على طاولة التفاوض. إن عدد الجنود الأمريكيين ينخفض حاليا، ومع ذلك وبالرغم من حدوث بعض أعمال العنف لم يعاود السنة القتال لأن رئيس الوزراء نورى المالكى يستمر فى السعى لاستمالتهم. من جانب آخر، فإن على الولاياتالمتحدة والحكومة الأفغانية أن تبذلا جهودا أكبر بكثير لإبعاد قبائل البشتون عن قبضة ونفوذ المجموعات الأكثر تطرفا فى حركة طالبان. إن عدد مقاتلى طالبان، الذين يؤمنون بأيديولوجية جهادية شاملة ليس واضحا للولايات المتحدة حتى الآن، لكن معظم القادة الأمريكيين الذين تكلمت معهم يشعرون بأن نسبتهم تبلغ أقل من 30 بالمائة على أقصى تقدير. أما ال70 بالمائة الباقون يتم تحفيزهم بالمال وبضغوط أندادهم فى مناطق نفوذهم أو معارضتهم لكرزاى. وعندما نعيد تقييم استراتيجيتنا العاملة فى أفغانستان، علينا أن نتذكر أن تنظيم القاعدة غير موجود فى حسابات أو اهتمامات هذه الاستراتيجية. ولقد اعترف رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميرال مايك مالين بما قالته المصادر الاستخباراتية الأمريكية، وأيده كل المراقبين المستقلين منذ فترة طويلة: وهو أن تنظيم القاعدة موجود فى باكستان وكذلك القيادة الأساسية لتنظيم طالبان الأفغانى. (لهذا السبب تدعى هذه القيادة شورى كويتا، وكويتا هى مدينة باكستانية). كل الهجمات ضد الأهداف الغربية فى المنطقة، التى تمت خلال السنوات الثمانى الماضية كان مصدرها باكستان وليس أفغانستان. وحتى المخطط الذى تم إحباطه أخيرا فى الولاياتالمتحدة، والذى كان من بين المشاركين فيه أول أفغانى يتورط فى أعمال إرهابية عالمية، كان مصدره فى الواقع باكستان. لكننا ننفق فى أفغانستان 30 دولارا مقابل كل دولار ننفقه فى باكستان. قلة من الأدلة فقط هى التى تشير إلى أن الجنرالات الباكستانيين قد تقبلوا حقا أن عليهم التغلب على كل الجهاديين فى بلادهم (وليس فقط الذين يهددون الدولة الباكستانية). لكنهم أبدوا المزيد من التعاون وكانوا أكثر نشاطا فى العام الماضى من أى وقت مضى. منذ قيام حكومة مدنية واستيلاء الجهاديين على وادى سوات وتغير المواقف الشعبية وازدياد المساعدات الأمريكية، كل ذلك ساهم فى إرساء علاقة أمريكية باكستانية أكثر فعالية. ولا شك فى أن تنامى الجهود والاهتمام وزيادة الموارد سيؤدى إلى نتائج أفضل. أما الاستمرار فى الجدال بشأن ما إذا كان أسامة بن لادن وأتباعه سيعودون بكل بساطة إلى الطرف الآخر من الحدود إن سمح لحركة طالبان بالعمل بحرية أو بحرية الحركة على الأقل؟ إنهم فى الحقيقة، لم يفعلوا ذلك حتى الآن، بالرغم من سيطرة المتمردين على مناطق صغيرة متفرقة. لذلك من الأسهل علينا منعهم من السيطرة على مناطق أكثر بدلا من الإصرار على أن نسيطر عليها كلها بأنفسنا، فنحن قادرون على القتال مثل المتمردين أيضا. تذكروا أن الولاياتالمتحدة وحلفاءها لديهم نحو 100 ألف جندى فى أفغانستان اليوم. وبالتالى فإن إبقاءهم هناك يظهر التزامنا ويذكرنا بالرهانات وبالكلفة الغالية لذلك، ولكن الأهم من ذلك، هو يذكرنا أيضا بالمصالح الأساسية الأخرى فى العالم، التى يجب أن تراعيها سياسة الولاياتالمتحدة الخارجية أيضا. Newsweek International Syndication