رجائى عطية: الله أراد للإسلام كدين عالمى أن يهدى الناس إلى ما فيه صلح حياتهم وأن يرفع عنهم الحرج ربط الإسلام بين الدين والدنيا، وجاء تعامله مع الإنسان باعتباره روحا وجسدا لكل منهما متطلباته، فلم يتجاهل الجانب الحسى للبشر، ولم ينكر الرغبات وإنما سعى لضبط السلوك الإنسانى وتهذيبه، فعقيدة الإسلام قوامها المادة والروح معا، وعلى الروح قيادة الجسد وضبط الرغبات المادية بلا إنكار أو مصادرة، وفى ذات الوقت إحاطة تلك الرغبات بالأخلاق لمنع الإنسان أن يكون عبدا لشهواته وأهوائه. ورأى المفكر المصرى رجائى عطية فى كتابه «تجديد الفكر والخطاب الدين» الصادر عن «دار الشروق» أن لكل فرد ذاتيته وعقله ووعيه مسئول عما يختار ويفعل، وليس مجرد شخص مساق ضمن الركب دون فهم أو وعى، فأمام الله كل إنسان مخلوق مسئول، مستشهدا بحديث نبى الإسلام محمد بن عبدالله (صلى الله عليه وسلم): «لا يكن أحدكم إمعة يقول: إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساءوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساءوا أن تجتنبوا إساءتهم». ونهى الإسلام ترك العمل والانقطاع عن الدنيا وفى هذا يقول عز وجل فى الآية 77 من سورة القصص: (وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِى الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ)، وفى الآية 87 من سورة المائدة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ)، وهكذ فإن الحياة الروحية للمسلم تجرى على سنن القصد لصالح الحياة البشرية، لا استغراق فى الجسد ولا انقطاع عنه فى سبيل الآخرة وإنما وسطا بين هذ وذاك. وخاطب الإسلام القادر وغير القادر القوى والضعيف الصحيح والمريض، ووضع القواعد وسن الأحكام ولم ينس الرخص، وحرص الرسول صلى الله عليه وسلم على تبيان ذلك فى حديثه: «إن الله يحب أن تُؤتى رخصه كما تؤتى عزائمه». وحتى عند سن الأحكام والحدود درء فى ذات الوقت الحد بالشبهة بل ويقيم من حالة الضرورة عذرا عاما يقيل الإنسان من تقصيره، بل ومن خطيئته ففى الآية 173 من سورة البقرة يقول عز وجل: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)، ويتكرر مرة أخرى فى سورة الأنعام آية 145: (فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، وفى الحديث: «الضرورات تبيح المحظورات». وبهذه الوسطية البعيدة عن التفريط والإعنات جعل صوم رمضان فريضة وركنا من أركان الدين، (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) الآية 183 من سورة البقرة، وفى ذات الوقت أباح الإفطار للمريض والمسافر، (فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۚ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) الآية 184 من سورة البقرة. والقرآن الذى فرض الحج أرفقه بالاستطاعة، (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا ۚ وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)، الآية 97 من سورة آل عمران، ويسر أيضا على حجاج بيت الله الفريضة، (فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۖ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ۚ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ۚ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۚ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِى الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ ۗ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ۗ ذَٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ)، الآية 196 من سورة البقرة. وهكذا نرى أن الله أراد للإسلام كدين عالمى أن يهدى الناس إلى ما فيه صلح حياتهم وأن يرفع عنهم الحرج، (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الآية 78 من سورة الحج، وفى الآية 7 من سورة الطلاق يقول عز وجل: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا ۚ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا)، ويقول النبى صلى الله عليه وسلم: «إن هذ الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، فسددوا وقاربوا». واستخلص الكاتب من الدلائل السابقة أن الله لا يغلق بابه فى وجه أحد، وأمر المسلمين مجادلة الناس حتى الكفار منهم بالتى هى أحسن، ولم ينتشر الإسلام بعنف أو غلو أو تطرف أو إكراه بل بالبيان والإقناع.