كثيرًا من عشاق "شاعر القلوب"، نزار قبانى، والمحبين لقصائدة المليئة بكلمات الحب والغزل والرومانسية والسعادة يظنون أنه يحيى حياة سعيدة تملأها الرفاهية، ولا مكان بها للمشاكل والعقبات، ولكن ما لا يعرفه الكثيرين، أن "عاشق النساء" هذا، والذي تحل اليوم 30 أبريل، الذكرى ال21 لوفاته، تعرض للعديد من المآسي التي تدمي لها العيون والقلوب، والتى أحدثت صدمة بداخله غيرت فى أسلوبه وطريقة كتابة قصائده. وفي ذكرى رحيله ال21، تستعرض "الشروق" بعض من مشاهد الحزن التى أثرت في حياة شاعر النساء نزار قباني.. • «انتحار شقيقته.. استشهاد في سبيل الحب» كانت أولى المآسى التي هزت وجدان نزار قباني، هو انتحار شقيقته الكبرى "وصال"، بعد أن أجبرها أهلها على الزواج من رجل لم تكن تحبه، وهو ما ترك أثرًا عميقًا في نفس أخيها، الذي لم يكن يتجاوز عمره ال15عاما، وربما كانت تلك هى الشرارة الأولى لكتابات "نزار" حول صراع المرأة وحقها، لتحقيق ذاتها وأنوثتها، وما سبق كان القصة التي رواها الشاعر السوري عن حياته، وقد كتب عن تلك الحادثة في كتابه "قصتي مع الشعر" قائلًا: "في تاريخ أسرتنا حادثة استشهاد سببها العشق، الشهيدة هي أختي الكبرى “وصال” قتلت نفسها بكل بساطة وشاعرية منقطعة النظير لأنها لم تستطع أن تتزوج بحبيبها، صورة أختي وهي تموت في لحمين ولازلت أذكر وجهها الملائكي، وقسماتها النورانية، وابتسامتها الجميلة وهي تموت، كانت في ميتتها أجمل من رابعة العدوية، وأروع من كليوباترا المصرية، حين مشيت في جنازة أختي، وأنا في الخامسة عشرة، كان الحب يمشي إلى جانبي في الجنازة، ويشد على ذراعي ويبكي، وحين زرعوا أختي في التراب، وعدنا في اليوم التالي لنزورها، لم نجد القبر، وإنما وجدنا في مكانه وردة"، ولكن المتابع لسيرته ومسيرته، يعثر على قصة أخرى لرحيل شقيقته، وهى القصة التي رواتها، الأديبة السورية "كوليت خوري" وهى الحبيبة الثانية لقلب نزار، بعدما أعلنت أن انتحار شقيقته "وصال"، جاء بعد فقدانها حبيبها، حيث تركها وتزوج من غيرها، وهى القصة التي تؤكدها مذكرات نزار، حين كتب يقول:" صورة أختي وهي تموت من أجل الحب، محفورة في لحمي، كانت في ميتتها أجمل من رابعة العدوية". • «رحيل ابنه.. الأمير الخرافى توفيق قبانى» في أحد أيام عام 1973، استيقظ نزار قباني، على خبر رحيل ابنه "توفيق"، الطالب بكلية الطب، وهى الصدمة التي لم يستطيع نزار تجاوزها باقية حياته، ولازمه الحزن بعدها بل أصبح رفيقه، ونعى نزار قباني ولده شعرا ونثرا وأوصى أن يدفن بجوار ابنه بعد وفاته، وكتب عن ذلك يقول: «مات ابنى توفيق فى لندن، توقف قلبه عن العمل، كما يتوقف قلب طائر النورس عن الضرب، عمره اثنتان وعشرون سنة، وشعره كلون حقول القمح فى تموز، كان توفيق أميرا دمشقيا جميلا، كان طويلا كزرافة، وشفافاً كالدمعة، وعالى الرأس كصوارى المراكب، إن رحيل توفيق المفاجئ أكد لى حقيقة لم أكن أعرفها، وهى أن الصغار أشجع منا وأكثر منا قدرة على فهم طبيعة رحلة الموت"، كما كتب نزار قصيدة من أروع ما قدم رثاءًا لابنخ الراحل بعنوان: "الأمير الخرافى توفيق، جاء فيها "الأمير الخرافى توفيق قبانى"، « سأخبركم عن أميري الجميل....كان كيوسف حسنا.. وكنت أخاف عليه من الذئب.. كنت أخاف على شعره الذهبي الطويل.. وأمس أتوا يحملون قميص حبيبي.. وقد صبغته دماء الأصيل.. فما حيلتي يا قصيدة عمري؟ إذا كنت أنت جميلا.. وحظي جميلا.. لماذا الجرائد تغتالني؟.. وتشنقني كل يوم بحبل طويل من الذكريات.. أحاول أن لا أصدق موتك، كل التقارير كذب.. وكل كلام الأطباء كذب.. وكل الأكاليل فوق ضريحك كذب.. وكل المدامع والحشرجات.. أحاول أن لا أصدق أن الأمير الخرافي توفيق مات. «بلقيس.. أميرة قلب نزار قباني» كانت قصة زواج نزار قباني، من العراقية بلقيس الراوي، حدث سمعت به الأرض من أدناها إلى أقصاها، فهو الزواج الذي رفضه أهل بلقيس لمدة اقتربت من 7 سنوات، بعدما التقى بها "نزار" في مهرجانا شعريا في بغداد، فذهب يطلب يدها، ولكن طلبه قوبل بالرفض، كونه شاعر ومعروف عنه تعدد كتاباته عن المرأة، فضلًا عن فارق السن بينهما، ليرحل تاركًا قلبه لديها في العراق، قبل أن يلتقي بها مرة أخرى، في إحدى الأمسيات الشعرية التي نظمتها سفارة العراق، حيث كانت تعمل بلقيس بها، وفيها يلقى قصيدة في حب بلقيس، قال فيها: «مرحبا يا عراق، جئت أغنيك وبعضا من الغناء بكاء.. أكل الحب من حشاشة قلبي والبقايا تقاسمتها النساء.. أنا جرح يمشي على قدميه وخيولي قد هدها الإعياء.. وأنا الحزن من زمان صديقي وقليل في عصرنا الأصدقاء"، لتثير كلمات قصيدته تعاطف الشعب العراقي معه، وسمع عن القصة الرئيس العراقي حينها أحمد حسن البكر، ليبعث بوزير الشباب شفيق الكمالي، ليخطب بلقيس الرواي من أهلها إلى نزار، وهو ما جعل من الصعب على ولديها رفضه مرة أخرى، وبالفعل تزوجا عام 1973، وليكتب عن ذلك نزار قائلًا "شكرا لحبكِ فهو معجزتي الأخيرة بعدما ولى زمن المعجزات"، ليقضى بلقيس معها أجمل سنوات عمره، وأنجب منها زينب وعمر، وتنقلت معه في البلاد وكانت هي ملهمته في كل قصائده، قبل أن يخطفها الموت بعد 9 سنوات، إثر حادث انتحاري استهدف السفارة العراقية في بيروت، ورثاها نزار بقصيدته الشهيرة "بلقيس".