وزارة السياحة تنظم قافلة بالتشيك للترويج للمقصد المصري    بروتوكول لجهاز تنمية المشروعات لنشر فكر العمل الحر وريادة الأعمال بين الشباب والمرأة    معهد فلسطين للأمن: اغتيال رائد سعد يهدف لإرباك حماس ورفع معنويات الداخل الإسرائيلي    توروب يضع برنامجًا خاصًا لعودة ثنائي الأهلي الدولي قبل مواجهة سيراميكا    ريال مدريد يجهز خيار الطوارئ.. أربيلوا الأقرب لخلافة تشابي ألونسو    إصابة 14 شخصا إثر تصادم ميكروباص بسيارة ملاكي في البحيرة    صحة البحيرة: الكشف على 1966 مواطنا ضمن قافلتين بمركزي دمنهور وشبراخيت    رئيس الوزراء يؤكد أهمية تكامل إفريقيا خلال الإعلان عن إنشاء مركز التجارة الإفريقي لأفريكسيم بنك بالعاصمة الإدارية    29 طعناً أمام مجلس الدولة على انتخابات النواب    نوال مصطفى تكتب: صباح الأحد    بدر عبد العاطي: مصر ثابتة على رفضها لأي محاولات تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة    أشرف زكي يكشف مستجدات الحالة الصحية ل عبلة كامل وحقيقة دخولها المستشفى (فيديو)    برلماني أوكراني: البعد الإنساني وضغوط الحلفاء شرط أساسي لنجاح أي مفاوضات مع روسيا    الزملوط يتابع استعدادات ختام مهرجان الرياضات التراثية بالوادي الجديد    قائمة ريال مدريد - بدون أظهرة.. وعودة هاوسن لمواجهة ألافيس    شركة نستلة ترفع أسعار منتجات الآيس كريم بنسبة 25%    ضبط 23 شركة سياحية للنصب على راغبى الحج والعمرة    وفاة طبيب أسنان بالشرقية إثر توقف مفاجئ بعضلة القلب    القومي لذوي الإعاقة يحذر من النصب على ذوي الاحتياجات الخاصة    برلماني أوكراني: البعد الإنساني وضغوط الحلفاء شرط أساسي لنجاح أي مفاوضات    الرسالة وصلت    مكتبة الإسكندرية تستضيف "الإسكندر الأكبر.. العودة إلى مصر"    فرحة «هنيدى»    استشهاد وإصابة 30 فلسطينيا في قصف إسرائيلي غرب مدينة غزة    إعلام عبرى: اغتيال رائد سعد جرى بموافقة مباشرة من نتنياهو دون إطلاع واشنطن    موعد صرف معاشات يناير 2026 بعد زيادة يوليو.. وخطوات الاستعلام والقيمة الجديدة    قائمة الكاميرون لبطولة كأس الأمم الأفريقية 2025    محافظ الغربية يتفقد الشوارع الفرعية بطنطا لمتابعة رفع مياه الأمطار    حبس مدرب أكاديمية كرة القدم بالمنصورة المتهم بالتعدي على الأطفال وتصويرهم    "أزهري يوضح حقيقة العلاج بالقرآن وتحديد عدية للقراءة    نائب محافظ الأقصر يزور أسرة مصابي وضحايا انهيار منزل الدير بمستشفى طيبة.. صور    حماس تحذر من كارثة إنسانية بعد عواصف غزة    وفاة والدة الدكتور خالد حمدي رئيس جامعة الأهرام الكندية    جامعة أسيوط تنظم المائدة المستديرة الرابعة حول احتياجات سوق العمل.. الاثنين    «الجمارك» تبحث مع نظيرتها الكورية تطوير منظومة التجارة الإلكترونية وتبادل الخبرات التقنية    إدراج معهد بحوث الإلكترونيات ضمن لائحة منظمة الألكسو لمراكز التميز العربية    كلية الدراسات الإفريقية تنظم ندوة عن العدالة التاريخية والتعويضات    محافظ الغربية يهنئ أبناء المحافظة الفائزين في الدورة الثانية والثلاثين للمسابقة العالمية للقرآن الكريم    مواقيت الصلاه اليوم السبت 13ديسمبر 2025 فى المنيا    بدء الصمت الانتخابي غدا فى 55 دائرة انتخابية من المرحلة الثانية لانتخابات النواب    استعدادات مكثفة بمستشفى أبو النمرس تمهيداً لافتتاحه    وصفة الزبادي المنزلي بالنكهات الشتوية، بديل صحي للحلويات    محافظ أسيوط يفتتح المؤتمر السنوي الثالث لمستشفى الإيمان العام بنادي الاطباء    طلعات جوية أميركية مكثفة فوق ساحل فنزويلا    فيديو.. الأرصاد: عودة لسقوط الأمطار بشكل مؤثر على المناطق الساحلية غدا    تموين الفيوم يضبط محطتين تموين سيارات يتلاعبان في المعيار الخاص بطلمبة سولار    إخلاء سبيل والدة المتهم بالاعتداء على معلم ب"مقص" في الإسماعيلية    تعرف على إيرادات فيلم الست منذ طرحه بدور العرض السينمائي    جهاز «شئون البيئة» يترأس وفد مصر فى اجتماع جمعية الأمم المتحدة للبيئة فى نيروبى بكينيا    محافظ أسيوط يقود مفاوضات استثمارية في الهند لتوطين صناعة خيوط التللي بالمحافظة    الأعلى للثقافة: الكشف الأثرى الأخير يفتح ملف عبادة الشمس ويعزز القيمة العالمية لجبانة منف    الأهلي يواجه الجيش الرواندي في نصف نهائي بطولة إفريقيا لكرة السلة للسيدات    أمانة المراكز الطبية المتخصصة تكرّم إدارة الصيدلة بمستشفى الشيخ زايد التخصصي    وزيرة التضامن الاجتماعي تلتقي رئيس الطائفة الإنجيلية ووفد من التحالف الوطني للعمل الأهلي التنموي    مواعيد مباريات اليوم السبت 13- 12- 2025 والقنوات الناقلة    تشويه الأجنة وضعف العظام.. 5 مخاطر كارثية تسببها مشروبات الدايت الغازية    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : ولازالت مصطبة عم السيد شاهدة ?!    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 13-12-2025 في محافظة قنا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نتسامح ولكن لن ننسى... كيف تصالحت رواندا مع ماضيها المؤلم عبر ربع قرن؟
نشر في الشروق الجديد يوم 07 - 04 - 2019

تزوجت ماري-جين وجان جيرانزا قبل أكثر من عشر سنوات، ويقيم الزوجان وأطفالهما الأربعة حاليا بمنزل في مدينة "رويرو" الصغيرة جنوبي رواندا. المنازل هنا من طابق واحد وهي متراصة جنبا إلى جنب، وأمام كل منزل حديقة صغيرة حسنة المنظر.
للوهلة الأولى، تبدو حياة الزوجين طبيعية تماما، وينبش المرء قليلا فيما وراء ذلك: جان، الذي ينتمي لعرقية "التوتسي"، كان أحد ضحايا أعمال الإبادة الجماعية التي شهدتها رواندا قبل نحو 25 عاما، وكانت عائلة زوجته بين مرتكبي هذه الأعمال الوحشية.
ويحمل جان ندبة عميقة في وجهه تستدعي ذكريات هذا اليوم الذي يعود إلى شهر يونيو عام 1994، عندما أصابه منجل في رأسه كاد أن يقضي عليه، ولكن كتبت له حياة جديدة عندما عثر عليه جنود من "التوتسي" المتمردين وهو يصارع الموت وهرعوا به إلى المستشفى.
وعائلة زوجته، التي تنتمي إلى عرقية "الهوتو"، مسؤولة عن مقتل معظم أقارب جان.
وتقول ماري- جين: "كان أبي يتجول خلال الليل مع مجموعة لقتل أفراد التوتسي." وكانت ماري-جين آنذاك في الثانية عشرة من عمرها، ولكنها تتذكر ما جرى وكأنه حدث للتو. لقد أوقعوا بجان وعائلته.
وكان جان يعرف ذلك حق المعرفة عندما تقدم للزواج من ماري- جين بعد سنوات من هذه الأحداث. ويعيش الزوجان حاليا في ما يسمى "قرية المصالحة" التي أقامتها السلطات الرواندية، حيث يعيش الجناة والمجني عليهم كجيران. ويقيم في هذه القرية الهادئة 110 عائلات، يزرعون الأرض معا.
ويقدم جان وماري-جين مثالا حيا لعملية المصالحة التاريخية التي شهدتها رواند منذ انتهاء حقبة الإبادة الجماعية قبل ربع قرن. ولكن تحجيم الحرية وحقوق الإنسان كانا ثمنا لإرغام العدوين اللدودين على العيش معا. ويثير ذلك سؤالا وهو: إلى أي مدى تمكنت هذه البلاد حقا من التصالح مع ماضيها الدموي المؤلم وهي تحيي اليوم الأحد الذكرى ال 25 لهذه الأعمال الوحشية؟!
فقد شهد السابع من أبريل من عام 1994، انطلاق أعمال إبادة جماعية وحشية نفذها متطرفون من عرقية "الهوتو" صاحبة الأغلبية بحق أفراد عرقية "التوتسي" التي تمثل أقلية، في تلك المستعمرة البلجيكية سابقا
وعلى مدار مئة يوم فقط، ارتكتب أفراد "الهوتو" أعمال قتل وتشويه واغتصاب بحق جيرانهم وأصدقائهم وغرباء، بل حتى بحق شركائهم وأطفالهم. وكان معظم الضحايا من "التوتسي" لكن كان من بينهم أيضا بعض لأفراد الهوتو المعتدلين.
وقتل حوالي 800 ألف شخص في الوقت الذي ظل فيه العالم يتجاهل هذه الأحداث لفترة طويلة. كما جرى تخفيض بعثة حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في البلاد إلى مئات قليلة من الجنود.
وجاءت نهاية هذه المذابح على يد "الجبهة الوطنية الرواندية " التي شكلها أفراد التوتسي، والتي قدمت من أوغندا بقيادة بول كاجامي، الذي صار رئيسا للبلاد في وقت لاحق.
وتركت هذه المذابح رواندا في حالة من الخراب: منازل وشوارع وجسور مدمرة، كما تركت الجثث ليصيبها العفن في الحقول، واكتظت بها الأنهار. وعاش عشرات الآلاف من يتامى الحرب مشردين في الشوارع أو بين أنقاض المباني. لم تعد هناك دولة فاعلة. وأصيب الناجون بصدمة مروعة، و كان يتعين معاقبة مرتكبي هذه الأعمال الوحشية.
وكان السؤال المطروح: من أين يمكن أن تبدأ إعادة بناء دولة دُمِرَتْ على هذا النحو؟ ومن أين تبدأ مسيرة تحقيق العدالة؟
لقد اختارت رواندا نوعا من "العدالة المجتمعية" يعرف باسم "محاكم جاكاكا"، وهي محاكم محلية لتسوية النزاعات أقامها المواطنون في أنحاء البلاد، ففي حال ارتكب شخص ما جريمة، يشارك المجتمع كله في محاكمته. وكان هذا النظام القضائي التقليدي أقرب للصعيد الشخصي وكان مصمما لتحقيق النتيجة النهائية المتمثلة في السماح لمن يعرفون بعضهم بعضا باستئناف الحياة معا في إطار نفس المجتمع. فكان يتم حشد سكان قرية ما ليشهدوا على الاعتراف بارتكاب جريمة، ولتشجيع الضحية على التسامح والصفح، ثم الاتفاق على عقوبات معتدلة تشمل المساعدة في حراثة حقل الضحية لفترة من الوقت.
وعندما بدأت "محاكم جاكاكا" في عام 2002، كان هناك حوالي 120 ألف شخص ينتظرون المحاكمة، بالإضافة إلى أعداد لا حصر لها تتحرك في حرية، حيث كانت السجون والمحاكم تنوء بحمل ثقيل، بحسب ما ذكره فيديل ندايسابا، "رئيس لجنة الوحدة والمصالحة الوطنية".
وخلال 10 سنوات، تمكنت "محاكم الجاكاكا" من الفصل في حوالي 9ر1 مليون قضية، وكانت تكافئ من يقر بارتكاب جريمة بأحكام مخففة مثل الخدمة المجتمعية.
ويقول ندايسابا: "جرى اللجوء إلى محاكم جاكاكا ليس فقط لتحقيق العدالة البسيطة، ولكن أيضا من أجل ترسيخ منصة للحوار والحقيقة."
ولا يزال عمق المعاناة التي خاضها الجيل التالي في رواندا جلية على وجه ديان مومارارونجو، التي تغرق الدموع عينيها عندما تبدأ في الحديث. إنها الآن في الرابعة والعشرين من عمرها، وقد تعرضت أمها، التي تنتمي لعرقية "التوتسي"، للاغتصاب خلال الأعمال الوحشية.
تتذكر مومارارونجو أن جيرانها ومعارفها، وحتى أقاربها، كانوا يتحاشونها وهي طفلة صغيرة. وكان الأطفال يعيرونها بأنها "بنت الهوتو". وعندما تنظر الأم إلى ابنتها، تستدعي رغما عنها تلك المصيبة التي ابتليت بها قبل سنوات طويلة.
وأطلق الرئيس كاجامي، مجموعة كبيرة من البرامج التي تهدف إلى تحقيق المصالحة.
ويقول هانز بريتشنايدر، الذي يقوم بتنسيق برنامج "الخدمة المدنية للسلام" التابع ل "الجمعية الألمانية للتعاون الدولي"، إن عملية المصالحة "بدأت مبكرا للغاية".
وتدعم "الجمعية الألمانية للتعاون الدولي" مسار المصالحة في رواندا منذ عام 2001.
ويقول ندايسابا إن الشئ الأهم هو الإبقاء على هذه الأحداث حية في الذاكرة، وهو أمر لا تملك فيه رواندا خيارا في ظل حقيقة أن مرتكبي الإبادة الجماعة والناجين منها يعيشون معا منذ عام 1994.
ويقول جان جيرانزا، الذي يبلغ من العمر الآن 45 عاما، وهو يتذكر تلك الأيام الصعبة: "كان الأمر قاسيا بالنسبة لي على نحو لا يصدق."
وجرى تخصيص منزل لجان بعدما نجا من الموت، وكان جميع جيرانه من "الهوتو".
ويضيف جان: "اشتريت منجلا وقررت أن أقتل واحدا منهم (الهوتو)،" ولكن في هذه القرية، كان من الأفضل أن يتعلم جان التسامح والصفح.
ويعود الفضل في هذه المصالحة التاريخية إلى الرئيس كاجامي، ضابط الجيش السابق الذي يبلغ من العمر الآن 61 عاما، والذي يحكم البلاد منذ 2000، ولكنه كان الحاكم الفعلي لرواندا منذ انتهاء أعمال الإبادة الجماعية في عام 1994. ويرى معجبو، ومنتقدو كاجامي، أن الرجل يقود رواندا بعزم وانضباط كما لو كان يقود جيشا.
ويكفي المرء أن يشهد معجزة إعادة إعمار البنية التحتية التي جرت في رواندا على مدار الأعوام الماضية، كما استعادت البلاد النظام العام وسيادة القانون. ولكن الثمن كان باهظا، فقد تم تحقيق هذا على حساب تقييد حرية التعبير وأحزاب المعارضة والمجتمع المدني، وفقا لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية، التي تقول إن معارضي الحكومة تعرضوا للتضييق والسجن التعسفي، بل والتعذيب.
ولكن يمكن قراءة الهدف وراء هذه القبضة المتشددة بين السطور: فعندما سئل جيرانزا عن هويته، قال: "كلنا روانديون"، وهو ما تردده زوجته ماري-جين، ومعظم السكان في أنحاء البلاد: ولا تتردد كلمتا "التوتسي" أو "الهوتو" إلا همسا حاليا.
وعلى المستوى الرسمي، فقد حققت رواندا المصالحة.
ويقول ندايسابا: "العيش معا في سلام هو واقع الحياة اليوم في رواندا"، فالهدف الأسمى في رواندا هو "وحدة لا تتزعزع". ولكن لا يستطيع أحد أن يتوقع إلى أي مدى سوف تستطيع الحكومة الاستمرار في مسيرتها للحفاظ على هذا الهدف النبيل؟


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.