وزير الإسكان يتفقد وحدات المبادرة الرئاسية سكن لكل المصريين بمدينة العاشر من رمضان    وزيرة التنمية المحلية تتابع انتظام العمل بمواقف السيارات ومحطات الوقود بالمحافظات بعد تحريك أسعار الوقود    الدفاع المدني بغزة يعلن انتشال جثامين 9 شهداء باستهداف إسرائيلي    جيش الاحتلال يفتح النار على مزارعين فلسطينيين وسط الضفة خلال محاولتهم الوصول لأراضيهم    ضياء رشوان: نتنياهو يسعى لاستغلال قضية تأخير تسليم جثامين الشهداء الفلسطينيين كورقة سياسية    عمرو ناصر يقود هجوم الزمالك أمام ديكيداها    أحمد حسام عوض: لدينا رؤية متكاملة لتعظيم استثمارات الأهلي    نشوب حريق بسيارة داخل مركز بحوث الثروة السمكية في الشرقية    مصرع 3 عمال في بيارة صرف صحي والبحث عن رابع بشمال سيناء    محمد صبحي يكشف موقفا طريفا بسبب تقليده للرئيس الراحل حسني مبارك    الحرية للفنون الشعبية تمثل مصر في الدورة الثالثة عشرة لمهرجان الصين الدولي للفنون الشعبية    محمد صبحي: بكيت بعد «سنبل بعد المليون» وتراجعت عن إنشاء أوبرا في سفنكس لأبنيها في الصحراء    نائب وزير الصحة تستقبل وفدا عراقيا لبحث التعاون في مجالات تنمية الأسرة والصحة السكانية    الصحة تختتم البرنامج التدريبي لإدارة المستشفيات والتميز التشغيلي بالتعاون مع هيئة فولبرايت    باكستان تتعرض لهزتين أرضيتين شدتهما 5. 3 و9. 3 درجة    الأرصاد الجوية تحذر من الشبورة وانخفاض درجات الحرارة    مصرع شخصين بحادث اصطدام موتوسيكل وسيارة ملاكي فى الدقهلية    بسبب الهرج والمرج.. وكيل تعليم دمياط يحيل إدارة مدرسة للتحقيق    الدفاع الروسية: السيطرة على بلدة بليشييفكا بدونيتسك والقضاء على 1565 جنديًا أوكرانيًا    اختبار طبي يحسم مصير الدوسري أمام السد القطري    إيرادات "أوسكار عودة الماموث" تتخطى 6 ملايين جنيه في 3 أيام    إنجاز مصري في الرماية بالخرطوش.. ماجي عشماوي ضمن أفضل 6 راميات على مستوى العالم    دميترييف: العمل على فكرة النفق بين روسيا والولايات المتحدة بدأ قبل 6 أشهر    محافظ الشرقية يثمن جهود الفرق الطبية المشاركة بمبادرة "رعاية بلا حدود"    بدء تقديم خدمات كهرباء القلب والكي الكهربائي بمستشفيي بنها ودمنهور التعليميين    اليوم الرسمي ل بدء التوقيت الشتوي 2025 في مصر بعد تصريحات مجلس الوزراء.. (تفاصيل)    موعد مباراة الأخدود ضد الحزم في الدوري السعودي والقنوات الناقلة    انتخاب اللواء أحمد العوضي والمستشار فارس سعد وكيلين لمجلس الشيوخ    قطاع الأمن الاقتصادي يضبط 6630 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    طريقة عمل الفطير الشامي في البيت بخطوات بسيطة.. دلّعي أولادك بطعم حكاية    القنوات الناقلة لمباراة بايرن ميونخ ضد بوروسيا دورتموند في الدوري الألماني.. والموعد    رئيس جامعة القاهرة: مصر تمضي نحو تحقيق انتصارات جديدة في ميادين العلم والتكنولوجيا    تعرف على مواقيت الصلوات الخمس اليوم السبت 18 أكتوبر 2025 بمحافظة بورسعيد    لا تدَّعِ معرفة ما تجهله.. حظك اليوم برج الدلو 18 أكتوبر    ياسر جلال بعد أداء القسم بمجلس الشيوخ: لحظة فخر ومسؤولية كبيرة    ما هو حكم دفع الزكاة لدار الأيتام من أجل كفالة طفل؟.. دار الإفتاء توضح    سعر النفط يتكبد خسائر أسبوعية بنحو 3% بفعل تصاعد التوترات العالمية    الرئيس السيسي يستقبل رئيس مجلس إدارة مجموعة «إيه بي موللر ميرسك» العالمية    مرشح وحيد للمنصب.. «الشيوخ» يبدأ انتخاب رئيسه الجديد    ضبط منادى سيارات اعتدى على سائق وطلب إتاوة فى الجيزة    موعد مباراة المغرب ضد الأرجنتين والقنوات الناقلة في نهائي كأس العالم للشباب 2025    نجوى إبراهيم عن تطورات صحتها بعد الحادث: تحسن كبير واستكمل العلاج بمصر    محافظ أسوان في جولة مفاجئة على المخابز والأسواق: هدفنا ضبط الأسعار    100 مُغامر من 15 دولة يحلقون بمظلاتهم الجوية فوق معابد الأقصر    عبير الشرقاوي ترد على تجاهل ذكر والدها: نقابة المهن خسرت كتير    مجلس أمناء جامعة بنها الأهلية يوافق على إنشاء 3 كليات جديدة    البنك الأهلي ضيفا ثقيلا على الجونة بالدوري    مواقيت الصلاة اليوم السبت 18 أكتوبر 2025 في محافظة المنيا    زراعة 8000 شتلة على هامش مهرجان النباتات الطبية والعطرية في بني سويف    رئيس وزراء مالطا يشيد بدور مصر في وقف حرب غزة خلال لقائه السفيرة شيماء بدوي    تعرف على سعر حديد التسليح اليوم السبت    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 18-10-2025 في محافظة قنا    رد صادم من متحدثة البيت الأبيض على سؤال بشأن قمة ترامب وبوتين يثير جدلًا واسعًا    زيادة الشيدر 65 جنيها والفلمنك 55، آخر تطورات أسعار الجبن في ثاني أيام ارتفاع الوقود    حكم التعصب لأحد الأندية الرياضية والسخرية منه.. الإفتاء تُجيب    هل يجوز للمريض ترك الصلاة؟.. الإفتاء تُجيب    تفكك أسري ومحتوى عنيف.. خبير تربوي يكشف عوامل الخطر وراء جرائم الأطفال    ملوك الدولة الحديثة ذروة المجد الفرعونى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ذكريات وتساؤلات جزائرية
نشر في الشروق الجديد يوم 04 - 04 - 2019


الآن حصحص الحق.
ذهب عبدالعزيز بوتفليقة، رجل ورمز التوافق بين أشتات الحالة الجزائرية، الرجل الذى لجأت أو اطمأنت إليه كل الأطراف، باعتباره حلا وسطا مقبولا منهم جميعا، لوجود قاسم مشترك بينه وبين كل طرف فى الداخل والخارج، وذلك بعد أن استهلكت المحنة ثلاثة رؤساء قبله، وعشرات الرجال فى الصفوف التالية، الى جانب مئات الألوف من المواطنين، الذين أزهقت أرواحهم خلال سنوات الحرب الأهلية.
قبل بوتفليقة قتلوا الرئيس محمد بوضياف، الذى جاءوا به من البرارى السياسية فى منفاه المغربى، أملا فى استعادة الزخم المعنوى لحرب التحرير الجزائرية، بحكم أنه من القادة التاريخيين الخمسة الذين أسسوا جبهة التحرير الوطنى من الاستعمار الفرنسى الاستيطانى الإلحاقى، وذلك بحسبان أن استعادة هذا الزخم سوف ترضى أو تلهى الأجيال الجديدة، والمهمشين من جيل حرب التحرير، بعد أن أوقف رجال الدولة العميقة المسار الانتخابى فى نهاية ثمانينيات القرن الماضى، للحيلولة دون فقدانهم للسلطة، لحساب الجبهة الإسلامية للإنقاذ، والتى صوت لها أولئك الرافضون من الأجيال الجديدة، والغاضبون من الجيل السابق، على الرغم من أن الرفض والغضب كانا مستحقين بجدارة، بسبب احتكار مجموعة من القيادات الأمنية والسياسية ووكلائهم من رجال الأعمال للسلطة والثروة، وهو ما أدركه وتفهمه بوضياف، وشرع فى التصدى له على الفور، وأثبت أنه لايزال يحتفظ بتلك النخوة القديمة، التى دفعته إلى التنادى مع رفاقه الأربعة الآخرين إلى حمل السلاح لتحرير وطنه، فلم يكن من حل سوى اغتيال الرجل، ولما يمض عليه فى المنصب سوى أقل من 6 أشهر.
بعد اغتيال الرجل بيومين كنت فى الجزائر لتغطية الأحداث صحفيا، وكان الناس هناك مواطنين ومسئولين وسياسيين ومراسلين ودبلوماسين أجانب يتكلمون فى كل شىء إلا الإجابة عن سؤال: هل تصدقون أن الرقيب مبارك بومعرافى هو القاتل الأوحد للرئيس، كما تقول الرواية الرسمية بزعم أنه موال لجبهة الإنقاذ؟ وكان الصمت أبلغ من الكلام.
أذكر أيضا أن السفير إبراهيم يسرى سفير مصر وقتها فى الجزائر نصحنى بمراعاة الحساسية الخاصة للجزائرين تجاه الصحافة المصرية، لإدراكهم قوة تأثيرها عربيا وعالميا، كما نصحنى بالتجول فى الأحياء الشعبية لأشاهد بعينى فقر الأسواق فى هذا البلد الغنى بالنفط، ولأشاهد أيضا ظاهرة (الحيطيست) أى العدد الكبير من الشباب الذين لا يجدون ما يفعلونه سوى الوقوف فى الشوارع، مسندين ظهورهم إلى حوائطها، معقبا بأنك سوف ترى الأسباب الحقيقية والحية لرفض النظام، وللمآسى المقبلة، والتى لا يعلم إلا الله مداها.
نستكمل سياق استهلاك المحنة الجزائرية للرؤساء، وغيرهم من وجوه الصفوف التالية، وصولا إلى التعويذة المسماة عبدالعزيز بوتفليقة، فقد جىء بمجلس رئاسى يتصدره مجاهد قديم اسمه على كافى، دون جدوى، لأن هذا المجلس كان محروما من السلطة الحقيقية التى تركزت فى يد الجنرالين خالد نزار وزير الدفاع وقائد الجيش، والعربى بلخير وزير الداخلية، وهما مع زملائهما من أوقف المسار الانتخابى، وفى هذه المرة حاولوا التغطية على مأساة اغتيال بو ضياف، ومواصلة المواجهة الدامية مع الإسلاميين باستدعاء البومدينية، بما أن الجزائريين كانوا لايزالون يعتزون بخلو صفحة الرئيس الأسبق هوارى بومدين من الفساد، أصل الداء فى البلاد، كما كانوا معتزين بالمكانة الإقليمية والدولية الرفيعة للجزائر فى عهد بومدين، على الرغم من اعترافهم بديكتاتوريته، فجىء بأحد أهم رموز المرحلة البومدينية من غياهب النسيان، ليرأس الحكومة الجديدة، وهو بلعيد عبدالسلام، وزير الصناعة والبترول الأسبق، أكرر الصناعة (أى التنمية)، والبترول (أى الثروة الرئيسية).
لكن ذلك أيضا لم يجد شيئا بسبب تمترس المؤسسة الأمنية على خط المواجهة مع الإسلاميين، الذين كانوا متحجرين بدورهم.
فى لحظة صدق مع النفس، أو لحظة يأس، اتفق على توحيد سلطة القرار فى شخص رئيس جديد من المؤسسة العسكرية يعرف عنه نظافة اليد، وعدم الخوض فى بحر الدماء، فجىء باليمين زروال الذى لم يكمل مدته الرئاسية، ربما لأن جنرالاته لم يكونوا مستعدين لدفع ثمن وقف الحرب الأهلية، ومع ذلك فقد تحقق فى حقبته أحد أهم المكاسب فى طريق الوئام الوطنى، إذ تقاعد الجنرال خالد نزار، ومن قبله العربى بالخير، ومن ثم انفتح الطريق أمام حل جديد، ورئيس جديد، ليأتى بوتفليقة.
هذا الرئيس الجديد جمع فى شخصه قواسم مشتركة مع كل الأطراف، كما قلنا فى البداية، فقد كان الشريك الأول للرئيس بومدين، وكان ضابطا فى جيش التحرير، وهو ينتمى إلى عائلة أمازيغية، ويرتبط من جهة الأم بعائلة الشيخ البشير الإبراهيمى خليفة الشيخ بن باديس فى رئاسة جمعية العلماء، التى حفظت للجزائر تراثها، وعقيدتها الإسلاميين، وكانت بذلك أحد الروافد الرئيسية لجبهة التحرير الوطنى الجزائرية، ثم هو عروبى على طريقة بومدين، وهو ما يعنى الترحيب به لدى الخائفين على هوية الجزائر من المتفرنسين، وهم كثر، كذلك كان بوتفليقة مقبولا لدى فريق مهم من أولئك المتفرنسين، بحكم أنه حداثى التعليم والتكوين، فضلا عن أنه وجه معروف ويحظى بالإحترام عالميا وعربيا، وله صلات وثيقة كوزير خارجية سابق بفرنسا والولايات المتحدة المؤثرتين بقوة فى الشأن الجزائرى، بل وله صلة خاصة بالخليج والسعودية، بما أنه عمل عدة سنوات مستشارا للمرحوم الشيخ زايد رئيس دولة الإمارات العربية، وفوق ذلك كله أو إلى جانبه كانت الموءسسة العسكرية قد أرهقت، ثم وصلت إلى طريق مسدود فى الحكم والسياسة، والحرب الأهلية، كما كان الطرف الآخر أى الإسلاميون قد وصلوا إلى الطريق المسدود نفسه، وسط حالة من السخط الشعبى الكاسح على الطرفين.
هكذا جاء الرجل فى وقته تماما، فحقق الوئام الوطنى، وأوقف الحرب الأهلية فى نموذج نادر من اللقاء بين السياسى والظرف التاريخى، وكما نعرف فقد بلغ من شدة احتياج هذا الظرف لذلك الرجل أن أسقطت كل التهم، التى كان قد أدين غيابيا بها، فى فترة نفيه، بعد وفاة بومدين، والانقلاب على الرئيس الشاذلى من جديد، وفى ظروف اغتيال بوضياف، وكانت هذه المحاكمات الغيابية وقتها هى الوسيلة المتاحة لقطع طريق المزاحمة على قيادة الجزائر عليه، فى الوقت الذى كان خصومه يعتقدون أنهم قادرون على القيادة والإنقاذ.
الآن ذهب بوتفليقة رفضا من الشعب، لأسباب كثيرة، كلها وجيهة، أولها أن استمراره فى الحكم على الرغم من مرضه العضال، وعلى الرغم من إرادته غالبا، يعد إهانة لا تغتفر لكرامة الجزائريين، سيما وأنه فى المنصب منذ 20 عاما، مما تطلب تعديل الدستور الذى انتخب هو نفسه بمقتضاه، فيما اعتبر ردة عن الديمقراطية، وإضافة إلى ذلك، فقد تكاثرت حوله شبكات الفساد، وبالطبع لن يكون قادرا على التصدى لها.
قلنا إنه بذهاب بوتفليقة حصحص الحق فى الجزائر، لأن القواسم المشتركة التى مثلها رجل بشخصه، لن تجد من يمثلها مرة أخرى، ومن ثم فعلى الجميع مواجهة الاستحقاقات التاريخية لتحول ديمقراطى مؤسسى، يصنعه الشعب والدولة العميقة معا، دون تهرب وراء واجهة كالتى مثلها بوتفليقة، فهل من مجيب؟
لكى يحدث ذلك يتحتم أن تكون هذه الدولة العميقة قد استوعبت دروس الماضى البعيد الأليم، كما يجب أن تستوعب خبرة الشهر الأخير حيث فشلت كل محاولتها للالتفاف على الحراك الشعبى، ومنها محاولة إلغاء الانتخابات الرئاسية مقابل عدم ترشح بوتفليقة، والدعوة إلى حوار وطنى، والتهديد بعنف جديد، والتحذير من مؤامرات خارجية، كما يجب عدم الاستماع لنصائح من هذه العاصمة العربية أو الأجنبية أو تلك، فلن يحل مشكلة الجزائريين إلا توافق الجزائريين أنفسهم، وتأسيس نموذج للعلاقات المدنية العسكرية يقوم على الثقة المتبادلة والمشاركة الحقيقية، ويقضى على تراث الفساد واحتكار السلطة والثروة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.