استطاع الكاتب الألماني فولفجانج باور أن يضع القراء في كتابه " المختطفات: شهادات من فتيات بوكو حرام" في رسم صورة واضحة عن تلك الجماعة الإرهابية كأنك تشاهد فيلما سينمائيا يرسم لك كل الجرائم التي ترتكبها جماعة بوكو حرام باسم الدين في نيجيريا. ظهر تنظيم بوكو حرام في نيجيريا، في غرب أفريقيا، وهي جماعة إرهابية مسلحة بنيجيريا، ففي 12 مارس 2015، قدمت بيعتها لتنظيم داعش الإرهابي، وتأسست الجماعة منذ أكثر من عقد، عام 2002، على يد محمد يوسف، أما اسم بوكو حرام، فيتألف من كلمتين، الأولى بوكو، وتعني باللغة الهوسية دجل، أو ضلال، والمقصود بها التعليم الغربي، وحرام كلمة عربية ويعني المقطعان معا "منع التعليم الغربي".
رفضت الجماعة التحدث بأي لغة غير اللغة العربية،رفض التعليم الغربي، والثقافة الغربية، وفي عام 2009 بدأت الشرطة النيجيرية في التحري عنهم، وقبضت على عدد من قادتها، مما أدى إلى اشتعال اشتباكات مميتة، وفي عام 2014 اختطف التنظيم 276فتاة من مدرسة ثانوية في ولاية برنو، وفي 8 مارس بايعوا تنظيم داعش.
يقول فولفجانج باور في استهلال كتابه: يظن كثير من أهل نيجيريا، أن من يدخلها لن يجد طريقه للخروج منها أبدا، فهم يقولون إن هناك لعنة من العصور القديمة قد حلت عليها، فغابة سامبيسا، الواقعة في شمال شرقي نيجيريا، تحوي الكثير من الحيوانات المتوحشة، إلا أن الإنسان هو أخطر قاطنيها، وتحديدا الرجال.
استطاع الكاتب الألماني ان يقضي شهورا فى الاستماع إلى الناجيات من براثن واحدة من أسوأ جماعات الإرهاب باسم الدين، والتى وصفت بأنها قتلت عددًا من البشر أكثر مما فعل تنظيم داعش، والتى لا نعرف عنها سوى القليل بحكم تواريها فى أدغال أفريقيا. يقول الكاتب الألماني فولفجانج باور «فى أوروبا وأمريكا، تلك القارتين اللتين تبدوان بعيدتين، لم تطلنا كارثة بوكو حرام حتى الآن، وقد اتفق معظم المراقبين على أن هذه الطائفة ستقوم بهجمات فى الغرب ذات يوم، لذا ينبغى علينا فى الغرب ألا نتجاهل بوكو حرام، إذا ما واصلنا غض الطرف عن دماء الآخرين، سرعان ما سنرى دماءنا نحن».
وتحدث في الكتاب عن تمركز جماعة بوكو حرام الإرهابية في نيجيريا، بأماكن مثل: دوهو أو جوبلا أو جولاك، والتى لن يتمكن أحد من التعرف على أى منها فى صور الأقمار الصناعية إلا عبر التكبير والاقتراب من المكان، ليظهر شارع يمتد عبر منطقة ذات أبنية بسيطة، محاط بمنازل متناثرة تصطف بمحاذاة طريق قريب من غابة سامبيسا .
يتخذ باور من «الغابة» بداية لرحلة قارئه، فهى المكان الذى كانت الضحايا من النساء والأطفال من الفتيات يسقن إليه؛ كن يحملن النساء إلى غابات سامبيسا المليئة بالمستنقعات؛ حيث اختطفتهن جماعة بوكو حرام وزوجتهن قسرا وأساء مقاتلو الجماعة معاملتهن لأشهر طويلة، وفقدن بعضًا من أفراد عائلاتهن ومن الأصدقاء والجيران، وشهدن قسوة لا يمكن تخيلها وعانين منها حتى استطاعت بعضهن الفرار، حتى استطاع باور التحدث إليهن فى يوليو 2015، وفى يناير 2016. كذلك يوثق الأمور بصورهن التى التقطها المصور الفوتوغرافى «أندى سبيرا».
وفي الكتاب تروي سعدية وتالاتو، وهما أم وابنة، عن حياتهما قبل وأثناء اختطافهما من قبل بوكو حرام وبعد الاختطاف؛ وهى حكاية مشابهة لحكايات آلاف النساء اللاتى ساقتهن الميليشيات المسلحة إلى غابات سامبيسا عبيدا بعد أن هاجمت القرى التى يعشن فيها. قبل ذلك كانت سعدية الأرملة تبيع كعكا فى إحدى محطات الحافلات فى دوهو، وكانت ابنتها تالاتو تحلم بأن تصبح طبيبة؛ فى الغابات نفسها ظلت بتولا ذات الواحد وأربعين عاما هى وابنتها رابى طوال أشهر فى قبضة الإرهابيين، عندما احتلوا قريتهما، واضطرت الاثنتان لمشاهدة رجال القرية يذبحون.
وبعد أن ساقهما الإرهابيون إلى غابة سامبيسا زوجوهما قسرا واغتصبوهما؛ حيث أصدر أمير الجماعة المقيم فى سامبيسا، أبو بكر شيكاو أوامره بمعاملة النساء بوحشية والإساءة إليهن. كن هن أيضا بجوار التلميذات اللاتى اختطفتهن بوكو حرام عام 2014 من شيبوك -واللاتى شغلت حالتهن العالم مع نداء «أنقذوا بناتنا»- بينما كانت الحركة تقوم بتلقينهن تعاليمها وتعين عليهن إعطاء النساء الوافدات دروسًا فى تعاليمها.
بين صرخات أولئك النساء، استعرض باور قصة نشأة الجماعات الإرهابية المتطرفة وخلفياتها الاجتماعية السياسية،والجماعة التى يسميها العالم «بوكو حرام»،والتي تنشط فى نيجيريا. الكاتب الألماني فولفجانج باور ولد فى عام 1970، يعمل فى صحيفة "دى تسايت" واسعة الانتشار فى ألمانيا. وتقديرا لتقاريره المتميزة، حصل على جائزة وسائل الإعلام الكاثوليكية وجائزة "بريكس بايو - كالفادو" الصادرة عن صحيفة "دى جيرو". ترجمت له العربى للنشر والتوزيع كتاب "هاربون من الموت" عام 2016، وقد نال عنه جائزة "ريمتيزما" لحرية الصحافة فى العام نفسه. نُشرت النسخة الألمانية منه بعنوان "عبر البحار".