تواصل «الشروق» على مدار شهر مارس، تذكير قرائها بنخبة مختارة من الأغاني والقصائد الوطنية التي أنتجتها عقول شعراء وفناني مصر الرواد، بالتزامن مع ثورة 1919 أو تفاعلاً معها أو مواكبة لمطالبها وشعاراتها، بهدف إلقاء الضوء على أشكال مختلفة من إبداعنا منذ 100 عام ورصد الآثار الكبيرة للثورة على الفن والأدب في مصر. •••••••••••• كانت وفاة فنان الشعب مفاجأة صادمة لكل من أحبوه؛ إذ توفي شابا عمره 31 عاما وشهور قليلة، وهو في ذروة مجده، وقمة عطاءه الفني وتوهجه الإبداعي، بعدما عبر عن مطالب وأحداث ثورة 1919، التي فجرت طاقاته الإبداعية، بأناشيد وطقاطيق وادوار وألحان مسرحية باقية في وجداننا حتى اليوم. وأكبر دليل على عطاءه الذي لم يتوقف ليوم وفاته، أنه عندما توفي في الإسكندرية كان ذاهبًا لها في الأساس لاستقبال الزعيم سعد زغلول من منفاه في سبتمبر 1923 بنشيد «مصرنا وطننا» الذي أعده مع بديع خيري، ليظل اللحن باقيًا بعد رحيل صاحبه. تفوت الأعوام بعد رحيل الشيخ سيد، وفي جلسة لتأبينه، يبدو من تسجيلها أنها تعود للإذاعة المصرية في خمسينات القرن الماضي، حضرها زكريا أحمد وألقى دور ضيعت مستقبل حياتي في هواك للشيخ سيد. كما ألقى بديع خيري رفيق درب سيد درويش كلمات مؤثرة عنه، عبر له فيها عن مدى فقدانه له، وافتقاد الوطن لألحانه، وأن لا شيء يوصفه ويوصف فنه، وقد تكون ثورة 19 أجدر على وصفه لما له فيها من تأثير، ويخبر بديع سيد بأن ألحانه أصبحت خالدة متمنيا لو كان العمر يسعف صديقه ليرى مصر بعد أن أصبحت جمهورية.
الكلمات: لو نسيت روحي يجوز أنا أنسى روحي انما سيد لا انساه يوم في عمري كل ذكرى تمر بتفتح جروحي من جديد والناس بتستعجب لأمري إذ لاقوني بنوح صعب عن كل نوحي واتوصفلي الصبر لكن عز صبري ايه يا دنيا إن كنتي تيجي أو تروحي هو عاد فيكي أمل أشردله فكري؟ يسألوني توصفه بايه بعد موته قولت هو اللي وصف نفسه بنفسه أسألوا ألحانه تنطق في سكوته أسألوا اللي عمرهم بعده ما ينسوا أسألوا اللمحة اللي لا يمكن تفوته إلا ويصورها من قلبه وحسه أسألوا ثورة 19 وصوته لما جلجل والعدو في أشد بأسه مين يا سيد عاش لفنه عاش لفنه ومات لفنه زيك أنت ومين سهر فيه الليالي كل معنى في الحياة عبرت عنه بالنغم تعبير حقيقي مش خيالي والنغم يالا العجب طاوعك كأنه ريشة بالألوان بترسم رسم غالي لما سموك بحر صدقوا البحر منه الدرر يستخرجوها واللآلئ روحت في عمر الزهور ولا ايش غريبة هو امتى الورد كان له عمر دايم لو متدبلش الزهور أهي دي العجيبة والحياة ايه غير منام يحلمه نايم ياللي أوطانك إليك كانت حبيبة وانت مغرم في محاسنها وهايم ابتعد جسمك لكن روحك قريبة مننا وفي الجنة فايز بالنعايم كان منايا لو بأيدي أطول منايا يتوصل عمرك بعهد الجمهورية تحصد اللي زرعته وتشاهد معايا سحر ألحان صغتها وكانت قوية للنهارده بينشدوها وهي آية من آيات المقدرة والعبقرية كام وكام أفضل أعددلك مزايا ذكرياتها عزيزة يا سيد عليا إحنا أحوج ما نكون اليوم لفنك والعرب كتلة متينة في اتحادها كان نصيبها ايه نشيد وجدان منك يتبارك به سعيها لوحدة بلادها أنت قوت أحسن جيوش من ضمن لحنك في الأمم هي جيوشنا في جهادها واللي ظنيته حصل ولا خبش ظنك تنتصر ولا ترهب الأساطيل قصادها تفتكرلك قد ايه اسكندرية يا ابنها المخلص وبلبلها واللي شادي قدمت في شخصك الغالي هدية للوطن كله وأنعم بالمهاني اتولد في أرضها وشوفت المنية في ترابها وكنت بهجة كل نادي خادم الأمة له الامة وافية وأهي أحيت حفل ذكراك الليلادي يا مثل أعلى يا قدوة في التفاني يا رسول كانت رسالته فن راقي يا مجدد في المسارح والأغاني أنت مجدك ع الزمان خالد وبباقي مهما أنظم مش هتسعفني المعاني التمسلي العذر في شدة فراقي ايه بياني جنبك أنت؟ عجز بياني.. انتظرني في اللقا يوم التلاقي ***************************** كما يرثيه أحمد شوقي في ذكراه عام 1931 فيقول: بلبل إسكندري أيكه.. ليس في الأرض ولكن في السماء هبط الشاطىء من رابية.. ذات ظل ورياحين وماء يحمل الفن نميرًا صافيا.. غدق النبع إلى جبل ظماء حل في وادٍ على فسحته.. عزت الطير به إلا الحداء يملأ الأسحار تغريداً إذا.. صرفَ الطيرَ إلى الأيكِ العشاء ربما استلهم ظلماء الدجى.. وأتى الكوكب فاستوحى الضياء ورمى أُذنيه في ناحيةٍ .. يخلس الاصوات خلس الببغاءْ فتلقّى فيهما ما راعه .. من خفيِّ الهمس أو جهر النداء أيها الدرويش قم بث الجوى .. و اشرح الحب و ناج الشهداء اضرب العود تفه أوتاره .. بالذي تهوى و تنطق ما تشاء حرك الناي و نح في غابه .. و تنفس في الثقوب الصعداء و اسكب العبرة في آماقه .. من تباريح و شجو و عزاء و اسم بالأرواح و ارفعها إلى .. عالم اللطف و أقطار الصفاء سيد الفن استرح من عالم .. آخر العهد بنعماه البلاء ********************************** وبينما كان الشاعر الزجال بيرم التونسى في منفاه، كتب قصيدة في رثاء سيد درويش، وعندما حلت الذكرى ال41 لرحيل موسيقار الشعب نشرتها مجلة صباح الخير في عام 1964، قال فيها: اتعد يومك واتحسب... من مهرجان الأدب فيه القصائد والخطب... ترن لك مطنطنة يومك مخلد للأبد... والناس عيشتها بالمدد ربك خالقهم للهدد... وأنت خالقك للبنى والناس بتبنى مجدها... لكن لها ولشلها وأنت كنوزك كلها... خلفتها لنا كلنا يبنوا المفاخر بالحجر... ويزولوا همه والأثر وضربة منك ع الوتر... على الزمان متسلطة كنا همل بين الأمم... لولا الهرم والكام صنم خلينا ننطق بالنغم... وتقول لهم مين زينا وتقول لهم ببغددة... في الفن مصر السيدة مايكونش أحسن من كده... أنغام وروح متلحنة أهات كثيرة سمعتها... وأنت عشقت وقلتها آه من الفؤاد طلعتها... حسيتها من قلبى أنا الجاحد اللي يجحدك.. مغرور إذا كان يحسدك ليه بس لما يقلدك.. يقول أنا رب الغنا شوف محفلك لما انفتح.. بمغنتك أصبح فرح وكان يدور فيه القدح.. لو كنت يا سيد هنا اتعد يومك واتحسب... من مهرجان الأدب فيه القصائد والخطب... ترن لك مطنطنة وهي القصيدة التي ألقها وسجلها الشاعر نجيب سرور فيما بعد: ***************************** كما رثاه فؤاد حداد، بالرغم من أنه لم يعايش الشيخ سيد ولم يعمل معه، ولكنه تأثر بفنه مثل كثيرين، فيقول: مين اللي فنان بحق سر الصبا و الحنين قلب الزمان اللي دق ريشة في ايده اليمين مين الأشد الأرقّ على المحبة أمين شعاع من الفجر شق يكافئ السهرانين و كان في نية بلدنا من سنين و سنين و أمل في حضن السما و عرق بيسقي الطين و هلال مع الطير يوالي الخير على الفدادين و البحر حط المراكب بالحنان الواجب ع المينا يا اسكندرية كان بيقصد مين الموج بيضرب بيضرب الايام تقرب تقرب أسمع بلادي بلادي تعرف قلوب مصر ماشية العصر و السكة و الشمس نازلة تغرب الشمس طالعة تنادي على بيت في كوم الدكة نفرش تلات عتبات و نفرق الشربات تطلع معاك الضحكة زغروطة من ألف جيل آه يا المعلم بحر صبح صباحنا جميل صبح أملنا نبات قادر يشق الصخر من كتر شوق النيل قادر يلاغي الزهر من طاقة المواويل و من اكتمال الصبر طافت عليه و يطوف على البلاد من حواري و من زقق و عطوف يخطر في باله النغم يلقى النغم مقطوف …. الله يشاء تجتمع في مهجته العشاق وارث فوارس و عتالة و مراكبية سيد الرجال على مينا شرقية عرب المشايخ و الصنايعية كانت حياته جلالة و هدية و كان ياسين بيرد يا بهية ما تصدقيش غيره يقول لك لأ ماتصدقيش غير اللي فنان بحق أسمر وجيه اللون و فيه شبه من اربعين مليون و في ايده حنة و ريشة و مسطرين و سلاح كان مصري كامل و كان عامل و كان فلاح و كان سيد، و كان درويش و كان واحد، و كان الكل وغدا حلقة جديدة...