رغم أن وزن يوري جاجارين لم يكن يتعدى 68 كيلوجراما، وطوله لم يكن يزيد على 65ر1 متر، فقد حقق انتصارا هائلا للاتحاد السوفيتي (السابق). وكان جاجارين شخصية تتمتع باللياقة وروح الفكاهة والمظهر الحسن، بحسب ما ورد في وثيقة عسكرية كُتبت عنه قبل بضعة أشهر من قيامه برحلته الأسطورية إلى الفضاء. وفي عام 1961، صار رائد الفضاء الشهير أول إنسان يدور حول الأرض، مما حجز له مكاناً خالداً في كتب التاريخ، إلا أن رحلة أخرى قام بها بعد سبع سنوات كانت هالكة. لو أن جاجارين كان على قيد الحياة حالياً، لصار عمره خمسة وثمانين عاما. ويعد رائد الفضاء صاحب ابتسامة الانتصار، رمزا وطنيا في روسيا حتى اليوم، رغم مرور أكثر من 50 عاما على وفاته المفاجئة. واختارت وكالة الفضاء الروسية "روسكوسموس"، يوم ميلاد جاجارين لتعلن أن سائحي الفضاء سيتمكنون في المستقبل من الدوران حول الأرض مثلما فعل هو، رغم أن متحدثاً باسم الوكالة قال إنه لا أحد يعرف متى سيحدث ذلك بالفعل. وفي 12 من أبريل من عام 1961، قام جاجارين - الذين كان في ذلك الوقت قائد طائرة حربية يبلغ من العمر 27 عاما - بلفة واحدة حول الأرض في 108 دقائق. ولدى عودته، نظمت موسكو استقبالا مميزا له حيث صار مثالا لبطل اشتراكي، وحتى بعيدا عن حدود الاتحاد السوفيتي، كان أول نجم شعبي للكتلة الشرقية الشيوعية. وقد تم إطلاق اسمه على العديد من الشوارع، كما حل ضيفاً في الكرملين. وبالنسبة للاتحاد السوفيتي، كان الانجاز علامة فارقة حيث تم الاحتفال به وكأنه انتصار للشيوعية على الرأسمالية. وقبل جاجارين، كان السوفيت أرسلوا الكلبة "لايكا" إلى الفضاء في عام 1957، والتي كانت أول كائن حي من كوكب الأرض يطير إلى الفضاء. وفي عام 1965، صار رائد الفضاء أليكسي ليونوف أول إنسان يترك كبسولته الفضائية ليسير في الفضاء. وفي عام 1971، بدأ تشغيل أول محطة فضاء دائمة، وهي "ساليوت 1". وكان الأمريكيون صاروا في عام 1969، أول من يهبط على سطح القمر. ومثل جاجارين ضربة حظ بالنسبة لجهاز الدعاية في الاتحاد السوفيتي. ويقول "ماتياس أول"، من المعهد التاريخي الألماني في العاصمة الروسية موسكو عن رائد الفضاء الذي وُلد في عام 1934، لاب يعمل بالنجارة وأم من الفلاحين: "كان يبدو ودوداً للغاية، وكانت حوله هالة إيجابية، وهو أمر غير مألوف تماما بالنسبة للناس في روسيا". وكتبت صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" الروسية بمناسبة عيد ميلاد جاجارين، إن الجميع رأوا ابتسامته الأسطورية، مضيفة: "أهمية هذا الشخص المتواضع واللطيف تتجاوز أي حدود جغرافية أو سياسية". وفي روسيا، هناك مجاملة منتشرة بين المواطنين، حيث يقال للشخص الذي يحرز تقدماً على آخرين: "أنت جاجارين!". ويدعو متحف في سمولينسك، المنطقة التي ولد بها جاجارين في غرب روسيا، الجمهور في الوقت الحالي إلى رسم صور وانتاج مقاطع فيديو تجسد الابتسامة النموذجية لجاجارين، حيث سيتم فيما بعد نشر الصور على وسائل التواصل الاجتماعي. كما أن هناك أيضاً الكثير من أوجه الاحتفال بإحياء ذكرى جاجارين في روسيا على مدار العام الحالي، حيث وصفت إحدى المحطات الإذاعية رحلته الفضائية بأنها "واحدة من أكثر الأحداث إثارة وبهجة في القرن العشرين". وباستعادة الاحداث، يدرك المرء كيف كانت الرحلة عملا بطوليا محفوفا بالمخاطر. وتقول إحدى قريبات جاجارين، وتدعى تامارا فيلاتوفا، لصحيفة "كومسومولسكايا برافدا": "تم التحفظ على سرية كل شيء. كنت اعتقد أنه طيار اختبار (للطائرات)". وكان جاجارين قد كتب لوالدته ليقول لها إنه يرغب في القيام برحلة طويلة، وعندما سمعت أن ابنها هو الذي طار إلى الفضاء، قفزت في القطار التالي إلى موسكو وهي في ملابسها المنزلية والنعال. ولدى روسيا دوما خطط طموحة في مجال الفضاء، ولا عجب فهي الدولة الوحيدة حتى الوقت الحالي التي يمكنها نقل أفراد الطاقم إلى محطة الفضاء الدولية. ومن المقرر أن يتم في منطقة "نيزني نوفجورود"، إلى الشرق من موسكو، إقامة أول "كوزمودروم" ذو ملكية خاصة، وهو عبارة عن موقع سيتم فيه إطلاق صواريخ لنقل السائحين الذين يدفعون أموالا طائلة إلى الفضاء، ليروا الكوكب من عل. وابتكر جاجارين مصطلح "الكوكب الأزرق" ليصف الأرض، ولكن في السنوات التي تلت رحلته الرائعة، انتشرت الاحاديث حول إفراطه في تناول الفودكا وعلاقاته النسائية. وفي 27 من آذار/مارس 1968، تحطمت طائرته الحربية التي كانت تقوم برحلة تجريبية خارج موسكو. وأقيمت له جنازة رسمية، وتم رش رماد جثته داخل جدران الكرملين. وقد ظهرت كثير من الأساطير حول سبب تحطم الطائرة، حيث يقول المؤرخ "ماتياس أول": "أعتبرها قضية مغلقة". وقد أدت قلة الخبرة في الطيران، والظروف الجوية السيئة، بالإضافة إلى عدم مراعاة احتياطات السلامة، إلى اصطدام طائرة جاجارين بمنطاد. ولكن السوفيت أرادوا للحادث أن يحاط بسرية شديدة، حيث يقول "ماتياس أول": "لم يريدوا أن يصدقوا أن أول رائد فضاء لم يكن طيارا ماهرا".