فوزية: «ما ينفعش أطلب ميراث علشان إخواتى مايقاطعونيش».. وأم أحمد: «البنت اللى بتشتكى أخوها بيقولوا عليها فجرت».. وتهانى: «أمى اختارت تدخل جهنم بس إحنا ما نورثش».. ووكيل وزارة الأوقاف: حرام شرعا.. والمجلس القومى للمرأة: موروث اجتماعى خاطئ ويُحرض على العنف «كفاية جهازك واللى خدتيه.. إنت عايزة تدخلى زوجك على إخواتك.. ولادك ما بيشلوش اسم العائلة» تلك العبارات وغيرها تكون الرد على معظم السيدات فى محافظة الشرقية حين يقمن بالمطالبة بميراثيهن، سواء من جانب «الأب أو الأم أو الإخوة الذكور». عادات وموروثات اجتماعية تكبل أغلب السيدات والفتيات فى محافظة الشرقية فى سبيل حصولهن على ميراثيهن الشرعى من الأطيان، مرتبطة بأسباب واهية.. «الشروق» سعت إلى مناقشة تلك «الظاهرة» من النواحى الاجتماعية والدينية والإنسانية، لمعرفة أسبابها وسبل مواجهتها. البداية، مع «فوزية.م» ربة منزل، من قرية «حانوت» التابعة لدائرة مركز أولاد صقر والتى تحدثت ل«الشروق»، قائلة: «تعرضت لظلم على يد والدى قبل أشقائى الذكور، أبويا مات منذ 10 سنوات، لكن قبل ما يموت كتب الورث لأشقائى الذكور ومكتبش حاجة للبنات، وإخواتى وافقوا بكده ومهمهش شرع ربنا وقسموا الأرض والبيوت اللى سابها أبويا على بعضهم وبس». وأضافت: «كل اللى فضل لينا مواسم زيت وسكر وفراخ وحلاوة مولد النبى كل سنة يجيبوها وخلاص.. البنت بتخاف تزعل إخواتها الرجال ومينفعش تطلب ميراث علشان ما يقاطعوهاش، وهما فى الآخر سندنا وقت الفرح والحزن، لكن الورث حقنا عند ربنا بقى». «ميسرة.ال» الشهيرة ب«أم أحمد» ربة منزل خمسينية، من قرى «بحطيط» التابعة لدائرة مركز ومدينة أبوحماد، والتى توفى الدها قبل نحو خمسة سنوات، وترك ميراثا كبيرا لخصته السيدة فى عبارة موجزة: «ساب لنا بيوت وأطيان ومزارع مواشى، وإحنا 3 إخوات ولد وبنتين»، قبل أن تشير بأصابع الاتهام إلى شقيقها، والذى استحوذ على جميع الممتلكات التى تركها والده لنفسه ولم يعطِ شقيقاته شيئا. تطور الأمر بين الإخوة الثلاثة إلى خلافات ومشاجرات انتهت بمناقشة الأمر على مرأى ومسمع عامة الناس، وفق ما توضحه أم أحمد: «حصلت بيننا مشاكل وأخويا مرضيش يدينا حقنا اللى شرع ربنا حكم به، وآخر ما غلبنا روحنا لكبار البلد وعملنا جلسة عرفية، لكنه مرضيش يدينا حقوقنا برضه وفضل يتهرب، لدرجة إننا قولنا له مش عايزين حقنا لا فى بيت ولا مزرعة بس إدينا حقنا فى الأرض، حتى لو كل واحدة قيراط. وأردفت: «كان بيقول حاضر ويهاودنا وخلاص من غير ما ينفذ، رغم إن ربنا وحده اللى عالم بظروفنا وحوجتنا، وكان كل ما يشوفنا يقول مينفعش أديكم الأرض علشان ماتدوهاش لواحد غريب»، مشيرة إلى أن شقيقها أصابه المرض فجأة قبل نحو سنة ونصف السنة، وأمر الأطباء باحتجازه بمستشفى «الزقازيق» الجامعى لحاجته للعلاج، وأنه لما زارته وعدها إنه «لو ربنا نجاه هيدينا حقنا». وأكملت ل«الشروق»: «بعد أن شفى.. نقض عهده لما أنجاه الله وأصر على رأيه الأول بعدم إعطائها وشقيقتها الميراث الحق لها»، مستطردة: «ربنا معوضنا ببركة فى صحتنا وعيالنا، ومينفعش نشتكى بعض فى المحاكم لأن اللى بتعمل كده بيقولوا عليها فجرت». «تهانى.ع» من مدينة القنايات حكت ل«الشروق»، معانتها، قائلة: «أبويا مات من زمان ومكتبش لحد حاجة، وإحنا بنتين و5 ولاد، لكن أمى وزعت الورث على إخواتى الولاد ومارضيتش تدى للبنت حاجة»، موضحة أنها وشقيقاتها حاولنَ الاستفسار عن تصرف والدتهن، لكن الرد كان مصيبة أكبر على حد وصفها: «لما سألناها قالت لنا أنتم مش اتجهزتوا عايزين ايه تانى، عايزين تاخدوا الورث تدوه لأزواجكم وتدخلوهم على إخواتكم.. ميراثكم اخدتوه فى الجهاز وخلاص». تهانى وشقيقاتها لم يجدن بُدا من محاولة إيجاد من يمكنها التأثير على الأم ومحاولة إثنائها عن تعنتها فى رأيها، لكن الطريق لم يكُن مفروشا بالورود، حيث لجأنَ إلى سيدة ذات منصب بالمنطقة ويهابها الجميع، لكى تُقنع والدتهن، لكن بعد محاولات عديدة لإقناعها بأن الحرمان من الميراث جريمة وأن الله سيحاسبها على ذلك، ردت الأم: «عادى أدخل النار وأتقلى فيها لكن مش هتاخدوا شبر من بيت ولا أرض». وكيل وزارة الأوقاف بالمحافظة، قال ل«الشروق»: «لا يجوز لأحد أن يحرم المرأة من ميراثها الشرعى لأن الله سبحانه وتعالى أوجب لها الميراث فى قرآنه الكريم»، منوها بأن حرمان الأنثى من ميراثها حرام فى الشريعة الإسلامية، وأن الشرع يوجب على الأسرة والإخوة الذكور إعطاء الفتاة ميراثها الشرعى، مع وصلها وعدم قطع علاقة الرحم. وأوضح أن هناك بعض الأسر تُعطى البنت ميراثها، لكن بعد ذلك يقومون بمقاطعتها عقابا على طلبها الميراث، قبل أن يوضح وكيل وزارة الأوقاف بالشرقية، إنه كتب ميراثه لأبنائه الذكور والإناث فى حياته، بحسب الشرع خوفا من حدوث خلافات بينهم فيما بعد. من جانبها، أوضحت عايدة عطية، مقررة فرع المجلس القومى للمرأة بمحافظة الشرقية، أن هناك أسرا تنظر للمرأة نظرة دونية وتعتبرها أقل من الرجل، حتى أن ذلك يظهر جليا فى عدم المساواة بين قيمة الاثنين فى المجتمع المحيط، تبعا لأن «ولادها ما بيشلوش اسم العائلة». وشددت عايدة، ل«الشروق» على أن حرمان الفتاة من الميراث يُعد أحد مظاهر العنف ضد المرأة، خاصة بالمجتمعات الريفية، والتى يحرص أغلب أهلها على عدم توريث الإناث، حتى أن أغلبهم إذا ما ورثت البنت «يعطوها قرشين وخلاص ويستحوذوا على ميراثها من غير ما يدوها حق فى بيت ولا أرض، والبنت طبعا ما تنفعش تشتكى أهلها فبتقبل وترضى بالأمر الواقع». وأردفت: «هناك أسر لو أعطت للبنت ميراثها تشترط عليها ما تدخُلش عليهم تانى ويقطعوها، وفى بعض الأحيان بيتم زواج الفتاة كرها عنها من أحد أفراد العائلة علشان الورث ما يخرُجش بره العائلة»، مؤكدة أنها اكتشفت خلال حملات «طرق الأبواب» والندوات التى يعقدها المجلس لمحاربة ظاهرة العنف ضد المرأة، اكتشفت أن بعض أسر بالريف لا تُعطى للبنت نصيبا من اللحوم أو الفراخ فى الوجبات، بدعوى أن الولد هو الذى يعمل ويتعب وليس الفتاة، وهو ما يؤثر على صحتها وتكوينها الجسمانى بالسلب. وقالت أمل سليمان، عضو المجلس القومى للمرأة بالشرقية، إن حرمان الفتاة من الميراث يُعد موروثا اجتماعيا منتشرا بصورة كبيرة بين مُختلف القطاعات، خاصة المناطق الريفية، حيث إن هناك أسرا تكتفى بتجهيز البنت وزيارتها فى المواسم الدينية فقط، دون إعطائها ميراثها الشرعى، فى مخالفة للدين الإسلامى، والذى حدد حق المرأة فى كل أوضاعها سواء كانت أختا أو عمة أو ابنة. وأوضحت أمل، أن أغلب من يتبعون هذا النهج يعتقدون أنه إذا تم إعطاء البنت نصيبها فى الميراث ستُعطيه لزوجها، وهم لا يرغبون فى إدخال أحد غريب عليهم، مضيفة أن بعض الأسر إذا ما أعطت البنت ميراثها، يكون بشرط أن يشترى الأخ نصيب أخته، وهو ما يكون بثمنٍ بخس أقل بكثير عن ثمنها الأصلى. وأوضح على سلطان، عمدة قرية «العدلية» التابعة لمركز ومدينة بلبيس، والذى يُعد أشهر القضاة العرفيين ممن يتم الاستعانة بهم للعمل على حلول مشاكل القرية أو فض النزاعات، أنه حضر أكثر من جلسة لبحث مشكلات فتيات لم يأخذن نصيبهن من الميراث، قبل أن يذكُر أبرز تلك الجلسات، والتى كانت لأب ترك ميراثا يقدر ب15 فدانا ل 6 من الأبناء، 3 ذكور و3 بنات، إلا أنه أوصى بأن تأخذ كل واحدةٍ من بناته 50 ألف جنيه فقط، وهو ثمن بخس بالمقارنة بسعر الأرض، إلا أن القاضى وقتها حكم بتنفيذ الوصية، وعنها يقول: «دى وصية والدها وهوَ اللى هيتحاسب». واستشهد القاضى العرفى بأن هناك بعض الأهالى يتركون وصية مكتوبة لبناتهن بأن يأخذن أموالا بدلا من نصيبهن فى الأراضى أو البيت، لكن أشقائهم يُبدلون الوصية بإعطاء البنات أموالا أكثر من المكتوبة فى الوصية، والتى تكون أقل بكثير من حقوقهن، إلا أن ذلك يتم بالتراضى فيما بينهم، موضحا أن من يرفض إعطاء البنت ميراثا يتبع عادات قبلية منذ سنواتٍ طوال، اعتقادا منهم بأنها ستُعطى ورثها لزوجها أو ما شابه.