تواصل "الشروق" على مدار شهر مارس، تذكير قرائها بنخبة مختارة من الأغاني والقصائد الوطنية التي أنتجتها عقول شعراء وفناني مصر الرواد، بالتزامن مع ثورة 1919 أو تفاعلاً معها أو مواكبة لمطالبها وشعاراتها، بهدف إلقاء الضوء على أشكال مختلفة من إبداعنا منذ 100 عام ورصد الآثار الكبيرة للثورة على الفن والأدب في مصر. ****************** خروج المرأة للتظاهر للمرة الأولى في تاريخ مصر يعد من أهم المظاهر التي صاحبت ثورة 1919، ومع سقوط أول شهيدة برصاص الإنجليز يزداد الحماس الوطني عند كل المصريين، وإصرارهم على مطالبهم، وعلى رأسها جلاء المحتل البريطاني. وبما أن هذه الثورة صاحبها تحرك فني لا تقل قيمته وتأثيره عن التحرك السياسي، تأتي أهمية المطربة منيرة المهدية «سلطانة الطرب» في هذه الفترة، وهي أول سيدة مصرية تقف على خشبة المسرح كممثلة، متحدية تقاليد زمنها التي كانت تحرم على المرأة التمثيل على المسرح، وكذلك تحدت الإنجليز بدعمها لثورة 1919. استغلت منيرة حب الناس لها وضعف الإنجليز والحكومة أمام شعبيتها وقدرتها على الاتصال بمختلف طبقات المجتمع من سياسين وصحفيين وأدباء داخل مصر وخارجها؛ حتى أن الاحتلال اضطر إلى استثناء المقهى الخاص بها بحي الأزبكية «نزهة النفوس» من قرار إغلاق المقاهى فى أعقاب الحرب العالمية الأولى. وتتجلى قدرتها على تحدي الإنجليز وحشد الجماهير للتظاهر ضدهم، من خلال توظيف مسرحها للحركة الوطنية، وكان الوطنيون الأحرار يجتمعون فيه ما أثار غضب السلطات البريطانية، حتى قيل: «هواء الحرية في مسرح منيرة المهدية». كذلك تحدت منيرة قرار السلطات البريطانية بسجن وجلد كل من يتلفظ باسم سعد باشا، لتخرج وتغني طقطوقة «شال الحمام حط الحمام.. زغلول وقلبي مال إليه» التي كتبها يونس القاضي، ولحنها محمد القصبجي في عام 1920، وبالرغم من المورابة التي اعتمد عليها القاضي في كلمات الطقطوقة، إلا أن معناها يكاد يكون واضحًا لكل من يسمعها وأن المقصود بها زعيم الأمة سعد زغلول. كلماتها: شال الحمام حط الحمام من مصر السعيدة للسودان زغلول وقلبى مال إليه أنده له لما احتاج إليه يفهم لغة اللي تلاغيه وأقول حميحم يا حمام عشق الزغاليل غيتي وحبهم من قسمتي والناس كمان يا فرحتي مالناش عوازل في الغرام ييجي يإيدي أطوقه وبين شفايفي أزققه وبوسة واحدة تشبعه ومع النديم يحلى المدام البدر ينظر من سماه ويحسدوه على علاه وان كان يغيب ألعب معاه شال الحمام حط الحمام يحيا سعد باشا ومع ازدهار الحركة الوطنية واستسلام الإنجليز لها، بدأت «سلطانة الطرب» تغنى أغانى أكثر وضوحًا ووطنية تحث بها الناس على الدعوة إلى الاستقلال والعمل السياسي، مثل «مصر الجميلة»، «إن كنت فى الجيش»، «مارش البرلمان»، «مصر الجديدة». وغدا حلقة جديدة......