منذ العصر الفاطمى وتمثل خيمة رمضان أحد الملامح الثقافية للشهر الفضيل وكان اسمها (بيت الشعر) ويحضرها رموز الفكر والثقافة والفن إلى جانب حلقات الذكر والتواشيح الدينية والأكلات الشعبية. من النجوم الذين لمعوا فى الخيمة، سلطانة الطرب «منيرة المهدية» تلك الظاهرة الفنية المحيرة فى تاريخها وإنتاجها وكانت السلطات الانجليزية تعمل لأناشيدها ألف حساب، خاصة التى غنتها عن سعد زغلول بالرمز مثل «شال الحمام من مصر للسودان زغلول» و«قلبى مال إليه.. أنده له لما احتاج إليه» ومن أغنيات الرمز عند سلطانة الطرب ما لحنه لها سيد درويش فى روايتها «التالتة تابتة» ومطلعها «يا مصرى اسمع نصيحة تنفع.. مالك وكسبك يقوى قلبك.. لو تعطى قرشك لابن جنسك.. بكره يجيلك ويبات فى جيبك.. وإن راح لغيره عمره ما يجى» كما لحن لها فى فى نفس الرواية «يا بويا ادينى عقلك.. الأجنبى بده ياكلك» وغنت «صابحة الزبدة» فى رواية «كلها يومين» وهى لرمز للفلاح المصرى.. وفى مسرحية «الأميرة الهندية» غنت للجيش المصرى «مين يا عساكر جاى وفاكر.. يقدر يرتاح ليلة تكليفه.. قاعد صاحى نايم إيده تمللى فى قبضة سيفه» وغنت «زى جيشك ما تخلقش فى الوجود.. يا مصر يا وش السعود.. بر ولا بحر مرفوع لك عبود.. الغزالة حضرتك واحنا الجنود». ومن الغريب أن سلطانة الطرب بنت محافظة الشرقية التى تمتعت بحس وطنى عال، فقد انزلقت فى أغانٍ أخرى إلى مستوى هابط من نوعية «بعد العشا يحلى الهزار والفرفشة» و«ارخى الستارة اللى ف ريحنا.. أحسن جيرانا تجرحنا» وأغنية أخرى بعنوان «إن كنت تايه عن بيتنا» وهى أقرب إلى كليبات البورنو فى قلة الحياء والخروج عن الآداب العامة ومن أغنياتها أيضًا فى هذا المستوى «أحب استلطف وألاغى». كان حسين رشدى باشا رئيس وزراء مصر واحدا من جمهور سلطانة الطرب يتردد على مسرحها «نزهة النفوس» فى شارع عماد الدين بالقاهرة، وكان يزورها فى عوامتها الخاصة.. ومن أقواله لها (لما باجى عندك مخى بيروق) وأصدرت السلطات البريطانية قرارا بمنع التجمعات، فقرر رئيس الوزراء أن تجتمع الوزارة فى عوامة سلطانة الطرب واعتبر بعض المؤرخين أن هذا الاجتماع كان الشرارة الأولى لثورة 1919. كانت السلطانة تستثمر علاقتها برئيس الوزراء وتتوسط لديه لطلب العفو عن شاب ثائر هو محمود جبر، وكان زبونا دائما فى دار الحماية محبوسا، وعندما ضعف نفوذ رئيس الوزراء ذهبت السلطانة لدار الحماية بنفسها لطلب العفو عن محمود فسألها المعتمد البريطانى إن كانت تحب هذا الشاب، فأجابت بالإيجاب فوافق على الإفراج عنه بشرط أن تتزوجه فورًا فى دار الحماية.. وحصل. وفى حفل تنكرى قبّل رئيس الوزراء حسين رشدى يد السلطانة وقد لامه الملك فؤاد على ذلك، أما الموسيقار محمد عبد الوهاب الذى أعطته السلطانة الفرصة الأولى ليكون ملحنًا ومطربًا مسرحيًا.. عندما أسندت إليه تكملة تلحين مسرحيتها «كليوباترا ومارك أنطوان» بعد أن توفى سيد درويش ولم يكن قد انتهى من تلحينها، قال عبد الوهاب إن أحد رؤساء الوزراء كان موجودا فى عوامة السلطانة، وكان مبسوطا فشرب الخمر من حذائها! وسلطانة الطرب منيرة المهدية (1888 - 1965) هى صاحبة أول حالة خلع فى مصر، إذ أصرت على تحقيق هذا الهدف مع أحد أزواجها ولما تم غنت «من بعد 13 سنة.. ارتحت بعد التعب.. ولما يريد ربنا.. تيجى على أهون سبب»، أما زواجها من عثمان حسين أباظة فقد ظل فى نطاق السرية لأن أهله هددوه بالحرمان من الميراث ومع ذلك استمر ثلاث سنوات وأثمر عن ابنتها الوحيدة، وآخر أزواجها هو إبراهيم كمال وكان سكرتيرا لمصطفى النحاس باشا واستمر ربع قرن بعده تفرغت لتربية الحيوانات الأليفة مما دفع الأمير يوسف كمال لإهدائها شبلًا يتغذى على كيلو من اللبن يوميا، ثم أهدا أسدا فتخلصت منه واهدته إلى حديقة الحيوان بالجيزة. كانت منيرة المهدية ظاهرة فنية لا يستطيع التاريخ تجاهلها، فقد خلعت الحجاب وتزعمت حركة وطنية وكان المصريون يطلقون على مسرحها «هواء الحرية» لكنها هى أيضًا لم تعصم نفسها من الهبوط الغنائى، وكان موضة فنية لم يسلم منها أب الموسيقى العربية سيد درويش الذى غنى «وأنا مالى هية اللى قالت لى» و«فلفل إهرى يا مهرى» وللسلطانة فيلم سينمائى بعنوان «الغندورة» عرض عام 1935 وقصته مأخوذة عن إحدى مسرحياتها، كما أخرج عنها حسن الإمام فيلما عرض عام 1979 واحتجت عليه حفيدتها. كان صوتها أحد الملامح الرمضانية وعوامتها مقر مجلس الوزراء إنها سلطانة الطرب منيرة المهدية.