الرئيس السيسي يلتقي المدير العام لهيئة الدولة للطاقة النووية    الجبهة الوطنية: نؤكد أهمية خروج الانتخابات بصورة تليق بالدولة المصرية    وزير التموين يؤكد انتظام صرف الخبز المدعم بجميع المحافظات بصورة طبيعية    أبو عبيدة: عملية بيت حانون ضربة موجعة لجيش الاحتلال الهزيل ومعركة الاستنزاف مستمرة    المتحدث باسم الخارجية الإيرانية: طهران لم ترسل أي طلب للقاء الولايات المتحدة    فيضانات تكساس.. تبادل الاتهامات بين المسؤولين بعد تجاهل التحذيرات    مواجهات نارية في إفتتاح دوري المحترفين    شبانة: الدبيس ينضم إلى حزب عبد القادر ضد الأهلي    النيابة العامة تحقق في حريق سنترال رمسيس الرئيسي    الأرصاد الجوية تحذر من الرطوبة المرتفعة: تقارب ال90% بالقاهرة    فيلم "أحمد وأحمد" يواصل تصدره شباك تذاكر السينمات    «هتضحك معاهم من قلبك».. 4 أبراج يُعرف أصحابها بخفة الدم    تفاصيل برنامج ندوات المهرجان القومي للمسرح المصري في دورته ال 18    ضبط أدوية مغشوشة داخل منشآت صحية بالمنوفية    جارديان البريطانية : التهجير القسري للفلسطينين لمخيم فى رفح جريمة ضد الإنسانية    المصرية للاتصالات تنعي شهداء الواجب في حادث حريق سنترال رمسيس    الأورومتوسطي: إسرائيل تعامل سكان غزة كمحتجزين بمعسكر اعتقال جماعي    «النواب» يقبل استقالة النائبة أميرة صابر استعدادًا لترشحها لانتخابات مجلس الشيوخ    وزارة الطيران: إقلاع جميع الرحلات التى تأثرت بأعطال الاتصالات والإنترنت    ريبيرو يرفض رحيل رباعي الأهلي في الميركاتو الصيفي    رسميًا.. صفقة الأهلي "الحملاوي" ينضم إلى كرايوفا الروماني    وزير البترول: تنفيذ مشروعات مسح جوي وسيزمي لتحديد الإمكانات التعدينية فى مصر    تراجع أسعار النفط مع تقييم المستثمرين تطورات الرسوم الأمريكية    تحرك برلماني عاجل بعد توقف خدمات الاتصالات والانترنت وماكينات الصرافة بسبب حريق سنترال رمسيس    «الداخلية» تكشف ملابسات تضرر أحد الأشخاص من قائد سيارة «ربع نقل» بالقاهرة    طلب إحاطة بشأن حريق سنترال رمسيس    مصرع شاب بلدغة ثعبان أثناء عمله في أرض زراعية بالغربية    إزالة 10 حالات تعد على الأراضي الزراعية وأملاك الدولة في أسوان    بالصور.. رئيس جامعة دمياط يفتتح معرض مشروعات تخرج طلاب كلية الفنون التطبيقية    جبالي في نهاية دور الانعقاد الخامس: المجلس حمل أمانة التشريع والرقابة ويشكر المحررين البرلمانيين    شاهد أعمال الفنانة الدنماركية ليزا بعد اتهام مها الصغير بسرقة لوحاتها    فيلم المشروع x بطولة كريم عبد العزيز يتخطى ال131 مليون جنيه فى السينمات    وزير الإسكان يتفقد المنطقة الاستثمارية ومشروع الأرينا بحدائق "تلال الفسطاط"    اغتاله الموساد.. تعرف على أعمال غسان كنفانى أحد رموز الصمود الفلسطينى    قصور الثقافة تطلق ملتقى العرائس التقليدية في دورته الأولى بالقليوبية الخميس    ندوة بالجامع الأزهر تُبرز أثر المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في ترسيخ الوَحدة    رئيس الرعاية الصحية: تطوير المنشآت الطبية بأسوان وربط إلكتروني فوري للطوارئ    وكيل وزارة الصحة يتابع انتظام العمل بوحدات إدارة إسنا الصحية.. صور    طوارئ بمديرية الصحة في سوهاج لمتابعة تداعيات حادث حريق سنترال رمسيس    استمرار تلقي طلبات الترشيح في انتخابات مجلس الشيوخ بشمال سيناء    وزيرة البيئة تبحث مع السفير البريطاني بالقاهرة التعاون في مجال النمو الأخضر    الكشف عن سبب غياب "شريف والمهدي سليمان" عن تدريب الزمالك الأول    ننشر صورتي ضحيتي غرق سيارة سقطت من معدية نهر النيل بقنا    استشهاد 13 فلسطينيا فى قصف إسرائيلى استهدف منازل ومراكز إيواء فى غزة    طريقة عمل الكشري المصري بمذاق لا يقاوم    وزيرة التنمية المحلية تتابع عمليات إخماد حريق سنترال رمسيس    التقديم الإلكتروني للصف الأول الثانوي 2025.. رابط مباشر وخطوات التسجيل والمستندات المطلوبة    حريق سنترال رمسيس.. وزير التموين: انتظام صرف الخبز المدعم في المحافظات بصورة طبيعية وبكفاءة تامة    معلق مباراة تشيلسي وفلومينينسي في نصف نهائي كأس العالم للأندية    رغم غيابه عن الجنازة، وعد كريستيانو رونالدو لزوجة ديوجو جوتا    هشام يكن: جون إدوارد و عبد الناصر محمد مش هينجحوا مع الزمالك    رسميا بعد الزيادة الجديدة.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الثلاثاء 8 يوليو 2025    نتنياهو: إيران كانت تدير سوريا والآن هناك فرصة لتحقيق الاستقرار والسلام    أهم طرق علاج دوالي الساقين في المنزل    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : الفساد صناعة ?!    (( أصل السياسة))… بقلم : د / عمر عبد الجواد عبد العزيز    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : حالة شكر.""؟!    نشرة التوك شو| الحكومة تعلق على نظام البكالوريا وخبير يكشف أسباب الأمطار المفاجئة صيفًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وفي العام السادس والثلاثين من الحرب.. استشهد محمد السيد سعيد
نشر في الشروق الجديد يوم 15 - 10 - 2009

عندما وقع العدوان الثلاثى الغادر عام 1956 وقاومت بورسعيد ببسالة هجمات القوات البريطانية والفرنسية المعتدية بما جعلها مثالا للصمود فى التاريخ المصرى كان الطفل محمد السيد سعيد قد جاوز لتوه سنواته الست.
وعندما وقعت نكسة يونيو 1967 واحتلت قوات العدو الإسرائيلى سيناء كان محمد السيد سعيد لا يزال فى بورسعيد طالبا فى المرحلة الثانوية، حيث شاهد بعينيه كيف دمر العدوان الإسرائيلى مسقط رأسه مرة أخرى؟. وعندما تدافع طلاب جامعات مصر وفى مقدمتهم جامعة القاهرة للتظاهر ما بين عامى 1968 و1972 للاحتجاج على الهزيمة وحالة اللاحرب واللاسلم، كان الفتى الصغير فى قلبها وهو لم يكد يتجاوز أعوامه العشرين. وعندما عبر جنود مصر البواسل قناة السويس فى 6 أكتوبر 1973 ليحطموا أسطورة العدو الذى لا يقهر ويعيدوا الكرامة الوطنية الضائعة كان محمد ذو الأعوام الثلاثة والعشرين واحدا منهم. وعندما قبل الرئيس السادات قرار مجلس الأمن بوقف إطلاق النار فى 22 أكتوبر لم يكن الجندى محمد وهو يدفع الثمن الغالى الذى قدمه طائعا من أجل عودة الكرامة وتحرير الأرض يعرف لا هو ولا أحد آخر فى مصر أن الطلقات التى وجهها ورفاق سلاحه نحو قوات العدو ستكون هى الأخيرة وأن المدافع ستسكت بعدها لمدة ستة وثلاثين عاما حتى اليوم.
وبعد أن سكتت المدافع فى الحرب الوطنية الكبرى بأعوام أربعة عندما قرر الرئيس السادات الذهاب للقدس عام 1977 ثم وقع معاهدة الصلح مع العدو عام 1979 كان محمد الباحث الشاب النابغة بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فى الصف الأول من المعارضين الكثيرين لهذا النهج فى إدارة الصراع مع الدولة العبرية معتبرا إياه مهدرا ومضيعا لكل نضالات الشعب المصرى فى مواجهة الطبيعة العنصرية العدوانية لهذه الدولة. وعندما قام جيش هذه الدولة باجتياح لبنان وصولا إلى حصار بيروت عام 1982 اجتاح الحزن والقهر محمد وهو فى بعثته للدكتوراه بأمريكا فأصيب بقرحة مزمنة فى المعدة جعلته يتقيأ دما وكأنه يريد أن يشارك إخوته ورفاقه ضحايا العدوان نزف دمائهم على بعد آلاف الأميال منهم.
وعندما عاد محمد من بعثته ليواصل عمله بمركز الأهرام وإبداعاته الفكرية والبحثية واصل معها نضاله المتواصل من أجل وطن مستقل ومواطن حر يتمتع بالعدل الاجتماعى وحقوقه الأساسية الاجتماعية والسياسية، فبدأ مع رفاق قليلين من مختلف مدارس الفكر والعمل فى مصر تأسيس حركة حقوق الإنسان المصرية الوطنية التى ترسخت اليوم جذورها وتعددت وعلت أفرعها بفضل جهود كثيرين كان جهده الدءوب من أبرزها وأهمها. وخلال ربع القرن الذى قضاه محمد فى مصر بعد عودته من البعثة ظل إبداعه الفكرى المتشعب الغزير يتواصل فى مجالات متعددة ليتشابك مع نضاله الحركى المتواصل والمخلص من أجل استقلال الوطن والعدالة الاجتماعية والحقوق الأساسية لأبنائه، ليشكلا معا حربا حقيقية مستمرة بدا أن الجندى محمد السيد سعيد قرر أن يواصلها بعد أن فاجأه سكوت المدافع فى حرب أكتوبر 1973 العظمى التى كانت تمثل له تحقق كل هذا المعانى والأهداف التى ظل يبحث عنها ويبذل كل ما يملك من أجل تحقيقها.
سنوات طويلة، ست وثلاثون منذ سكوت المدافع فى أكتوبر وست وعشرون منذ عودته من البعثة، مضت ثقيلة مترنحة تجتاح فى طريقها كل ما ظل محمد صامدا يحارب من أجل الحفاظ عليه أو إقامته دون أن يهتز إيمانه العميق بالنصر فى النهاية فى أى لحظة من هذا الزمن الطويل.
ظل محمد ينتقل من معركة إلى أخرى فى هذه الحرب الطويلة وصلابة المثقف العضوى الحقيقى ابن الطبقات الوسطى والفقيرة تلازمه وتحميه من زيغ هنا نحو مكسب مادى أو انحراف هناك نحو منصب رسمى، ومعها سانده مراس الجندى المصرى القوى المصمم على تحقيق الأهداف النبيلة التى خرج من بيته وترك أهله لكى يحققها لهم ولوطنه الحبيب. طالت المعارك وتعددت على الوطن وشعبه وعلى محمد الذى ظل دوما فى الصفوف الأولى الفكرية والحركية فى جبهة القتال الشعبى والنخبوى المتواصل ضد الاستبداد والفساد وضياع حقوق المصريين الأساسية فى الداخل، واعتداءات العدو القديم الجديد إسرائيل على أشقائنا الفلسطينيين والعرب فى الخارج، وبينهما تهافت أداء مصر الرسمية فى الإقليم ومحيطها العربى بل تحالفها وتواطئها أحيانا ضد مصالح شعبها التاريخية وحقوق أشقائها القريبين.
ظل محمد يحتفظ طوال سنواته معاركة الكثيرة منذ أن سكتت المدافع، والتى هى جميعها معارك الوطن وأبنائه، فى قلبه وعقله وقلمه ولسانه بجرأة الجندى الذى حمل روحه مع رفاقه على أكفهم وانطلقوا فى أكتوبر العظيم يواجهون عدوا متفوقا عليهم بكل المعانى المادية والعددية. كان أعداء مصر شعبا ووطنا فى داخلها وخارجها الذين واجههم محمد ومعه شرفاء كثيرون معه فى معارك عديدة خلال تلك السنوات الطويلة منذ أن سكتت المدافع على ضفاف قناة السويس دائما متفوقون فى العدد والعدة، إلا أن درس أكتوبر علم الجندى المثقف المفكر المناضل أن هذا لا يعنى بأى حال أن النصر سيكون لهم أو أن عليه أن يتراجع أو يتوقف ورفاقه عن القتال الفكرى والسياسى والمدنى ضدهم، فظل يقاتل معهم دون كلل وليس أمامه سوى الوصول إلى إحدى الحسنيين: النصر أو الشهادة. وفى عاميه الأخيرين خاض محمد المثقف والمفكر والمناضل اليسارى الذى ظل وفيا لمدرسته دون جمود بل بإبداع نقدى وتطويرى هائل، معركته الأخيرة من أجل إعادة صوت هذه المدرسة المصرية الأصيلة إلى مكانه الطبيعى على الساحة المصرية الإعلامية، فأسس صحيفة البديل اليومية التى أعادت صوت اليسار إليها بعد أن ظن كثير من الناس وتمنى قليل منهم أنه اختفى منها إلى الأبد.
ولم يشأ القدر بعد كل تلك السنوات الطويلة من العطاء والإبداع والنضال الخلاق للمثقف الجندى المفكر المناضل محمد السيد سعيد ابن بورسعيد الباسلة والحركة الوطنية المصرية الصامدة بكل أطيافها، أن يشهد لحظة الانتصار التى عاش عمره ليراها لوطنه وشعبه وقيم العدل والمساواة وحقوق الإنسان التى طال قتاله ونضاله وإبداعه من أجلها. إلا أن القدر كان أيضا رحيما بمحمد الرقيق الحاشية الرفيق بكل الناس، فقد من عليه بالحسنيين معا وإن فرق بينهما زمن طويل. فقبل ست وثلاثين سنة من سكوت المدافع فى الحرب التى دخلها مع أبناء جيله نال أولى الحسنيين معهم ومع شعب مصر كله فى مثل هذه الأيام من شهر أكتوبر 1973 بالانتصار الكبير الذى حققه جيشها الباسل على العدو الدائم الغادر. وبعد هذه السنوات الطويلة بعد سكوت المدافع من الحرب الممتدة التى خاضها محمد على كل الجبهات الداخلية والخارجية، نال الحسنى الثانية برحيله «شهيدا» من المرض والكمد والنضال والإبداع من أجل مصر نفسها التى كان قد جهز نفسها للاستشهاد فى سبيلها قبل ستة وثلاثين عاما كاملة بلباس الجندى وسلاحه فى عبورها العظيم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.