اللطف أمر جيد، لاسيما أن الولاياتالمتحدة لم تكن لطيفة فى أمريكا اللاتينية منذ عقود، لكن التكفير عن الأخطاء لا يشكل سياسة خارجية. فما من شك فى أن أمريكا اللاتينية ليست على سلم أولويات إدارة أوباما فى مجال السياسة الخارجية.. فمسائل إيران وأفغانستان وباكستان أكثر إلحاحا فى أجندة واشنطن. المشكلة هى أن الوضع فى أمريكا اللاتينية يزداد تعقيدا، وهو يتداخل مع أزمات فى أماكن أخرى من العالم أكثر أهمية بكثير بالنسبة إلى الولاياتالمتحدة حاليا. هناك مسألتان أساسيتان قد تكونان بسيطتين بحد ذاتهما، لكنهما تتطلبان اهتمام واشنطن لأنهما جزء من صورة أكبر تتضمن أمريكا اللاتينية لكنها غير محصورة بهذه المنطقة. المسألة الأولى هى حالة الفوضى فى هندوراس، ما من كلمة أخرى لوصف ما يجرى هناك. فالانقلاب الذى أطاح بالرئيس مانويل زيلايا فى يونيو الماضى لم يكن انقلابا بكل معنى الكلمة. كان رئيس البلد، وقد وضعه الجيش على طائرة ونقله إلى كوستاريكا. لكن لم يتم سجن أحد، والسلطات فى البلاد أيدت ترحيله، ولم يتم إلغاء الانتخابات المقررة. وقد أطيح به لأنه كان يسعى للبقاء فى السلطة إلى ما لا نهاية، ولو بطريقة شرعية. حالما حصل ذلك، جعل أصدقاؤه هوجو تشافيز فى فنزويلا، ودانييل أورتيجا فى نيكاراغوا، وجبهة فارابوندو مارتى للتحرر الوطنى فى السلفادور، وإيفو موراليس فى بوليفيا، ورافاييل كوريا فى الإكوادور، وبشكل خاص الأخوان كاسترو فى كوبا مسألة عودته إلى السلطة مسألة حياة أو موت فى أمريكا اللاتينية. لم يكن للبلدان الديمقراطية فى نصف الكرة الجنوبى خيار آخر سوى الاصطفاف مع بقية الدول فى معارضتها للانقلاب، وذلك لأسباب وجيهة جزئيا. فيجب معارضة خلع الجيش للرؤساء المنتخبين. لكن أوباما أخطأ بعض الشىء. فبدلا من محاولة اتخاذ موقف مختلف عن مواقف نظرائه الذين لا تربطه بهم علاقة ودية، استمر فى الاصطفاف معهم بموافقة وتشجيع كامل من كل من البرازيل والمكسيك، حتى فيما كانت وكالات الاستخبارات الكوبية بمساعدة فنزويلا ونيكاراجوا وبالاشتراك مع جبهة فارابوندو مارتى للتحرر الوطنى فى السلفادور، بحسب كل المعلومات تدبر عودة زيلايا السرية إلى هندوراس ولجوئه إلى السفارة البرازيلية. الآن تواجه واشنطن والبرازيل، وهى حليفتها الأساسية فى أمريكا اللاتينية، مأزقا كبيرا. فالأمريكيون غير قادرين على إعادته إلى منصبه بالقوة أو حتى من خلال فرض العقوبات، والبرازيليون غير قادرين على طرد زيلايا من سفارتهم، حيث اتخذها مقرا له منذ الانقلاب. المسألة الثانية والأهم بكثير هى ما ينوى أوباما القيام به بشأن يسار أمريكى لاتينى أكثر انقساما لكن أكثر اتحادا فى خطابه من أى وقت مضى. إنه يسار حيث المتشددون، وأجزاء من الفريق الأكثر اعتدالا، يحظون بتعهدات دولية تنطوى على مشكلات فى أفضل حالاتها ومخاطر فى أسوأ حالاتها. كلام تشافيز اليوم أسوأ بكثير من أفعاله، لكن على كل حال لا يمكن الاستهانة بأفعاله أيضا. فقد اشترى كميات هائلة من الأسلحة من الروس، وأبرم اتفاقيات تجارية مهمة مع الصين، وهو بشكل شبه مؤكد بصدد إقامة اتفاقيات مالية وتجارية مع إيران، ويساعدها على تخطى عقوبات مجلس الأمن فى الأممالمتحدة. ماذا يجدر بواشنطن أن تفعله؟ المواجهة الشاملة لن تجدى نفعا، والتحاور مع تشافيز سيؤدى إلى النتائج نفسها التى أدى إليها التحاور مع أحمدى نجاد: أى لا شىء على الإطلاق. بالطبع إن اللطف أمر جيد، لاسيما أن الولاياتالمتحدة لم تكن لطيفة منذ عقود لكن التكفير عن الأخطاء، كما هى الحال فى الموقف تجاه أمريكا اللاتينية، لا يمكن أن يشكل سياسة خارجية قوية. ربما يجدر بأوباما اعتماد مقاربة ذات مسارين، قد تكون ناجحة فى الحقيقة. أولا، ربما عليه أن يغير السياسة الأمريكية تجاه كوبا بشكل جذرى، من خلال رفع الحظر بشكل أحادى، والسماح لكل الأمريكيين بالسفر إليها، وتطبيع العلاقات الدبلوماسية معها، وتسوية المطالب بسخاء. وفى نفس الوقت يمكنه أيضا التضييق على تشافيز وأصدقائه من خلال مطالبته بوضع حد لسباق التسلح ولدعم فنزويلا للمجموعات المعارضة فى كل أنحاء نصف الكرة الجنوبى، ومن خلال دعوته إلى وضع حد لانتهاكات حقوق الإنسان والحريات الشخصية فى فنزويلا، فضلا عن المطالبة بفسخ العلاقة بشكل واضح بين تشافيز وإيران. إن التحالف بين هافانا وتشافيز وطيد جدا.. فما كان زيلايا سيتمكن من الوصول إلى السفارة البرازيلية فى عاصمة هندوراس من دون دعم لوجستى كوبى، وتشافيز نفسه لن ينجو سياسيا أو فعليا على الأرجح من دون أجهزة الأمن الكوبية التى تحيط به بشكل دائم. لكن وضع حد للحظر قد يبدأ بالتفريق بين هافانا وكاراكاس، ولعلها السياسة الذكية الوحيدة التى يمكن لواشنطن أن تعتمدها الآن. فأسوأ ما يمكن أن يحدث هو ألا تنجح. لكن هل هناك سياسة أخرى تلقى نجاحا حاليا؟ كاستانيدا هو وزير خارجية سابق للمكسيك، وأستاذ فى جامعة نيويورك، وعضو فى مؤسسة «نيو أميركا». Newsweek International