نشرت جريدة المغرب التونسية مقالا للكاتبة «آمال قرامى» وجاء فيه: التونسيّ.. يتذمّر من غلاء المعيشة، وتدهور الأوضاع، وتراه يخطّط للاحتفال بالمولد النبوى، والسنة الميلادية وغيرها من المناسبات والأعياد. التونسى الذى يندّد بتقاعس الموظفين عن أداء واجباتهم هو نفسه الذى يصل متأخرا إلى العمل وينتهز الفرص للخروج من موطن العمل قبل الوقت. التونسى الذى يتحدّث عن فساد المسئولين واستشراء لوبيات «الكناتريه» هو نفسه الذى لا يتوانى عن تقديم الرشوة قضاءً لحاجاته. التونسى الذى يفضح «إعلام العار» وبرامج «التسلية» الرديئة هو نفسه الذى يقبل على ما تبثّه مختلف القنوات الخاصّة من برامج «تافهة» تحرّك الغرائز وتنوّم العقول ثمّ يتحدّث عنها باستفاضة فى الفيسبوك. التونسى الذى يرفع شعار الديمقراطية والنزاهة والشفافية والعدالة الاجتماعية.. من موقعه سياسيّا داخل الحزب أو «مثقفا/ة» يجمّل الخطاب بعبارات من قبيل هبّوا للعمل، احترموا القوانين، حكّموا ضمائركم.. هو نفسه المستبدّ، والمتسلّط والعابث بمنظومة القيم والمستهتر بواجباته. التونسى الذى «يبكى على حال تونس» وعلى غياب الحسّ الوطنى وقلّة تحمّل المسئولية هو نفسه الذى يرفض الانخراط فى الحملات التى تنظّمها مختلف مكوّنات المجتمع المدنيّ لمساعدة المعوزين، لتنظيف الشوارع أو الشواطئ. التونسى الذى يتذمّر من كثرة الإضرابات وتعطيل المصالح الوطنية هو نفسه الذى يساند قرارات اتخذت فى مؤسسته فيخرج ليعبّر عن غضبه ساعة ثمّ ينسحب لقضاء حوائجه ويستمتع بيومه. التونسى الذى يسبّ النهضة ويحمّلها كلّ الشرور، ويلعن «النداء» و«الاتحاد» هو نفسه الذى، إن سُدّت أمامه السبل، يبحث عن نهضاوى أو ندائى أو جبهاوى أو مسئول فى الاتحاد ل«يسلك» له أموره. التونسى الذى يعنّف زوجته، ويسطو على ممتلكات «البيليك» ويركن سيارته فى وسط الطريق فيحدث الأذى بالآخرين، ويكذب فى اليوم ألف مرّة هو نفسه الذى يرفض «تغيير أحكام الله والمسّ بالشريعة المقدسة». وانطلاقا من هذا التشخيص الموجز يتحتّم علينا أن نطرح الأسئلة الحقيقية وأن نسمّى الأسماء بمسمياتها وأن نعترف بأصل الداء قبل أن نشكّك فى قيام الثورة، ونضحك من منجزاتها ونلعن النخب. علينا أن نتساءل: إن كانت الثورة مسارا ديناميكيا معبّرا عن إرادة التحرّر فلِمَ يرفض التونسى الانخراط فى هذا المسار فيحرّر نفسه ويعيد بناء ذاته ويتخلّص من الاتكالية والكسل والرياء والنفاق...؟ ولِمَ يبحث عن النتائج والمكتسبات والاستحقاقات ولا يؤدى واجباته ولا ينهض بمسئولياته؟ وإن كانت الثورة عمليّة فكّ الارتهان مع الأنظمة القديمة والمهترئة وأدوات الفهم التقليدية فلِمَ بقى التونسى ميالا إلى استرجاع «النظام القديم» وفيًّا للوجوه «القديمة»؟ وإن كانت الثورة حركة إلى الأمام وفعلا استشرافيا فلِمَ بقى التونسى شغوفا بالرجوع إلى الوراء يحمله الحنين إلى الماضي؟ وإن كانت الثورة «إعادة تنشيط للحياة السياسية» والثقافية وعمليّة ضخ دماء جديدة فى عدّة مجالات فلِمَ أصيب أغلبنا بالعقم وكأنّ الابتكار والابتداع والارتقاء.. أفعال عصيّة على التحقّق؟ وإن كانت الثورة إعادة بناء لمنظومة العلاقات وفق قيم تتلاءم مع السياقات التاريخية والاجتماعية والثقافية الجديدة تجمع فى المواطنة فلِمَ اختلت بنية العلاقات الاجتماعية وظلّت قيم الحرية والمساواة والعدالة والتضامن والإخاء والموّدة والرحمة غير قادرة على التجذير؟ لا يكفى أن نقوّم مسار الانتقال الديمقراطى سياسيا وقانونيا ولا يكفى أن ننتقد «اللاعبين» فى هذا السياق بل علينا أن نهتمّ بالنقد الذاتى، وأن نحوّل أنفسنا إلى موضوع للدراسة. فالمتأمّل فى تركيبة الشخصية التونسية سرعان ما يدرك التحوّلات التى طرأت على قيم المجتمع وعلى بنية العلاقات وسرعان ما ينتبه إلى التناقضات على مستوى السلوك والخطابات والقرارات، وسرعان ما يرصد التشرذم والانفصام والعطب.. وقد كان الأستاذ عياض بن عاشور محقّا فى الخلاصة التى انتهى إليها بعد إعادة النظر فى المسار الانتقالى حين قال: «ظلّت تونس مجتمعا لا تجمعه قيم مشتركة» (تونس ثورة فى بلاد الإسلام ص356) فمتّى نُخرج التونسيين من موقع «ضحايا الثورة» إلى موقع المواطنين الذين تحرّروا من فرض الوصاية؟ ومتى نصوّب النظر إلى التونسيين فنتأمّل فى أدائهم باعتبارهم فاعلين ومسئولين، هم أيضا عن هذا المسار الانتقالى؟