عندما توصلت دول العالم في يوليو الماضي إلى إطار نهائي حول الهجرة الدولية، وصفت الأممالمتحدة هذا الاتفاق بأنه «لحظة تاريخية». وكان غياب الولاياتالمتحدة ملحوظا عند التوصل إلى هذا الاتفاق، غير أن ميروسلاف لايتشاك رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة وقتذاك تمكن من الاحتفاظ بجو من المشاعر الإيجابية، قائلا إن الأممالمتحدة ستترك «الباب مفتوحا أمام عودة الولاياتالمتحدة». وتهدد بعض الدول في الوقت الحالي بالخروج من نفس ذلك الباب المفتوح، والانسحاب من الاتفاقية العالمية للأمم المتحدة حول الهجرة، فيما وصفته لويز أربور الممثلة الخاصة للأمم المتحدة لشؤون الهجرة الدولية بأنها حالة تبدو مثل «مشاعر الندم لدى المشتري في صفقة خاسرة». ووضعت وثيقة الاتفاق التي تفاوضت بشأنها الدول الأعضاء بمنظمة الأممالمتحدة (باستثناء الولاياتالمتحدة) على مدى شهور عديدة، وتقع في 34 صفحة، 23 هدفا لكفالة «الهجرة المنظمة والمنتظمة الآمنة»، بما في ذلك توفير الحماية للمهاجرين من الاستغلال وانتهاكات حقوق الإنسان. وأشارت منظمة الصليب الأحمر الدولية إلى الاتفاق باعتباره أداة لمساعدة مئات الآلاف من المهاجرين القصر الذين يهاجرون بمفردهم، والذين يتعرضون لمخاطر الاعتداءات الجنسية والإتجار بالبشر، وذلك في تقرير أصدرته المنظمة قبل أسبوع من اجتماع تستضيفه مدينة مراكش المغربية خلال الفترة من 10 إلى 11 من الشهر الحالي، بهدف اعتماد الاتفاق. وعلى الرغم من أن الاتفاق ليس ملزما من الناحية القانونية، ويحدد حق كل دولة في حراسة حدودها، إلا أن معظم الدول ترفضه، بدعوى المخاوف من تأثيره على السياسات الداخلية الخاصة بها بشأن الهجرة. وكانت واشنطن قد ذكرت منذ نحو عام أن الاتفاق لا يتماشى مع السياسات الأمريكية الخاصة بالهجرة واللجوء، بينما قالت أستراليا إن الاتفاق سيشجع الدخول غير القانوني إلى أراضيها، ومن ناحية أخرى أعلنت إسرائيل أنه سيعوق حماية حدودها. غير أن أربور تقول إن معارضة الاتفاق «ليست هي محور الموضوع»، مضيفة أن الاتفاق ليس تصديقا على الهجرة في حد ذاتها، ولكنه اعتراف بأن انتقال الأشخاص لن يتوقف، ومن ثم فهناك حاجة للتعاون لإدارته. وتابعت أربور أن «الهجرة مجرد شيئء، وهي ليست شيئا سيئا أو جيدا، ولكنها مجرد شيئ». وشنت الحكومة المجرية بقيادة رئيس الوزراء فيكتور أوربان المعادي بشدة للهجرة حملة متواصلة ضد الاتفاق، ووصفه وزير خارجيته بيتر سيزيجارتو بأنه يمثل «تهديدا للعالم». وفي دول أوروبية أخرى، أعربت الحكومات التي يسودها التيار المحافظ في كل من النمساوإيطاليا وبلغاريا وكرواتيا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك وبولندا وسويسرا، عن تشككها في إمكانية المشاركة في هذا الاتفاق. وتقدم رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة السابق لايتشاك باستقالته من منصبه الذي تولاه مؤخرا وهو وزير خارجية سلوفاكيا، بعد أن صوتت حكومة بلاده على قرار بإدانة الاتفاق، واتهم لايتشاك أعضاء حكومته بأنهم خضعوا لضغوط التيار اليميني المتطرف الشعبوي. أما نائب رئيس الوزراء الإيطالي وزير الداخلية ماتيو سالفيني، وهو زعيم حزب الرابطة اليميني المتطرف والذي يتخذ موقفا متشددا معارضا للهجرة، فقال إن هذا الاتفاق يضع «المهاجرين الاقتصاديين على نفس مستوى اللاجئين السياسيين»، ولا يشمل الاتفاق وضع اللاجئين. ومن هنا يدور السؤال حول «ما إذا كان هذا التحول المفاجئ في الموقف يمثل انعكاسا لتصاعد المد الشعبوي في أنحاء القارة الأوروبية؟». وعلى الرغم من الانخفاض الحاد في أعداد المهاجرين الذين يصلون إلى السواحل الأوروبية منذ أزمة تصاعد أعدادهم خلال عامي 2015 و2106، عنما وصل أكثر من مليون شخص إلى أوروبا، فإن سياسة الهجرة تمثل أولوية قصوى في مختلف أنحاء الاتحاد الأوروبي، وشهدت دول مثل إيطالياوالنمسا صعود حكومات يمينية مناهضة للهجرة إلى السلطة. وقال خبير شؤون الهجرة ماتيو فيلا وهو باحث زميل بالمعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية إن وسائل التواصل الاجتماعي وحملات التضليل الاعلامي السياسية، أثارت المخاوف خلال الأشهر الأخيرة من أن الهجرة لا يمكن السيطرة عليها أو إدارتها، وأوحت بأن الاتفاق ينطوي على أثر قانوني يتجاوز السياسات الداخلية للدول إزاء الهجرة. وأوضح فيلا، في تصريحات لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.ا)، أنه من المرجح أن يكون توقيت تغيير الدول لرأيها إزاء الاتفاق، يرجع إلى أنه قبل التوصل إلى إطار الاتفاق في يوليو الماضي، لم تكن هناك معلومات متاحة للجمهور حول وثيقة الاتفاق ولم ينشر نص محدد يمكن الاعتراض عليه. وأضاف إنه منذ ذلك الحين استغل زعماء التيار الشعبوي والنشطاء الاتفاق، باعتباره «ذريعة مثالية» للمناورات الداخلية للأحزاب والائتلافات السياسية بشأن الهجرة في كثير من الدول الأوروبية. غير أن فيلا أشار أيضا إلى أن الاتفاق في مجمله يعد رمزيا، ولن تكون ثمة عواقب للتصديق على الاتفاق في مؤتمر مراكش أو لعدم التصديق عليه، فيمكن للدول دائما أن تقوم بذلك في مرحلة لاحقة. وعلى الرغم من أن رفض الاتفاق كان حتى الآن صاخبا، فإن عددا صغيرا من الدول الأعضاء بالأممالمتحدة الذين يبلغ عددها 193 دولة، هو الذي هدد بالانسحاب منه. وفي المرحلة السابقة لتبني الاتفاق أولى مسؤولو الأممالمتحدة عناية خاصة لضمان عدم إساءة عرض تفاصيل الاتفاق، وربما كان ذلك في مسعى لمناهضة الروايات الزائفة حول تأثيره. ولم تتضح بعد قائمة الدول التي ستشارك في اجتماع مراكش، حيث لم تخبر بعض الدول الأممالمتحدة عما إذا كانت ستحضر أم لا، وذلك وفقا لما قاله ستيفان ديوريتش المتحدث باسم الأممالمتحدة. وأضاف أن دولا أخرى أعلنت أنها لن توقع على وثيقة الاتفاق، بينما لا يوجد في الحقيقة أية مراسم للتوقيع. وفي تصريحات للصحفيين أوضح ديواريتش: «اعتقد أنه من المهم التذكير مرة تلو الأخرى، بأن هذا الاتفاق ليس وثيقة قانونية ملزمة، إنها ليست ملزمة، وإنما هي وسيلة استرشادية للدول حول كيفية إدارة عملية الهجرة». وتابع: «وهو أيضا لن يذهب إلى آخر مدى».