طور باحثون بريطانيون نموذجا لمشيمة مصغرة لدراسة أسباب الإجهاض المبكر. وأكد الباحثون في مجلة "نيتشر" العلمية أن هذه النماذج المصغرة ثلاثية الأبعاد تشبه في بنيتها ووظيفتها المشيمة الحقيقية، حيث تكون -على سبيل المثال- عوامل نمو وهرمونات يفرزها جسم المرأة في فترة الحمل. قال الباحثون إن ذلك يتضح من خلال حقيقة أن الاختبار العادي للحمل يكون "إيجابيا" عند تعريضه للخلايا المستزرعة في هذه المشيمة المقلدة. تمثل الأسابيع الأولى للحمل المرحلة الأكثر خطورة، حيث إن معظم حالات الحمل الفاشل تحدث حتى الأسبوع الثاني عشر من الحمل، وبعدها ينخفض خطر حدوث "سَقط" كثيرا. وغالبا ما تكون أسباب فشل الحمل غير واضحة، ومن بين الاحتمالات وراء عدم اكتماله أن الجنين يصبح غير قابل للتطور لأسباب جينية، وفي كثير من الحالات تحدث مشاكل عند انغراس الجنين في رحم الأم، أو عند تكوّن المشيمة التي تعرف أيضا ب"الخلاص". تلعب المشيمة دورا جوهريا لا بديل عنه لإمداد الأجنة بالغذاء أثناء نموها في رحم الأم، حسبما أوضحت مارجريتا توركو من جامعة كامبريدج: "ولكن ما نعرفه عن هذا العضو الهام محدود بسبب غياب النماذج التجريبية". أضافت توركو أنه في حالة عدم قيام المشيمة بعملها على الوجه الأكمل فإن ذلك يتسبب في حالات فشل الحمل أو ما يسميه الأطباء بمقدمات الارتعاج، وهو مرض يصيب المرأة الحامل ويتسبب في ارتفاع ضغط الدم لديها. تتكون المشيمة من أنسجة من الجنين ومن الأم، وطورت توركو هي وفريقها في المختبر نموذجا مصغرا من المشيمة، مستخدمين أنسجة خلوية توفرت جراء انقطاع الحمل في الفترة من الأسبوع السادس حتى الأسبوع الثاني عشر للحمل، ووزع الباحثون هذا المزيج فوق فراش هلامي وأضافوا له وسطا غذائيا خاصا، ثم طوروا هياكل ثلاثية الأبعاد، وهي الهياكل التي يسميها الباحثون أرومة مغذية، وهي الجدار الخلوي الخارجي للكيسة الأريمية التي توفر المواد المغذية للجنين. تعمل هذه الخلايا على استقرار الجنين في الرحم، وتكون فيما بعد ما يعرف بالزغب الذي يكون فيما بعد الجزء الجنيني من المشيمة. أظهر هذا الجسيم الصناعي متانة من الناحية الجينية وقدرة على العيش مدة طويلة، حيث وجد الباحثون أن ثلاثة من هذه الأجسام قد ظلت قادرة على القيام بوظيفتها بعد عام رغم تعطيلها صدفة، حسبما أوضح الباحثون. كما اتسقت هذه الصور المصغرة للمشيمة على شكل هياكل تشبه الزغب و كونت هرمونات معروفة و عوامل نمو وغير ذلك من الجزيئات، وهي بذلك تشبه المشيمات التي تنشأ بشكل طبيعي في الثلث الأول من الحمل. يأمل الباحثون الآن أن تساعد هذه النماذج في فهم أفضل لما يحدث في بداية الحمل ومعرفة سبب فشل بعض حالات الحمل. كما لا يستبعد الباحثون إمكانية استخدام هذه المشيمة لفهم سبب منع المشيمة في العادة تسلل الجراثيم والفيروسات الممرضة للجنين مع فشلها في ذلك في بعض الحالات، كما يحدث على سبيل المثال في فيروس زيكا. ومن الممكن أيضا دراسة مدى الأمان الذي تتمتع به بعض العقاقير باستخدام هذه المشيمة المصغرة. جاء في بيان عن جامعة كامبريدج في نفس الشأن أن فريق الباحثين صاحب هذه الدراسة، نجح العام الماضي في استزراع غشائي مخاطي على غرار غشاء الرحم. وتوقعت أشلي موفيت، كبيرة الباحثين الذين أجروا الدراسة، أن يصبح الباحثون قادرين الآن وبعد تطوير نموذجين مصغرين من مشيمة الأم وأنسجة الجنين، على البدء في دراسة "كيفية تحدث الجانبين مع بعضهما بعضًا". وكان فريق من الباحثين في النمسا تحت إشراف مارتن كنوفلر، من جامعة فيينا للعلوم الطبية، قد أعلن في أغسطس الماضي عن نموذج مشيمة يشبه إلى درجة كبيرة هذا النموذج الذي أعلن عنه الباحثون الآن. وقال كنوفلر إن هذه النماذج المصغرة ستجعل من الممكن دراسة وظيفة الخلايا بأنواعها وأمراض حمل بعينها "حيث ستتيح الأعضاء المصغرة الفرصة لإلقاء الضوء على هذه العمليات". وأكد بيرت هولد هوبيرتس، من جامعة جراتس النمساوية، أن هذه النماذج المصغرة للمشيمة تحتل مكانة ثابتة في أبحاث المشيمة "ولكن هناك حدود لاستخدامات هذه النماذج، فعلى الرغم من أنها تعتبر أنظمة معقدة جدا، إلا أنها لا تزال بعيدة عن تركيبة المشيمة الأصلية". وأشار الخبير النمساوي إلى أن هذه النماذج المقلدة من المشيمة تفتقد لبنى المشيمة ذات النسيج الضام والأوعية الدموية "وهي بذلك يمكن أن تستخدم في الأبحاث الخاصة بالأرومة المغذية، ولكن لا يمكن اعتبارها نموذجا كاملا للمشيمة المبكرة".