عادت إيطاليا تقديم مشروع موازنتها إلى بروكسل دون تضمينه تخفيضات العجز التي كانت المفوضية الأوروبية طلبتها، الأمر الذي سيتسبب في تصعيد الخلاف الذي ينظر إليه حاليا بالفعل باعتباره غير مسبوق. وقال ماتيو سالفيني نائب رئيس الوزراء الإيطالي، أمس الأربعاء، إن الحكومة قررت "فعل عكس" ما توصي به بروكسل لأنه على مدار السنوات الخمس الماضية "لم تكن وصفاتها الاقتصادية جيدة بالنسبة لإيطاليا". واستبعد سالفيني، الذي يشغل أيضا منصب وزير الداخلية وزعيم حزب "الرابطة" اليميني المتشدد، إمكانية أن يفرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على بلاده لانتهاكها قواعد الموازنة. وقال في تصريحات إذاعية :"آخر ما نحتاجه هو المفتشون، وقوات من الأممالمتحدة وعقوبات ضد إيطاليا. لنأخذ الامور مأخذ الجد". وبدت هذه التصريحات صفحة جديدة من اللامبالاة من الجانب الايطالي. يشار إلى أنه لا يوجد أي مقترح على الإطلاق بخطط للأمم المتحدة لإرسال قوات أو مفتشين إلى إيطاليا. وأكدت الحكومة الشعوبية في روما تمسكها بمشروع موازنة يتضمن عجزا نسبته 4ر2% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2019 ، وليس 8ر0% كما اقترحت الحكومة السابقة، ثم بنسبة 1ر2% خلال 2020 و8ر1% عام 2021. وأكد وزير المالية الإيطالي جيوفاني تريا هذا الموقف في خطاب للمفوضية الأوروبية تم نشره الليلة الماضية مرفقا بمشروع للموازنة مع إدخال تعديلات طفيفة عليه. وتضمنت الموازنة أهدافاً أكثر طموحا بشأن الخصخصة، وجمع مبالغ إضافية لخفض الدين العام الكبير في إيطاليا، وطلب مزيد من المرونة على الإنفاق العام بسبب ظروف استثنائية. وأكد الخطاب التمسك بنسبة العجز المقترحة، كما طالب بالمرونة. وأرجع ذلك إلى تكلفة التعامل مع الكوارث الطبيعية وانهيار جسر كبير في جنوة. إلا أنه شدد على أن إيطاليا لن تتجاوز العجز المقترح. كان لويجي دي مايو نائب رئيس الوزراء الإيطالي قال في ساعة متأخرة من مساء أمس إن الحكومة الإيطالية لن تتراجع، رغم ضغوط المفوضية الأوروبية لتغيير الخطة التي تتعارض مع القواعد المالية للاتحاد الأوروبي. وأضاف دي مايو، زعيم حركة خمس نجوم، للصحفيين في أعقاب اجتماع لمجلس الوزراء، أن أرقام الديون المخطط لها وتوقعات النمو لن تتغير. وتابع: "إننا مقتنعون بأن هذه الموازنة هي ما تحتاجه البلاد من أجل معاودة الانطلاق". وكانت المفوضية رفضت في أكتوبر الماضي خطط الحكومة الإيطالية للإنفاق، ووصفتها بأنها انحراف "غير مسبوق" عن قواعد منطقة العملة الأوروبية الموحدة اليورو وطالبت بمراجعة الخطط وإعادة تقديمها قبل يوم أمس. وإذا ما رفضت المفوضية الموازنة مرة أخرى، فمن الممكن أن تتخذ إجراء قانونيا بموجب تدابير عجز الموازنة المفرطة. ومن المتوقع أن تصدر المفوضية ردها قبل الحادي والعشرين من نوفمبر الجاري. ويتعين أن توافق حكومات الاتحاد الأوروبي على مثل هذا الإجراء الذي سيخضع إيطاليا لمراقبة أقوى وسلسلة من الإجراءات لتحقيق الانضباط في الموازنة. وقال وزير المالية النمساوي هارتفيج لوجر في فيينا إن النمسا، التي تتولى الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي، ستدعم هذا الإجراء ما لم تتخذ إيطاليا خطوات نحو تصحيح أوضاعها المالية. وحذر لوجر من أن "إيطاليا معرضة لخطر أن تصبح خليفة للنموذج اليوناني". وإذا ما استمرت حالة عدم الامتثال للقواعد، فإن إيطاليا قد تصبح عرضة لغرامات ضخمة، إلا أن هذا لم يسبق أن حدث في تاريخ منطقة العملة الأوروبية الموحدة، وقد يكون أمرا شديد الصعوبة من الناحية السياسية. ولفت فلفانجو بيكولي، المحلل السياسي بمؤسسة "تينيو إنتيليجانس" إلى أنه: "نظراً لتعقيد الإجراء بشكل عام، وحقيقة أن الاعتبارات السياسية قد تسود قبل الانتخابات الأوروبية المقررة في مايو 2019، ليس من المتوقع أن تواجه إيطاليا عقوبات حتى أواخر الربيع، على أقرب تقدير، إذا حدث ذلك من الاصل".