قال رئيس أوروجواي السابق خوسيه موخيكا، إنه على أمريكا اللاتينية أن تسعى لإقامة تجمع مشابه للاتحاد الأوروبي، والذي لعب -رغم كل تناقضاته واختلالاته- دورا رئيسيا في تهدئة القارة الأوروبية. وتحدث أيقونة اليسار بأمريكا اللاتينية، الذي تخلى مؤخرا عن مقعده في مجلس الشيوخ بسبب تقدم عمره -83 عاما- إلى وكالة الأنباء الألمانية «د.ب.أ» ووسائل إعلام أخرى في مهرجان فينيسيا (البندقية) السينمائي، الذي عرض فيلمين تناولا بعض جوانب حياته. وتناول فيلم «لا نوش دي 12 انوس» أو (ليلة 12 عاما) للمخرج الأوروجوياني ألفارو بريشر، فترة سجن موخيكا، الذي كان مقاتلا ثوريا، واثنين من زملائه المقاتلين في سبعينيات القرن الماضي. ويحمل الفيلم الثاني اسم «ال بيبي، اونا فيدا سوبريما» أو (بيبي، حياة عظيمة)، وهو من إخراج أمير كوستوريكا، وهو فيلم وثائقي عن موخيكا الملقب ب«بيبي»، الذي ذاعت شهرته في جميع أنحاء العالم، عندما تبرع بكل راتبه تقريبا للجمعيات الخيرية، واتبع أسلوب حياة متواضعا للغاية خلال فترة رئاسته بين عامي 2010 و2015. وأشار «موخيكا» إلى أنه قبل أكثر قليلا من نصف قرن، كانت أوروبا ممزقة بسبب الحرب المستمرة. وتابع: «وقد هاجر العشرات من الإيطاليين والإسبان؛ فرارا من الحرب والفقر إلى أمريكا اللاتينية». وقال «موخيكا» إن «الاتحاد الأوروبي لديه العديد من الأخطاء، لكن الأوروبيين لم يعيشوا مثل هذه الفترة الطويلة من السلام. يبدو أنهم ينسون ذلك. أعتقد أن الوضع على الأقل يستحق التفكير، ليس من أجل التوصل إلى استنتاجات سريعة وإلقائها في القمامة». وأضاف: «أود بالتأكيد أن يكون لدى أمريكا اللاتينية مثل هذا النموذج؛ حتى مع وجود التناقضات والاختلالات». وأعرب «موخيكا» عن اعتقاده أن أمريكا اللاتينية وأوروبا ليستا مختلفتين تماما، قائلا: «الأمور التي تحدث في أمريكا اللاتينية، تحدث أيضا في أوروبا. لكن في أوروبا، يخفونها بشكل جيد». وأشار إلى قضايا الفساد في إسبانيا وإيطاليا، وإلى فرض غرامات كبيرة على بنوك وشركات أوروبية مثل فولكسفاجن. وأضاف: «لا تقل لي إن أمريكا مليئة بالعيوب وأن أوروبا خالية تماما من العيوب، لن أصدق هذا. وعلى أي حال، لدينا نفس الأخطاء». واستطرد أن الفساد يحدث لأن حضارتنا تخبرنا أن الانتصار في هذه الحياة، يعني أن تكون غنيا، وأنه من ليس غنيا، لن ينتصر.. إذا كان هذا هو ما نزرعه، يجب ألا نخاف من بعض الأشياء التي تحدث». وغالباً ما يوصف قادة أمريكا اللاتينية بأنهم شعبويون، لكن خلال المقابلة، رفض موخيكا المصطلح واعتبر أنه لا معنى له. وأوضح: «أولئك الذين يصوتون لصالح عناصر الجناح اليميني شبه النازيون الجدد في ألمانيا هم شعبويون، أولئك في نيكاراجوا هم شعبويون. لذلك فإن أي شيء يعد شعبويا. وقد وصلت إلى هذا الاستنتاج: كل ما لا يتفق عليه الناس، وكل ما يزعجهم يطلق عليه اسم شعبوي، وهي مقولة لا تنطوي على تعريف لأي شيء». وقال موخيكا إن النزعة القومية تساعد في خلق هوية، لكن إذا ذهبت أبعد من ذلك كثيرا، فإنها تصبح أمرا خطيرا، يؤدي إلى صدمة ويصبح تعصبا. وأشار إلى أنه لا يفهم جيدا سبب إحجام أوروبا عن استقبال المهاجرين، وأكد أن العولمة يجب أن تشمل تحمل الأغنياء لمسؤولياتهم. وقال في مؤتمر صحفي منفصل في فينيسيا: «فقراء العالم ليسوا من إفريقيا أو من مكان محدد، إنهم ينتمون إلى الإنسانية». كان «موخيكا» قائدًا لجماعة «توباماروس» الثورية اليسارية المسلحة التي قاتلت الحكومة في ستينات وسبعينات القرن الماضي. وركز فيلم «بريشر» على فترة سجنه التي استمرت لعقد كامل، والتي تضمنت الحبس الانفرادي في محاولة لدفعه للجنون. واعترف «موخيكا» بأنه تردد أولاً في دعم مشروع الفيلم، لأنه أراد أن يترك تلك الذكريات وراءه. وقال لوكالة الأنباء الألمانية ووسائل الإعلام الأخرى: «الإنسان يتعلم من الشدائد أكثر من الحظ. الحظ يميل إلى جعلنا تافهين. التجربة التي مررنا بها.. صعبة.. تركت لي بالتأكيد أشياء تعوض رأس مالي البشرى البسيط». واختتم تصريحاته قائلا: «هناك ديونا لا يمكن دفعها أبداً، ولا فائدة من محاولة دفعها، لأن المرء لن يمضي قدما. الشيء المهم في الحياة هو الغد».