مصرفيون وخبراء نفط حذروا العاهل السعودى بأن الطرح يعنى الإفصاح الكامل عن التفاصيل المالية للشركة ظلت المملكة العربية السعودية تستعد على مدى العامين الأخيرين لطرح حصة نسبتها خمسة فى المائة من شركة النفط الوطنية السعودية (أرامكو) فى سوق الأسهم. وتواصل المسئولون مع البورصات الدولية والبنوك العالمية بل والرئيس الأمريكى دونالد ترامب للترويج للخطة. كان من المنتظر أن يصبح إدراج أرامكو فى البورصة الركيزة الأساسية فى برنامج الإصلاح الاقتصادى الموعود فى المملكة إذ كان من المستهدف أن تبلغ حصيلته 100 مليار دولار ويمثل أكبر طرح عام أولى من نوعه على الإطلاق. وكانت الخطة من بنات أفكار الأمير محمد بن سلمان (32 عاما) ولى عهد أكبر دولة مصدرة للنفط فى العالم. إلا أنه بعد أن واجه المشروع انتكاسات على مدى شهور تقرر إلغاء الشقين الدولى والمحلى من عملية الطرح العام الأولى للأسهم. والسبب وراء ذلك هو أن الملك سلمان والد الأمير الشاب تدخل لوقف الخطة كما قالت ثلاثة مصادر على صلة بالمطلعين على بواطن الأمور فى الحكومة. وقال مصدر طلب الحفاظ على سرية هويته إن القرار جاء بعد أن التقى العاهل السعودى بأفراد فى الأسرة الحاكمة ومصرفيين ومديرين كبار فى قطاع النفط من بينهم رئيس تنفيذى سابق لشركة أرامكو. ودارت تلك المشاورات خلال شهر رمضان الذى انتهى فى منتصف يونيو. وقالت المصادر إن الشخصيات التى حاورها الملك أبلغته أن الطرح الأولى لن يكون فى صالح المملكة بل إنه قد يؤثر سلبا عليها. وذكرت المصادر أن الهاجس الرئيسى لدى هذه الشخصيات تمثل فى أن الطرح العام الأولى سيدفع أرامكو للإفصاح الكامل عن كل تفاصيلها المالية. وفى أواخر يونيو بعث الملك رسالة إلى الديوان الملكى يطلب فيها إلغاء خطة طرح أسهم أرامكو حسب ما قالته المصادر الثلاثة. وقال مصدر إن قرار الملك نهائى لا رجعة فيه. وقال المصدر «متى قال «لا» فلا رجوع عنها». وبعد أن قالت رويترز فى تقرير نشرته الأسبوع الماضى إنه تم تجميد الصفقة قال وزير الطاقة خالد الفالح إن الحكومة ملتزمة بتنفيذ الطرح العام الأولى مستقبلا «وفق الظروف الملائمة، وفى الوقت المناسب الذى تختاره الحكومة». وفى السعودية جرت العادة أن يكون الملك هو صاحب الكلمة الأخيرة. غير أن هذا القرار ضربة قوية لبرنامج الإصلاح، ورؤية المملكة 2030، الذى طرحه الأمير محمد ويهدف إلى إحداث تغيير جوهرى فى الاقتصاد السعودى الذى تعد الدولة المحرك الرئيسى له ويعتمد اعتمادا أساسيا على النفط. ويشير ذلك إلى أن الملك سلمان يعمل على تحجيم السلطات الانفرادية التى تمتع بها الأمير محمد عقب تولى والده دفة الأمور فى البلاد فى يناير 2015. ويقول بعض المستثمرين إن ذلك يثير أيضا الشكوك فى إدارة الرياض لعملية الطرح العام الأولى للأسهم والتزامها بقدر أكبر من الشفافية فى إدارة الاقتصاد. وقال المصدر الثانى «الملك تستحوذ عليه فكرة كيف سيحكم عليه التاريخ. فهل سيكون الملك الذى باع أرامكو وباع فلسطين؟». * مقدمات تجميد الخطة ليس من الواضح على وجه التحديد أى الأفكار التى جعلت الملك يحسم أمر أرامكو من بين ما نوقش خلال شهر رمضان فيما يتعلق بالطرح الأولى. غير أنه سبق أن قال خبراء ومصادر بصناعة النفط لرويترز إن وتيرة الاستعدادات تتباطأ منذ أشهر لسببين على الأقل أولهما الشكوك فيما أعلنه الأمير محمد فى 2016 من أن الطرح سيقدر قيمة أرامكو بمبلغ تريليونى دولار والثانى هو القلق من المخاطر القانونية وشروط الإفصاح المشددة التى تقترن بإدراج أسهم الشركة فى بورصة أجنبية. وقالت ثلاثة مصادر لرويترز إن أرامكو توقفت بحلول ابريل عن دفع الرسوم المستحقة لبعض البنوك مقابل عملها فى تجهيز الصفقة. وامتنع مسئول فى شركة أرامكو عن التعليق. وبينما كان الملك يجرى مشاوراته فى منتصف يونيو تمت دعوة البنوك بما فيها جيه.بى مورجان ومورجان ستانلى لتقديم رؤيتها لمشروع مختلف. وقال مصدر مصرفى إن البنوك تلقت طلبا لتقديم مقترحات لاستحواذ أرامكو على حصة فى شركة البتروكيماويات العملاقة سابك من صندوق الثروة السيادية التابع للمملكة. وأضافت المصادر أن تلك كانت علامة أولية على أن خطة طرح أسهم الشركة بدأت تتعثر وأن الرياض تبحث عن تدبير المال من مصادر أخرى. وقال المسئول السعودى الرفيع إن اهتمام أرامكو بالاستحواذ على حصة فى سابك يتفق مع هدفها أن تكون الشركة الرائدة فى العالم للطاقة والكيماويات المتكاملة ولا يغير شيئا من نية إدراج أسهمها فى البورصة. وتابع «سيخلق ذلك كيانا أقوى وأكثر توازنا بالاضافة إلى التكامل الذى سيحققه مالك محتمل له أهمية استراتيجية وليس مجرد مستثمر يسعى وراء العوائد المالية بين عمليات التسويق والأبحاث والتطوير والتكنولوجيا والخدمات المشتركة التى تقدمها سابك». وبخلاف ما يثيره إلغاء خطة طرح الأسهم من مخاوف فيما يتعلق بالالتزام بالشفافية فهو يعزز إحساسا بغياب القدرة على توقع الأحداث بعد احتجاز العشرات من كبار أفراد الأسرة الحاكمة والوزراء ورجال الأعمال فى حملة على الفساد فى نوفمبر الماضى. وقالت المصادر إنه رغم أن قرار الملك يعد لطمة لبرنامج الأمير محمد فسيظل ولى العهد الابن الأثير لدى الملك وصاحب نفوذ كبير على السياسة فى المملكة، غير أن الملك أراد أن يبين أنه سيظل صاحب القول الفصل فى المستقبل المنظور. وقال جيمس دورسى الباحث الزميل بمركز راجارتنام للدراسات الدولية فى سنغافورة «لست واثقا من أننى سأعتبر الأمر إضعافا لسلطة ولى العهد بل هو على الأرجح ضمانة ألا يشط بعيدا».