لن يكون مستقبل كرة القدم كله ورديا ، فالتطورات العلمية المثيرة ودخول التكنولوجيا الفائقة في عالم كرة القدم كما تناولنا في الحلقة الأولى من هذا الملف سيكون هو النصف الممتليء من الكوب ، ولكن النصف الآخر "الفارغ" سيحمل تبعيات الأزمة المالية الطاحنة الراهنة ، والتي اعتبرتها مجلة "وورلد سوكر" البريطانية قادرة على إحداث تغييرات مستقبلية هائلة في عالم اللعبة المجنونة. وتقول المجلة في تقريرها عن هذه الجزئية تحديدا ، إن الجدل بدأ بالفعل حول ضرورة اتخاذ كرة القدم أهبة الاستعداد للتعامل مع الأزمة الراهنة التي تضرب العالم كله ، بدليل المناقشات التي أجراها ميشيل بلاتيني رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم "الويفا" مؤخرا مع أعضاء ورئيس البرلمان الأوروبي حول إمكانية إصدار قوانين أوروبية تنظم كافة الجوانب الاقتصادية المتعلقة بلعبة كرة القدم في القارة البيضاء بما في ذلك صفقات شراء وبيع الأندية ، وخاصة إلى المستثمرين الأجانب ، ووضع أسقف لرواتب اللاعبين وقيمة انتقالاتهم ، وهو ما أثار غضب أندية أوروبية عديدة ، وأولها أندية الدوري الإنجليزي. ويقول جيم هولدن محرر مجلة "وورلد سوكر" إنه لو تم تطبيق أفكار بلاتيني – وهو أكثر المتحمسين لخفض مرتبات اللاعبين والمدربين على حد سواء -فسوف ستقلل من سيطرة الأندية الكبرى في إنجلترا وإسبانيا وإيطاليا على الكرة الأوروبية , وبالتالي ستكون هناك فرص حقيقية للأندية الأخرى والدول الأوروبية الأخرى أيضا في الفوز بالبطولات وحصد المكاسب المالية. ويرى هولدن أن الأزمة المالية التي ضربت العالم بكل شراسة ستعجل من تنفيذ هذه الفكرة التي تحولت بالفعل إلى "خطة" , نظرا لأن الأزمة أثرت بشدة حتى على أكثر الأندية ثراءً , فنجد مثلا أن الملياردير الروسي رومان أبراموفيتش مالك نادي تشيلسي الإنجليزي اضطر لتحديد ميزانية لناديه في موسم الانتقالات الشتوية الماضي بسبب تأثير الأزمة عليه. ولذا ، فإن خطة خفض المرتبات المقترحة ستجبر الأندية على التحرك وفق ميرانية محددة , وهو ما سيعزز المنافسة المتكافئة بين الأندية المختلفة في أوروبا. وما زال الاتحاد الانجليزي لكرة القدم يبحث هذه الخطة التي يراها اللورد تريسمان رئيس الاتحاد خطة تستحق الالتفات لها , بينما يراها كارل هاينز رومينيجه في بايرن ميونيخ الألماني أنها ما زالت محل مناقشة في وقت وصلت فيها مرتبات اللاعبين في بعض الأندية إلى مستوى كارثي. لكن خطة خفض الرواتب تم تطبيقها بالفعل في رياضات مختلفة واستطاعت تحقيق نجاح ملموس , وسنختار منها ثلاثة أمثلة توضح كيف نجحت هذه الخطة والتي طبقت بأساليب مختلفة في حماية الفرق المختلفة ومنحهم فرص متكافئة. فمثلا اتحاد كرة القدم الأمريكية في الولاياتالمتحدة يستخدم تلك الخطة التي يطلق عليها "الخفض الصعب Hard-Cap , وهي خطة تحدد ميزانية كل فريق طوال الموسم , على أن تكون هذه الميزانية بمقدار معين ثابت بالنسبة لجميع الفرق , وإذا ما حاول أي فريق خرق ذلك فيتم توقيع عقوبة عليه أو إلغاء العقد مع اللاعب الذي حاول الفريق شراءه , ليس هذا فحسب بل هناك قاعدة تحتم على مالك النادي أن يصرف 85% على الأقل من ميزانيته على مرتبات اللاعبين وذلك حفاظأ على حقوقهم ، وبهذه الخطة لن يستطيع حتى أغنى الفرق الاحتفاظ باللاعبين الأفضل طوال الوقت مثلما هو الحال في ريال مدريد الإسباني ومانشستر يونايتد الإنجليزي , وقد نجحت خطة الHard Cap في جعل الاتحاد الأمريكي الأكثر ثباتا من الناحية المالية في الولاياتالمتحدة بأسرها. أما في دوري السلة الأمريكي للمحترفين "إن.بي.إيه" فيتم تطبيق الخطة بشكل آخر ويطلق عليها "الخفض اللين" أو Soft Cap لأنها تسمح للفريق بأن يتعدى الميزانية في حالة رغبته في الاحتفاظ بنجم من نجومه , أو في حالة رغبته في رفع مرتب لاعب ناشيء أثبت موهبته ولا يريد الفريق خسارته. ويفضل المشجعون هذه الخطة لأنها تكافيء إخلاص اللاعبين للفريق بدلا مما هو حاصل حاليا , إلا أن هناك قواعد في ال"إن.بي.إيه" تجعل هناك حدا أقصى لرواتب اللاعبين ، وهو الأمر الذي من شأنه تخفيض أو تحديد المصروفات. واعتمدت رياضة البيسبول الأمريكية – بحسب وورلد سوكر - خطة مختلفة تماما ، ولكنها تخدم في السياق نفسه ، إذ يوجد ما يسمى ب"ضريبة الرفاهية" , وهي ضريبة يتم فرضها على الأندية التي تتعدى الميزانية المتفق عليها مسبقاً , ويتم توزيع أموال الضريبة على جميع الفرق المنافسة التي لم تتعد سقف الميزانية ، والأمريكيون يرون أنه لا ضرر من دفع "ضريبة الرفاهية" بصفة عامة. ولذا يجب على الكرة الأوروبية أن تتبنى إحدى هذه الخطط لتخفيف معاناة مالكي الأندية مثل أبراموفيتش الذي يدفع مرتبات لاعبي تشيلسي الضخمة ليس من أرباح النادي ولكن من ماله الخاص , وهو الأمر الذي يخلق قوة مالية صناعية حقيقية للفريق. وبالطبع فإن أكثر المعارضين لهذه الأنظمة الجديدة الخاصة بتحديد الميزانية هي الأندية الكبرى التي تخشى أن تؤثر هذه الخطط على فرصهم في الفوز وعلى مكانتهم كأندية تستأثر بالقوة , وهناك معارضون آخرون يرون أن تحديد الميزانية سيجعل الأندية تتحايل على القوانين وتصبح المرتبات الحقيقية لللاعبين غير المرتبات المعلن عنها. وقال هولدن عن هذه الذريعة الأخيرة لرفض الخطة أنها سبب غير مقنع على الإطلاق , وأضاف إنه إذا أرادت الفرق الإنجليزية أن تقلل التكاليف وأن تفسح المجال لمنافسة متكافئة فلن تمنعها أي إمكانية لتحايل بعض الفرق هنا أو هناك , لأن جميع الإجراءات ستتسم بالشفافية وسيتم تطبيق عقوبات صارمة على المخالفين. السؤال الآن : هل سيحدث خفض للمرتبات بالفعل؟ هل سيحقق بلاتيني حلمه؟ الإجابة أنه ، في عالم كل شيء يتغير فيه فجأة ، من الصعب أن نتنبأ , لكن بالتأكيد جاريث ساوثجيت المدير الفني لفريق ميدلسبره الإنجليزي كان محقا حينما قال إن خفض المرتبات سيرفع من مستوى الدوري ويجعله أكثر تماسكا , وكان حكيما أيضا حينما قال إن الخطة البلاتينية لا تلاقي أي قبول عند البعض خاصة الأندية الأقوي والأغنى سواء في مدريد أو مانشستر أو ميلان. ولكن مستقبل الكرة في حاجة إلى الخطة البلاتينية بالفعل!