ظل حي باب الشعرية لأكثر من نصف قرن قلعة لصناعة الأحذية وقِبلة يقصدها التجار والموزعين، فجأة تخلت القلعة عن حصونها وفتحت أبوابها وتراجع التجار عن زيارتها، وأُغلقت الورش، وحل محلها مكاتب استيراد دون تصدير. في شارع «درب آية»، أشهر شوارع الحي بمنطقة باب الشعرية، تجولت «الشروق»، وسألت أصحاب ورش وتجار وموزعين وعمال عن المهنة وأسرارها والأسعار، فكانت إجابتهم كما ترصدها السطور.. «من الجد للأب» علاء الصعيدي، صاحب محل لتجارة أحذية الجملة، يقول إنه ورث المهنة عن أبيه، ولديه 12 شقيقا جميعهم يعملون في تجارة الأحذية، مضيفا: «إحنا أكبر عائلة في باب الشعرية تعمل في مجال بيع الأحذية، رغم كوننا متعلمين وحاصلين على شهادات عُليا، وشربنا المهنة عن والدي». يتحدث «الصعيد»، عن زبائنه فيقول إنه يرى من جمع الألوان، فمن بينهم الشاب ميسور الحال الذي يمتلك عمل خاص، أو تاجر كبير يمتلك محلات قطاعي، أو بعض الشباب العاملين بالتسويق الإلكتروني، لكن أكثر ما يُثير اهتمامه هم زبائن المواسم، متابعا: «بتكون دخلة العيد علينا وواحد على قد حاله بيجي ياخد كام جوز يفرش بيهم في سوق الجمعة أو قدام بيته ويسترزق منهم وأهي بتمشي». «مهنة متعبة» يستكمل شقيق «علاء»، محمود الصعيدي، الكلام، مضيفا أن مهنته متعبة مثلها كبقية المهن، خاصة في ظل شُح التعاملات التجارية تلك الأيام لغلاء الأسعار، وصعوبة الظروف الاقتصادية لدى الجميع، وبالتالي لن تجد حجم البيع والشراء مثل العام الماضي على سبيل المثال، قائلا إن من سمات شارع «آية» بباب الشعرية، أنه مليء بالأقدام ليلا ونهارا، وتتقلب أحواله بين لحظة وأخرى، بالإضافة إلى التفاوت بين المحلات في الأسعار، وذلك لعدة أسباب، أهمها عامل المكان وإيجار المحل. وتابع «محمود»: «الأسعار متفاوتة بشكل كبير بسبب إيجار المحلات اللي بيوصل أحيانًا ل15 ألف جنيه أو أكثر، وفيه بعض المحلات بتكون في بيت صاحبها فمبتتحملش تكلفة إلا مصاريف خدمية بشكل كبير». «راحت علينا» وعلى جانب آخر، قال الحاج سيد محمود، صاحب ورشة، عن عملية البيع والشراء، إن المصانع تلك الأيام صارت ملجأ التجار الوحيد، ولم تعد المهنة مثل ذِي قبل، خاصة بعد ارتفاع تكلفة الصناعة اليدوية للقطعة الواحدة، في ظل ارتفاع أجر الصنايعية والخامات، بخلاف بعض تكاليف الخدمات ك«الإيجار والكهرباء». وتابع: «المصانع صارت تُعطي جودة أعلى من الصناعة اليدوية تلك الأيام، فمثلًا الماكينة الإلكترونية لا يمكنها أن تُخرج أخطاءً أو يظهر بالمنتج عيوب، ويستخدمون نظام يسمى "الحقن"، وهذا يكون أكثر أمانًا للمنتج عن استخدام نظام اللزق والكبس في الصناعة اليدوية». وأوضح أن من أسباب تدهور ورش الأحذية في مصر خلال الفترة الأخيرة، هو الصنايعية أنفسهم، مستطردا: «يعني مثلًا بتجيلي طلبية بكون عارف أني هخلصها في أسبوع مثلًا، لو ال3 صنايعية موجودين وأكون متفق مع التاجر على أسبوع فيجي صنايعي منهم ميجيش يومين تلاتة، وممكن اتنين ميجوش أصلًا»، وبالتالي لا يتمكن من التسليم في الموعد المُتفق عليه. ويرى سيد محمود، أن مهنة «الإسكافي» لن ينصلح حالها، إلا إذا واكبت التطور الفكري والتكنولوجي الجاري.