فترات التحول فى مسارات الشعوب جديرة بالانتباه، ليس بحجم التغيير فى الرؤية والأفكار فقط، ولكن بقيمته ومفرداته المستقبلية واستشرافه بشكل عصرى لا يخل بمجمل الموروث القيمى والتقليدى المتناغم مع تطورات عصره، لا العشوائى المندفع وراء أى انبهار لحظى. ربما كان تقديم أول عرض سينمائى فى المملكة بعد أربعة عقود تقريبا مؤشرا مهما على ما يمكن تسميته استعادة الوعى الذى تم استلابه كثيرا لصالح أجندة ما، استفاد منظروها دون أى استفادة للمجتمع، فى أغرب عملية استنزاف تدريجى بمسميات متعددة وزائفة. كان مثيرا لنا كسعوديين، ومحزنا أيضا، أن لدينا مخزونا تقليديا وتراثيا وثقافيا وفنيا رائعا، نتعامل معه فى الخفاء وعلى استحياء وكأننا نرتكب جريمة أخلاقية، بينما هى فى الأصل واحدة من مفرداتنا التى نعتز بها ونفخر، وكلها أدوات صالحة لأن تكون مصدرا ثريا لقوتنا الناعمة التى انتشرت شرقا وغربا فى محيطنا الخليجى والعربى ونالت التقدير، فيما ظلت تعانى فى موطنها التشكيك والغمز واللمز. ولأننا كنا فى أمسِّ الحاجة لبعث جديد يزيل الصورة التقليدية عن أعيننا وعن أعين الآخرين، جاءت رؤية 2030 الاستراتيجية التى حملها سمو ولى عهدنا الشاب بقيادة سلمان الحزم والعزم، لتنفض الغبار عن أجمل ما فينا، وتكشف لنا أننا لسنا أقل من جيراننا الذين يشاركوننا الجغرافيا والتاريخ، وتأكدنا أن الحياة ليست مجرد بئر نفط، ستنضب يوما، ولكنها إنسان وفكر وعقل لا بد أن يثرى من حوله، ويتأثر به.. وهذه هى المعادلة الصعبة التى وجب تغييرها بجدية واستراتيجية طويلة المدى. وهنا كانت منظومة المملكة الجديدة، بمعاصرتها وانفتاحها وتسامحها ورؤيتها التى تتعامل بمنطق الشراكة الإنسانية مع الجميع، لتبرز مخزونها التراثى والثقافى المتعدد والمبهر الذى يحاول الاستفادة من محاور قوته ليكون شريكا فكريا لا منافسا على أرض تتسع للجميع، تفيد وتستفيد، تبنى وتعمر، لا تدمر وتهدم، تبحث عن الاستقرار والسلم، لا تكون عامل زعزعة وفوضى. لا بد أن نعى أن مرحلة التحول الجدية الراهنة تشمل كل المجالات من أجل استعادة روح الوطن السعودى، وإبراز هويته الشخصية، وهذه لن تكون إلا باستنهاض كل محاوره وقواه الثقافية والفكرية والفنية، إلى جانب سواعده وعقوله التقليدية، ليست العملية مجرد عرض سينمائى أو فنى، ولكنها استعراض حثيث لمخزونه من القوى الناعمة التى يجب أن تنطلق إبداعا صحيحا لا يخل بمسار التحول، ولا بعمق التغيير المرتجى، لنرسم لأنفسنا ولوطننا ما يليق. محمد الوعيل الرياض السعودية