«مصر مرشحة بحكم الجغرافيا والإمكانات والموارد أن تكون دولة إقليمية عظمى فى خلال فترة زمنية محددة، ولكن ينقصها أن يتبنى أبناؤها مشروع هذه النهضة» هذا ما أكده د.محمد بهى الدين عرجون أستاذ هندسة طيران بجامعة القاهرة والمسئول عن تصنيع وإطلاق القمر الصناعى المصرى فى الدراسة الحديثة، التى أعدها فى إمكانية النهضة تحت عنوان «مصر دولة عظمى فى ثلاثين عاما 2010 2040»، التى خص بها «الشروق» من أجل طرح القضية فى إطار حوار وطنى واسع مرن يسمح بالإضافة والتعديل. وتحمل الدراسة حلولا للعديد من المشكلات المعقدة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، التى تعانى منها مصر مثل قلة نصيب الفرد من الدخل واتساع الفجوة بين طبقة الأغنياء وطبقة الفقراء وسيطرة الثقافة الأمنية على الحياة، علاوة على سلبية الشباب فى المشاركة وعدم اندماج الأقباط فى العمل العام. «مصر تستحق وتستطيع أن تكون دولة كبيرة وقوية (دولة عظمى) فى منطقتها وفى العالم خلال ثلاثين عاما» هكذا بدأت الدراسة فى سطورها الأولى فى شرح إمكانية النهضة،وتسرد الدراسة تعريف النهضة والقوة المطلوب تحقيقها فى كل عنصر من عناصر النهضة إلى أن تصل الدراسة إلى أن التكنولوجيا أو العامل السحرى، كما يحب أن يطلق عليها عرجون والتصنيع والثقافة التكنولوجية يمثل المفتاح الرئيسى لنهضة مصر، كما كانت هى المفتاح لدول مماثلة مثل اليابان والصين وماليزيا وكوريا الجنوبية. وقسم الدكتور عرجون الثلاثين عاما إلى عدة فترات، الأولى: فترة الحشد وتجميع الطاقات وتستمر خمس سنوات، ثم الانطلاق بكل قوة لمدة خمسة عشر عاما، ثم السير فى خط ثابت ومنتظم عشر سنوات أخرى، وشبه ذلك بعملية إقلاع الطائرة وإعدادها وتجهيزها للإقلاع ثم الانطلاق بكل قوة للإقلاع ثم السير بانتظام. وضرب عرجون ثلاثة أمثلة على إمكانية النهضة فى تلك الفترة الزمنية مثل نهضة محمد على من عام 1811 وحتى 1840 وثورة الشعب المصرى ضد الإنجليز 1919 1949 ونهضة كوريا الجنوبية 1962 1992. وينطلق عرجون فى دراسته على ضرورة توافر 7 عناصر قوة، موضحا أن مصر تمتلك منها ما يؤهلها للنهضة، وأهمها فى رأيه عدد السكان فهو يختلف مع كثيرين اعتبروا تعداد مصر السكانى يمثل عامل ضعف، فيقول: «إن مصر تقع فى المرتبة السادسة عشرة من حيث عدد السكان بتعداد نحو 76 مليون نسمة، ويقع معها فى نفس الفئة دول مثل ألمانيا (82 مليون نسمة) وتركيا وإيران (71 مليون نسمة لكل منهما) وفرنسا وإنجلترا وإيطاليا (نحو 60 مليونا لكل). وتوضح هذه الإحصائية أن مصر تمتلك الكتلة البشرية الحرجة التى يتطلبها التقدم والنمو، ويؤكد أن هذا العدد لا يمثل ثقلا لكبح النمو بل لو قل التعداد عن ذلك سيتعثر النمو، خاصة أن التركيبة السكانية لمصر، التى يعتبرها عنصرا مؤثرا فى عملية النهضة تبشر بهذا، ففى مصر والدول النامية عموما بعكس أوروبا يتمتع المجتمع بحيوية الشباب الذين يمثلون أغلبية، ورغم ذلك فإنه يراها حيوية زائفة لأن هناك 20% من قوة المجتمع المصرى أميون غير منتجين، وبالتالى فهذه قوة معطلة، هذا بخلاف أميو التعليم أى الخريجون الذين لم يتعلموا شيئا، ويقول: «إن هذا يجب ألا يشعرنا بالإحباط إنما يتطلب جهدا أكبر فى تغير نوع التعليم ومستواه وكفاءته، مشيرا إلى أن التعليم الابتدائى والإعدادى وتشكيل النشء فى السنوات العشر المقبلة هو مفتاح النهضة». لهذا لا جدال أن التعليم هو ركن الزاوية فى تحقيق النهضة خلال السنوات الثلاثين المقبلة لأن الجيل الذى سيحمل النهضة طبقا للدراسة هو الجيل، الذى يتلقى تعليمه الآن فى المراحل الجامعية، وبالتالى فإن شرط النهضة فى رأى عرجون يبدأ من حدوث تغيير حقيقى فى التعليم نحو التعليم الإلكترونى وتعميق دراسة الفيزياء والكيمياء والرياضيات وإعلاء قيمة المبادرة والابتكار والتصنيع، ولهذا يطالب بتحول كمى ونوعى لابد منه فى إعداد خريجى الكليات العملية. ويركز عرجون على التعليم الهندسى والفنى وتحقيق جودتهما، ويمثل هذا فى رأيه أحد شروط النهضة ويقول «لا يمكن توقع قيام نهضة تكنولوجيه وصناعية تقوم على أساس جودة وكم وتنوع المنتجات الهندسية دون تحسين هائل فى جودة العمالة الفنية المتاحة للصناعة المصرية»، التى تقوم على تحسين جذرى فى جودة خريجى التعليم الفنى ويلقى الضوء على تميز أحد البرامج الفنية مثل مبارك كول. ولتحقيق النهضة فى مصر يدعو عرجون إلى حركة سلمية مدنية مثابرة كجمعيات النهضة تشكل من الجماعات الأهلية تعمل على نشر ثقافة النهضة بالحشد والقياس وتدعو إلى التغيير من أسفل وليس من القمة وتراقب مشروع النهضة، وتقاوم فى نفس الوقت ثقافة الإحباط، التى اعترت المجتمع المصرى من حدوث أى إصلاح أو تقدم، وتعزز المفاهيم الصحيحة للدين الإسلامى فى الربط بين إعلاء قيمة العمل والعبادة وتقدير العلماء لكى تتحول مصر من قطعة حديد إلى مغناطيس يجذب الجميع إلى هدف واحد واتجاه واحد نحو تحقيق النهضة. مشروع شعبى للنهضة يجب أن يعتمد فى رأى عرجون على تشخيص واقع مصر عام 2010 على أن يكون ذلك بمثابة كشف حساب لواقع التعليم والأمية والبطالة والوضع الصحى وحالة الصناعة والإنتاج الصناعى كتوزيع المصانع وقدرتها وحالة الزراعة وميكنتها بالإضافة إلى رصد كفاءة أداء الحكومة والموظفين ثم البدء بنشر ثقافة الحشد للاستفادة من كل الإمكانات واستغلالها أحسن استغلال ثم نشر ثقافة القياس بين القدرات الاقتصادية المصرية ومقارنتها بدول أخرى أكثر تقدما، وأخيرا التأكيد على التغيير المجتمعى التدريجى بأنه ممكن وأوضح مثال على ذلك بقوانين التفرقة العنصرية فى المجتمع الأمريكى إلى تتويج ترشيح باراك أوباما لرئاسة الولاياتالمتحدةالأمريكية.