من ينظر إلى تطورات الوضع السورى على الأرض، ومن خلال كثافة وحدة التفاعلات الدبلوماسية المحيطة بذلك الوضع من قبل الأطراف الدولية والإقليمية الأساسية على المسرح السورى قد يصاب بالدوار. فهنالك تعاون بالقطعة وسيولة فى المواقف التى قد تبدو أحيانا متناقضة عند كل طرف فى لحظات مختلفة أو تجاه أحداث مختلفة. إنه منطق التسابق بغية الإمساك بأكبر عدد ممكن من الأوراق فى الصراع حول سوريا، فى ربع الساعة الأخيرة من الصراع والتى مازالت مفتوحة فى الزمان. *** أولا: هنالك تغيير فى قواعد اللعبة من خلال التصعيد الكمى والنوعى فى القتال والانتقال التدريجى من الحروب بالوكالة إلى الحروب المباشرة، وللتذكير، فإنها المرة الأولى التى يحدث فيها نوع من الصدام المباشر الإسرائيلى الإيرانى. حروب قد تؤدى إلى صدام إقليمى ودولى فى المسرح السورى، مقيد أو مفتوح على جميع الاحتمالات، بعد إسقاط مقاتلة روسية وأخرى إسرائيلية ومروحية تركية وقصف جوى إسرائيلى لأكثر من 12 موقعا سورياوإيرانيا. ثانيًا: جاء ذلك نتيجة حربين جديدتين مباشرتين: حرب تركية فى الشمال لمنع تبلور مشروع حكم ذاتى كردى على الحدود التركية السورية يشبه نموذج كردستان العراقية، وهذا بمثابة خط أحمر لتركيا. وحرب إسرائيلية فى الجنوب لمنع قيام أو تعزيز قواعد إيرانية وأخرى لحلفاء إيران فى المسرح السورى ذاته تشكل بالمنظور الإسرائيلى تأسيسا لنفوذ إيرانى مستقبلى و«مستقل» فى سوريا الغد بعد أن كان النفوذ الإيرانى قبل الانفجار السورى فى 2011 يخضع كليا للاعتبارات التى تحددها السياسة السورية الرسمية. وكان من السهل التعامل معه مقارنة مع الوضع الحالى والمستقبلى من المنظور الإسرائيلى. كل من القوتين يعتمد على حلفائه: تركيا تعتمد على إيرانوروسيا وإسرائيل تعتمد على الولاياتالمتحدة التى لا تقل عنها حماسة فى محاربة النفوذ الإيرانى. أضف إلى ذلك أن القرار السورى بالرد على الغارات الإسرائيلية كان لإيران دون شك تأثير كبير فى بلورته. ثالثا: هنالك ارتباك عند من هم أصدقاء طرفى الصراع فى الحالتين. الولاياتالمتحدة، رغم أنها تقيم علاقات تعاون وثيقة وتشاور عسكرى مع الحليف الاستراتيجى التركى العضو فى الحلف الأطلسى، تقف فى مواجهة تركيا فى حرب الشمال متمسكة بالورقة الكردية فيما تدعوها تركيا إلى التشارك فى التمركز لقوات تركية وأمريكية فى منبج، حيث يوجد جنود أمريكيون وسيطرة كردية. تركيا تحث الولاياتالمتحدة على دفع وحدات حماية الشعب الكردية للانتقال إلى شرق الفرات. فمعركة واشنطن الأساسية، وهى التى تسيطر على 30 بالمائة من الأراضى السورية وحقول النفط، كما يذكر وزير خارجيتها، تكمن فى العمل على منع إيران من الإمساك كليا بالمعابر الحدودية العراقية السورية التى هى خط عبور إيران إلى البحر الأبيض المتوسط. من جهة أخرى، يبدو أن لعبة التوازن التى أجادها «المايسترو» الروسى بين صديقيه الإسرائيلى والإيرانى قد اهتزت بقوة، والبعض يقول إنها سقطت مع إسقاط الطائرة الإسرائيلية الذى تم بموافقة روسية كما يرى ذلك البعض. ويبدو أن الطمأنة الروسية لإسرائيل بشأن النفوذ الإيرانى فى سوريا لم تعد تفيد بعد أن دخلت إسرائيل لتضرب بشكل مباشر أعداءها فى المسرح السورى. الاختيار الروسى لن يكون بالمطلق بالطبع بين «الصديقين»: مشكلة روسيا تكمن فى ضبط إسرائيل حاليا حتى لا تفجر الموقف كليا فى سوريا، الأمر الذى يطال المصالح الحيوية الروسية. وهو ما يستدعى إبقاء القدرة على طمأنتها بأن لا يتحول جنوب غرب سوريا إلى منطقة نفوذ إيرانية، مقابل البقاء إلى جانب الحليف الإيرانى فى عز المعركة ولو أن الأهداف النهائية للصراع وطبيعة التسوية وتقاسم «قالب الحلوى» السورى تشكل كلها نقاط خلاف مؤجلة بين الطرفين الروسى والإيرانى. *** «الصراع على سوريا» اليوم وازدياد حدته، كما ونوعا، يضع المشهد السورى أمام احتمالات ثلاثة: أولا: أن تبقى الحروب المباشرة الجديدة بمثابة رسائل تحذير وتذكير من طرف أصحابها للطرف أو الأطراف الأخرى فى الصراع، بالخطوط الحمر الواجب احترامها فى لعبة الردع المتبادل أو عض الأصابع تحت سقف عدم حصول انفجار مفتوح. يساعد فى ذلك دور الطرف الثالث الصديق للمتصارعين أو خوف المتصارعين من الذهاب نحو المجهول. ثانيا: أن تخرج هذه الحروب/الرسائل، خاصة فى ما يتعلق بالصراع الإسرائيلى الإيرانى، عن السيطرة باتجاه تصعيد مزدوج، عسكرى أولا، يؤدى إلى التصعيد الجغرافى لاحقا، كأن يمتد إلى الجنوب اللبنانى الذى يصبح عند ذلك جزءا من المسرح الصراعى السورى الذى يتقاتل عليه اللاعبون الإقليميون والدوليون. ثالثا: إن ازدياد حدة الصراع والمخاوف من توسعه وخروجه عن السيطرة، وهو ما يهدد مصالح الجميع، قد يحفز الأطراف الدولية، وتحديدا الولاياتالمتحدةوروسيا الاتحادية، الأقل صراعا فيما بينها من الأطراف الإقليمية فى سوريا، للضغط الفعلى والفعال على الأطراف الإقليمية بسبب الخوف من المجهول.