فى كتابه الجديد «حول التجديد فى الفكر والخطاب الدينى» الصادر عن دار الشروق منذ أيام أجاب المؤلف المستشار رجائى عطية : بحكْم كونه قضية مجتمعية يسهم فيها كل بقدر معرفته ومستطاعه، على ألا يتحدث غير القادر فيما لا يقْدر عليه، أو لا يحْسنه، فلا سلطان فى الإسلام لأحْبار أو أشباه الأحبار، ولا توسط لسدنة، أو قربان، أو كهان، وبذلك يكون الخطاب أمانة ومسئولية، ليصل إلى عنوانات مهمة، هى: 1 الإسلام بنْية حية تكْفل تجديد الخطاب، وتتنادى به. 2 قانون التجديد سنة كونية أخبر عنها القرآن المجيد. 3 نرى الدليل النقلى فى السنة على التجديد ما روى عنه صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة منْ يجدد لها فى دينها». 4 الدليل العقلى على التجديد فى مواكبة الصيرورة، ومستجدات الحياة، وملاءمة الأحكام لكل زمان ومكان. 5 التجديد ليس خروجا على الدين. 6 الخطاب الدينى تجديد، وليس تبديلا ولا تشويها. 7 التعريف الصحيح بالإسلام أول واجبات التجديد. 8 المسئولية العظمى للكلمة: «تعالوا إلى كلمة سواء». أقصد بالتكامل ذلك الكل المركب من أجزاء لا يستقيم الأمر مع تفتتها وتجزيئها، وإنما يستقيم من خلال نظرة كلية متكاملة تتحقق فيها تكاملية تلك الأجزاء، ومثال ذلك، هنا، ما يتضمنه ذلك التنوع فى وجوه الخطاب وألوانه وغاياته وهويته، وهو، بلا جدال، تنوع راجع إلى تنوع المجتمعات الحديثة، وتنوع قضاياها، ومن ثم تنوع مذاهبها ومناهجها ومفتقداتها ورؤاها ووجهات نظرها، وبذلك قد لا يجدى النظر فى تجديد الخطاب الدينى، وحده، ومنفردا، دون إصلاح الخطاب الثقافى والإعلامى والتعليمى والتربوى والفكرى والاجتماعى والمجتمعى بعامة. ولعله، من هنا، كان عنوان النظرية التى يطرحها المفكر رجائى عطية مقدما صفة «الفكرى» على صفة «الدينى»، وذلك لسببين، فيما أرى، السبب الأول: إعطاء «الفكر»، والنظر، والتأمل منزلته الجدير بها، والتى نص عليها القرآن الكريم فى أكثر من آية، ولهذا كانت له الأسبقية فى العنوان، وبالمثْل ينبغى أن تكون له الأسبقية فى التجديد. السبب الثانى: أن الفكر يتضمن تنوعا كبيرا بين مجالاته التى لا تكاد تحد. يتضمن: الفكر الدينى النابع من الديانات الثلاثة، أولا، ويتضمن، ثانيا، الفكر العقدى، أو الأيديولوجى المتنوع بين اليمين واليسار، والانتماء واللا انتماء، والإيمان والإلحاد، ومن ثم تتلون وجوهه بتلون غاياته وأهدافه: الدينية: وعظية، وإرشادية، والاجتماعية، والسياسية، والثقافية، والفنية، والإعلامية، والتعليمية، والتربوية، والبيئية، والقانونية، والنفسية، والبراجماتية العملية النفعية... إلخ، كما يتضمن، ثالثا، تنوعا بين الوسطية الاعتدالية، من ناحية، والجنوح المفْرط، والجموح الأحمق، من ناحية ثانية، والعلْم الناقص والعلْم غير الناقص، من ناحية ثالثة، بمثْل ما يتضمن فهمه وتطبيقه، رابعا، من حرْفية متيبسة متشددة، أو مرونة متأنية، ومن فهم صحيح للتراث، أو فهم زائف للتراث. ومن هنا كان من الأهمية بمكان أن يحتل الفكر، فى عنوان الكتاب، المنزلة الأولى فى الرغبة فى التجديد، لأنه مفتاح الفهم الصحيح لصحيح الدين، ولأنه الوقاية، وصمام الأمان من الانزلاق فى ضلالات المدعين السطحيين المتعجلين، أو المتحذلقين المتشددين المتعصبين، ممن يأخذون العلْم من غير مصادره، ويتلقوْنه من غير أهله وشيوخه وفقهائه، ومن ثم يكون التلقى على غير وجهه الصحيح. ولهذا فإن التجديد فى الفكر والخطاب هو فهم للغة العصر، ومناخه، وظروفه، وقضاياه فى ضوء الفهم الصحيح لما ورد فى الإجماع حول النص القرآنى والحديث النبوى الشريف، واجتهاد السلف الصالح، ودونما معارضة لذلك كله، بعيدا عما دُس فى التراث من زيف، وما جد على الحاضر من باطل، وكأن التجديد عودة للقديم الناصع، ونبذٌ لما طرأ عليه من هوى شخصى، وأهواء دنيوية، وسياسية وأطماع نفعية ذاتية، لأن الجديد هو القديم الصحيح، الخالى من تضليل المدعين، وأنصاف المتعلمين، والبرىء من ابتداعات المبتدعين، فكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة فى النار. وفى إطار التجديد وفروعه يقول: «لا ينبغى إذن أن ينحصر التجديد فى الخطاب. بل إن التجديد واجب فى الفهم والتطبيق قبل الخطاب». أنواع الخطاب المتكامل هى: التجديد فى الخطاب الدينى: ألا يقتصر تجديد الخطاب على دين الإسلام، فحسب، بل يشمل الأديان جميعها. • بيان منزلة المرأة فى الإسلام عدم إهدار السنة بين: المتواتر، والمشهور، وخبر الآحاد، وشروط الأخذ به، وما يتبع فى غير متصل السند «المرسل»؛ لأن السنة تفصل ما جاء فى القرآن مجْملا، وتقدير منزلة السنة النبوية الشريفة، التى اكتسبتْ حجيتها من القرآن الكريم. الأخذ بما جاء فى المصدر الثالث، وهو الإجماع، ومتابعة الاجتهاد. والأصل فى الأشياء الإباحة ما لم يَرِدْ نص، والتحريم للأصنام. لا للنقوش والهيئات، والأضحية ليست مقصورة على الإسلام. وانطلاقا من أن الإسلام بنْية حية تكْفل تجديد الخطاب، يجب شرح مقاصد الشريعة الإسلامية، وأصول الفقه وأحكامه، وفقه الأولويات، وتقديم الأصول على الفروع، والأهم على المهم، وتقديم مصالح الجماعة على رغبات الأفراد، ومقاصد الشريعة على الوسائل والآليات. وفى التفسير معرفة أسباب النزول، ومتابعة الاجتهاد، وشرْح وسائل استنباط الأحكام من: قياس، واستحسان، ومصالح مرسلة، وعُرْف، وذرائع، واستحسان، واستصحاب، ونبذ البدع وبيان مخاطرها، ومخاطر أنصاف المتعلمين، ونبذ ترويع الآمنين، وبيان أن الدين محبة. الخطاب التعليمى والتربوى: وذلك بالنظر فى مجالاته المتعددة، ومفردات مقرراته، من علوم اللغة والدين والأدب والجغرافيا، والتاريخ، بتنقيته من الخرافات والأساطير، وتنقية مناهج التعليم وتطويرها، وعَصْرنتها، وإحسان إعداد المعلم. • الخطاب الثقافى، والإعلامى ببيان أهمية الوظيفة الروحية لفروع الفن والأدب والثقافة من: المسرح والسينما والأغنية والموسيقى، والفنون الجميلة والتشكيلية، بإشارة ذكية لكتاب «السماع» لابن القيسرانى منذ نحو تسعة قرون، حققه أبو الوفا المراغى، وأهمية احترام تراث الإنسانية من آثار ومدافن ومراقد، والنظر إلى الآثار من قاعدة: الأصل فى الأشياء الإباحة، والفرق بين عبادة الأصنام، والغرض من وجود الأثر المنقوش أو المنحوت.