الداخلية تكرم أبناء شهداء الشرطة المتفوقين دراسيا    محاضرة بجامعة القاهرة حول "خطورة الرشوة على المجتمع"    استقرار سعر الدينار الأردني أمام الجنيه في البنوك المصرية    وزير البترول يستعرض إصدار قانون تحويل الثروة المعدنية إلى هيئة عامة اقتصادية    سعر الين الياباني مقابل الجنيه اليوم السبت 15 نوفمبر 2025    البط والأرانب بكام؟.. أسعار الطيور البلدى اليوم فى أسواق الإسكندرية    سرايا القدس تستهدف آلية عسكرية إسرائيلية في نابلس    وزير الخارجية يعقد مشاورات مع وزير العدل والشرطة السويسري    تصعيد قاسٍ في أوكرانيا... مسيّرات وصواريخ "كينجال" ومعارك برّية متواصلة    استبعاد مفاجئ لنجم ريال مدريد من قائمة منتخب إسبانيا    هانيا الحمامي تودع بطولة الصين للاسكواش بعد الخسارة أمام لاعبة اليابان    صندوق مكافحة الإدمان: تقديم خدمات ل130601 مريض خلال 10 أشهر    الداخلية تكشف ملابسات مشهد أشعل السوشيال ميديا| فيديو    موجة برد قوية تضرب مصر الأسبوع الحالي وتحذر الأرصاد المواطنين    تأجيل محاكمة المتهمة بتشويه وجه خطيبة طليقها بمصر القديمة ل20 نوفمبر    الخارجية: إنقاذ ثلاثة مصريين في منطقة حدودية بين تركيا واليونان    ربنا يطمنا عليك.. محمد رمضان يساند أحمد سعد بعد حادث السخنة    محمد رمضان ل أحمد سعد: ربنا يقومك بالسلامة يا صاحبي وترجع لحبايبك وجمهورك    الأعلى للثقافة: الحجز المسبق ينظم دخول المتحف الكبير ويضمن تجربة منظمة للزوار    عروض فنية وإبداعية للأطفال في ختام مشروع أهل مصر بالإسماعيلية    التأمين الصحي الشامل: 905 آلاف مواطن من غير القادرين تتولى الدولة دفع اشتراكاتهم بالكامل    الصحة تكشف ركائز تطوير منظومة السياحة العلاجية    كاف يخطر بيراميدز بموعد وحكام مباراة ريفرز النيجيري فى دوري الأبطال    الموسيقار هاني مهنا يتعرض لأزمة صحية    التعليم العالى تقرر إلغاء زيادة رسوم الخدمات لطلاب المعاهد الفنية.. تفاصيل    فرص عمل جديدة بالأردن برواتب تصل إلى 500 دينار عبر وزارة العمل    الصحة العالمية: 900 وفاة في غزة بسبب تأخر الإجلاء الطبي    محافظ الجيزة يُطلق المهرجان الرياضي الأول للكيانات الشبابية    التخطيط والتعاون الدولي تقدّم الدعم لإتمام انتخابات مجلس إدارة نادي هليوبوليس الرياضي    «الزراعة»: إصدار 429 ترخيص تشغيل لمشروعات الإنتاج الحيواني والداجني    «حكايات من الصين المتطورة: لقاء مع جوان هو» في أيام القاهرة لصناعة السينما| اليوم    «الطفولة والأمومة» يتدخل لإنقاذ طفلة من الاستغلال في التسول بالإسماعيلية    لاعب دورتموند يسعى للانتقال للدوري السعودي    لو مريض سكر.. كيف تنظم مواعيد دواءك ووجباتك؟    تجديد الاعتماد للمركز الدولي للتدريب بتمريض أسيوط من الجمعية الأمريكية للقلب (AHA)    في ذكرى وفاته| محمود عبدالعزيز.. ملك الجواسيس    تحاليل اختبار الجلوكوز.. ما هو معدل السكر الطبيعي في الدم؟    نشرة مرور "الفجر".. انتظام مروري بمحاور وميادين القاهرة والجيزة    كولومبيا تعلن شراء 17 مقاتلة سويدية لتعزيز قدرتها الدفاعية    الدفاع السورية: تشكيل لجنة تحقيق لتحديد مكان إطلاق الصواريخ على دمشق    مدفعية الاحتلال تقصف شرق مدينة غزة ومسيرة تطلق نيرانها شمال القطاع    الصحة العالمية: «الأرض في العناية المركزة».. وخبير يحذر من التزامن مع اجتماعات كوب 30    عمرو حسام: الشناوي وإمام عاشور الأفضل حاليا.. و"آزارو" كان مرعبا    الصين تحذّر رعاياها من السفر إلى اليابان وسط توتر بشأن تايوان    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم السبت 15 نوفمبر 2025    جامعة القناة تقدم ندوة حول التوازن النفسي ومهارات التكيف مع المتغيرات بمدرسة الزهور الثانوية    مواقيت الصلاه اليوم السبت 15نوفمبر 2025 فى المنيا    في غياب الدوليين.. الأهلي يستأنف تدريباته استعدادا لمواجهة شبيبة القبائل    الحماية المدنية تسيطر على حريق بمحل عطارة في بولاق الدكرور    حكم شراء سيارة بالتقسيط.. الإفتاء تُجيب    إقامة المتاحف ووضع التماثيل فيها جائز شرعًا    دعاء الفجر| اللهم ارزق كل مهموم بالفرج وافتح لي أبواب رزقك    اشتباكات دعاية انتخابية بالبحيرة والفيوم.. الداخلية تكشف حقيقة الهتافات المتداولة وتضبط المحرضين    باحث في شؤون الأسرة يكشف مخاطر الصداقات غير المنضبطة بين الولد والبنت    جوائز برنامج دولة التلاوة.. 3.5 مليون جنيه الإجمالي (إنفوجراف)    حبس عصابة استدرجت صاحب شركة واستولت على أمواله بالقاهرة    زعيم الثغر يحسم تأهله لنهائي دوري المرتبط لكرة السلة    سنن الاستماع لخطبة الجمعة وآداب المسجد – دليلك للخشوع والفائدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



صفقة القرن.. إلى أين؟
نشر في الشروق الجديد يوم 13 - 12 - 2017

يصعب الادعاء أن ما يطلق عليها «صفقة القرن» تقوضت نهائيا ومخططها الرئيسى ذهب بغير رجعة مع ريح الغضب، لكنها تلقت ضربة لا يستهان بها بأى حسابات تنظر فى مستقبل الإقليم وليس فى فلسطين وحدها.
لم يكن الاعتراف الأمريكى بالقدس عاصمة لإسرائيل خطوة منعزلة عن سياقها الإقليمى والترتيبات المحتملة بعد حسم الحرب مع «داعش».
إنهاء القضية الفلسطينية للأبد صلب تلك الصفقة حسب ما هو معلن ومنشور، فلا مرجعيات دولية لأى مفاوضات مقترحة، وضم نصف الضفة الغربية بالمستوطنات التى أنشئت عليها مسألة منتهية، ومصير القدس محسوم، ولا استعداد لأى كلام عن حق العودة المنصوص عليه فى قرارات للأمم المتحدة.
كل ما هو معروض على الفلسطينيين «دولة مسخ» بلا سيادة أو اتصال فى الأراضى مقابل التصفية النهائية لأعدل القضايا الإنسانية فى السبعين سنة الأخيرة.
ليست هناك مفاجأة واحدة فى أسباب ودواعى قرار الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب»، فقد كان كل شىء معلنا قبل فترة طويلة نسبيا، وهو نفسه فى مؤتمر صحفى ضمه إلى رئيس الوزراء الإسرائيلى «بنيامين نتنياهو» فى البيت الأبيض ناهض علنا «حل الدولتين».
ربما كانت هناك مفاجأة فى التوقيت.
بعض الأسباب داخلية لترميم شعبيته المتصدعة أمام ناخبيه المتعصبين على خلفية التحقيقات الجارية بشأن التدخل الروسى فى الانتخابات، التى صعدت به إلى المكتب البيضاوى.
وبعض الأسباب إقليمية خشية أن تتعقد الحسابات على نحو لا يسمح بتمرير الصفقة دون أثمان باهظة لا تحتملها الدولة العبرية.
التزامن بين إعلان الجيش الروسى انتهاء مهمته فى سوريا بعد تصفية تمركزات «داعش» واحتفال العراقيين بإنهاء أى تمركزات مماثلة على أراضيهم واعتراف «ترامب» بالقدس عاصمة لإسرائيل والشروع فى نقل السفارة الأمريكية إليها لا يمكن أن يكون مصادفة.
الأقرب إلى الحقيقة أن الاعتراف الأمريكى هو استباق للتداعيات الممكنة فى توزيع القوة والنفوذ بالإقليم.
وفق موازين ميادين النار فقد تعاظمت المكاسب الاستراتيجية الروسية، التى أعلن رئيسها «فلاديمير بوتين» سحب جانب كبير من قواته فى سوريا، المهمة انتهت والحرب حسمت وجاء وقت التسويات الكبرى.
فى أى تسوية من مثل هذا النوع فإن للحقائق على الأرض كلمتها الحاسمة وخسارة الولايات المتحدة وحلفائها مما لا يمكن نفيه حتى أن المبعوث الأممى «استيفان دى مستورا» نصح المعارضة السورية فى مفاوضات جينيف إبداء مرونة أكبر حتى لا يجرى تهميشهم بالخطوات المقبلة.
وفق الحقائق الميدانية بتعقيداتها الإقليمية ابتعدت إلى حد كبير أشباح التقسيم عن سوريا والعراق.
كان المخطط الرئيسى لصفقة القرن أن يتمدد الدور الإسرائيلى بتحالف مع دول عربية على خلفية العداء المشترك لإيران فوق أنقاض القضية الفلسطينية ورمزية القدس ودون ممانعة فى ضم الجولان السورية إلى دولة الاحتلال.
وكان التقسيم هو السيناريو الأرجح للمصيرين السورى والعراقى، دون أن تتوقف اللعبة عندهما، غير أن ما جرى لم يوافق الرهانات، فلا الحقائق الميدانية زكت المضى فيه إلى النهاية، ولا الممانعات الإقليمية الإيرانية والتركية أفسحت المجال.
هكذا أجهض الاستفتاء على انفصال كردستان العراق وتقوضت إلى حد كبير أى رهانات فى تمدد لعبة التقسيم إلى دول عربية أخرى وفق ما أطلق عليه مجازا «سايكس بيكو جديدة»، التى قسمت بمقتضاها الخرائط العربية قبل مائة عام.
قبل توزيع القوة والنفوذ فى التسويات الكبرى، التى اقتربت مواعيدها، جاء الاعتراف الأمريكى عملا استباقيا لاقتناص اللحظة بتفاهماتها الخلفية مع دول عربية أبدت استعدادا مفتوحا لتطبيع العلاقات مع إسرائيل استراتيجيا واستخباراتيا واقتصاديا دون أن يرتهن ذلك بأى اشتراطات تقتضيها المبادرة العربية، التى تنص على الانسحاب الكامل من الأراضى المحتلة منذ عام (1967) مقابل السلام الشامل.
بعض التفاهمات الخلفية شبه معلنة بتسريبات أمريكية وإسرائيلية، وبعضها الآخر قيد التكتم.
لم تكن زيارة الوفد البحرينى إلى القدس المحتلة غداة قرار «ترامب» إعلانها عاصمة لإسرائيل سوى قمة جبل جليد أغلبه غاطس حتى الآن.
ولم تكن تصريحات «نتانياهو» فى بروكسل عاصمة الاتحاد الأوروبى من أن دولا عربية تؤيد «قرار ترامب» محض افتراء، أو أن دولا أوروبية قد تحذوه بالقريب العاجل مجرد تمنى.
أفضل ما ينسب لموجات الغضب، التى عمت شوارع العالمين العربى والإسلامى وامتد فعلها إلى ميادين أوروبية وأمام البيت الأبيض نفسه، أنها أثارت حالة تنبه غير مسبوقة لمدى خطورة صفقة القرن، إذا ما مضت إلى نهاياتها.
للغضب قيمته فى تعطيل الصفقة لكنه لا يكفى وحده لمنع الخطر من أن ينفذ بعد أن تهدأ فورته.
توسيع «كامب ديفيد» بنقل تبعية الالتزامات الأمنية على جزيرتى «تيران» و«صنافير» من مصر إلى السعودية كان خطوة تمهيدية لضربات صفقة القرن.
والكلام الإسرائيلى المتواتر عن نزع شمال سيناء من الجسد المصرى كوطن بديل للفلسطينيين تمهيد آخر لنوع من التسوية تنهى الأزمة الديموجرافية فى فلسطين المحتلة على حساب الأمن القومى المصرى واحترام البلد لنفسه.
لا يمكن لأى بلد أن يتطلع لحماية أمنه القومى خارج حدوده إذا كان مستباحا فى داخله.
ما لم يتوقعه «ترامب» أن يفضى قراره إلى إعادة ترتيب الأواق من جديد، وعودة القضية الفلسطينية إلى صدارة الأولويات فى الإقليم.
على الأهمية الأكيدة لكل مظاهر الغضب والاحتجاج هنا وهناك، فإن مفتاح الموقف داخل الأراضى الفلسطينية المحتلة.
إذا تواصلت الانتفاضة الجديدة فإن مستويات الممانعة ترتفع وصفقة القرن تجهض وكل سياسة توضع على ميزان حساس يحكم لها أو عليها.
العمل الشعبى هو الأساس، وأى رهان آخر سابق لأوانه، فلكل حدث حديث، والحديث الآن للانتفاضة الفلسطينية الثالثة.
فى كل المداخلات الدبلوماسية باتساع العالم هناك إقرار واضح بأن اعتراف «ترامب» يتنكر لقواعد القانون الدولى ومرجعيات الأمم المتحدة ذات الصلة، غير أنه لا يترتب عليه بالضرورة إنهاء الدور الأمريكى، فسوف تبذل جهود وتجرى ضغوط على مراكز القرار الرخوة فى العالم العربى لإعادة الأمور إلى ما كانت عليه، بصيغة أو أخرى، باسم الواقعية السياسية.
باتساع مدى زخمها سوف تتزايد الضغوط لإثارة الفرقة داخل الصف الفلسطينى وبالتخاذل عن دعمها قد يفسح المجال لإجهاضها من الداخل.
بذات القدر فهناك إقرار آخر بأن اتفاقية «أوسلو» انتهت إلى فشل ذريع يتطلب إعادة إحياء منظمة التحرير الفلسطينية على نحو يتسق مع التحديات الجديدة والنظر فى حل السلطة دون أن يكون بوسع الإسرائيليين القيام بانقلاب يضع محلها سلطة عميلة، تشبه ما جرى فى جنوب لبنان قبل تحريره.
المصالحة الفلسطينية تحتاج تعريف جديد لا يقتصر على تقاسم السلطة والنفوذ بين رام الله المحتلة وغزة المحاصرة، فالأفق السياسى له الأولوية الآن لاكتساب الحقوق العادلة وإجهاض صفقة القرن.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.