محافظ المنوفية يتفقد انتظام سير العملية التعليمية بمدرسة حسين غراب الإعدادية    يمامة ضمن قائمة المعينين بمجلس الشيوخ    التنسيقية تهنئ أعضاءها المعينين في مجلس الشيوخ    سعر الفضة اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025.. بكم عيار 925 الآن؟    الهلال الأحمر المصري يرفع درجة الاستعداد القصوى في العريش    حماس: لن نشارك بتاتا في المرحلة الانتقالية    باكستان تغلق حدودها مع أفغانستان عقب تبادل إطلاق نار عبر الحدود    موعد مباراة مصر وغينيا بيساو في تصفيات المونديال والقنوات الناقلة    محمد صبحي يفوز ببرونزية وزن 88 كجم ببطولة العالم لرفع الأثقال البارالمبي بالعاصمة الإدارية    مصرع مهندس زراعي في تصادم دراجة نارية بسيارة نقل بمنطقة مساكن طابا ببنها    انطلاق مؤتمر مهرجان القاهرة السينمائي بحضور نخبة من نجوم الفن.. فيديو    مهرجان القاهرة السينمائي الدولي يعلن أفلام مسابقة الأفلام القصيرة في دورته ال46    خالد العناني في تصريحات خاصة ل«البوابة»: اليونسكو ستعود إلى جوهر رسالتها الإنسانية    مدير المستشفيات يتفقد مستشفيي قويسنا وبركة السبع لمتابعة انتظام العمل وجودة الخدمات الطبية    "صحة الدقهلية" تعلن إجراء 41 ألف جلسة علاج طبيعي وتشغيل عيادة الأطراف الصناعية    آلاف المتظاهرين يخرجون إلى شوارع العواصم الأوروبية دعمًا للشعب الفلسطينى    هانى العتال عن تعيينه فى مجلس الشيوخ: شرف كبير أنال ثقة الرئيس السيسي    حسين فهمى: مهرجان القاهرة يرمم 10 أفلام أبرزها خان الخليجى    نقابة المهن التمثيلية تهنئ خالد جلال وياسر جلال لتعيينهما بمجلس الشيوخ    5 أبراج لا تعتذر عن أخطائها.. برج الحمل يعتبر كلمة آسف ضعف    رام الله: مستوطنون يقتحمون خربة سمرة بالأغوار الشمالية    البنك الزراعي يعلن انضمام محمد سويسي لرئاسة مجموعة المنتجات والخدمات الإلكترونية    محافظ المنوفية يدشن فعاليات المبادرة الرئاسية للكشف عن فيروس سي    سبورت: برشلونة لن يجدد مع ليفاندوفسكي ويبحث عن البديل    بحصة سوقية 6%.. "مصر" الخامس عالميا في صادرات الخضروات والفواكه المحفوظة بالخل    قرار عاجل من محكمة جنايات دمنهور بشأن المتهمين بقتل تاجر الذهب برشيد    عفت السادات بعد تعيينه بالشيوخ: فخور بثقة الرئيس السيسي    الضرائب: الفاتورة الالكترونية والإيصال الإلكتروني شرط أساسي لإثبات التكاليف ورد ضريبة القيمة المضافة    وفاة طفل بأزمة قلبية خوفا من كلب فى أحد شوارع قرية كلاحين أبنود بقنا    المؤشر الرئيسي للبورصة يواصل تراجعه بمنتصف التعاملات بضغوط هبوط أسهم قيادية    بالأرقام.. جهود الداخلية خلال 24 ساعة لتحقيق الأمن ومواجهة الجريمة    أسعار الفاكهة اليوم 12-10-2025 في قنا    امير كرارة ومصطفى قمر وشيكابالا في العرض الخاص لفيلم «أوسكار عودة الماموث»    مي فاروق: «ألبومي الجديد تاريخي.. والتكريم الحقيقي حب الجمهور»    تعرف على مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن الكريم فى كفر الشيخ    «التضامن»: 121 زيارة رقابية لدور الرعاية وتحرير 8 محاضر ضبط قضائي خلال سبتمبر    هولندا في مواجهة قوية أمام فنلندا ضمن تصفيات المونديال    ضبط 106074 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    محافظ أسوان يتابع استكمال تشغيل المراكز الطبية ضمن منظومة التأمين الصحي الشامل    وزير الصحة يشهد حفل توزيع جائزة «فيركو» للصحة العامة في ألمانيا    رحيل فارس الحديث النبوى أحمد عمر هاشم.. مسيرة عطاء فى خدمة السنة النبوية    أسبوع الانتصارات    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 12اكتوبر 2025 فى المنيا    تعرف علي أسعار البنزين والسولار صباح اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025 فى محطات الوقود    الرئيس السيسى : حماية المياه تمثل قضية مصيرية ولم تعد شأنا محليا أو إقليميا    مصر تتسلم رئاسة المنظمة الدولية للتقييس "أيزو" لمدة 3 أعوام بعد فوز مشرف ومستحق    لليوم الخامس .. فتح لجان تلقى أوراق طلبات الترشح لانتخابات مجلس النواب    وزارة التعليم تحدد 3 امتحانات بالفصل الدراسى الواحد .. اعرف المواعيد    بتهمة نشر أخبار كاذبة والإنضمام لجماعة إرهابية.. محاكمة 56 متهمًا اليوم    قيادي ب فتح يدعو حماس لإجراء مراجعة وإنهاء حكمهم في غزة.. ويطالب مصر باحتضان حوار فلسطيني-فلسطيني    العظمى في القاهرة 28 درجة.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم الأحد 12 أكتوبر 2025    من انقلاب السيارة حتى النقل إلى المشفى.. تفاصيل حادث الوفد القطري في شرم الشيخ قبل قمة السلام    «الكهرباء»: الهيئات النووية المصرية تمتلك كفاءات متراكمة نعمل على دعمها    «كفى ظلمًا».. حسام المندوه: أدخلنا للزمالك 800 مليون جنيه    تركيا تكتسح بلغاريا بسداسية مدوية وتواصل التألق في تصفيات كأس العالم الأوروبية    نجم الأهلي السابق: توروب سيعيد الانضباط للأحمر.. ومدافع الزمالك «جريء»    رئيس جامعة الأزهر يوضح الفرق بين العهد والوعد في حديث سيد الاستغفار    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 11-10-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تعداد السكان.. خارطة مصر الوراثية
نشر في الشروق الجديد يوم 02 - 10 - 2017

انتظرت طويلا حتى يطلق الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بيانات التعداد السكانى الذى بدأ العمل فيه منذ أربع سنوات. كان الزملاء داخل الجهاز حريصين كل الحرص على عدم الإفصاح عن أى بيان قبل عرض النتائج على رئيس الجمهورية. منذ أيام فقط أطلق الجهاز بيانات التعداد فى حفل مهيب حضره رئيس الدولة وعدد كبير من الوزراء، أعلن خلاله كل من تحدث فى الحفل عن أهمية المعلومات وحرص الدولة على إتاحتها من أجل استفادة الجميع منها، لكن وحتى كتابة تلك السطور لم أجد سبيلا إلى بيانات التعداد على الموقع الرسمى للجهاز! حدث بهذه الاهمية كان يجب أن يتصدر الصفحة الرئيسة للموقع، وأن تغطى مؤشرات التعداد وكلمات الحضور وتوجيهات الرئيس بتشكيل لجنة عليا لمتابعة بيانات التعداد.. على جميع التفاصيل الأقل أهمية وسخونة على موقع الجهاز! لم أجد شيئا.
بالطبع لا ينتقص هذا التأخير فى النشر من جهود المئات الذين عملوا على إتمام هذا العمل الضخم، وحرصوا على أن يتم بصورة إلكترونية لمواكبة متطلبات العصر والحد من مخاطر تدخل العنصر البشرى قدر المستطاع. وبمناسبة العمل على التحول الإلكترونى للتعداد أذكر عام 2002 أنى كنت اعمل محللا للنظم بشركة كبرى بسلطنة عمان وكنا نقوم حينها ببرمجة أجهزة لوحية محمولة لاستخدام التعداد السكانى كما قمنا بتدريب الباحثين عليها، وكنت أعجب لماذا لا تقدم مصر على تلك الخطوة، لكن أن تأتى متأخرا خير من ألا تأتى أبدا.
لا يتسع المقال ولا المعلومات التى حصلت عليها تسولا من الأصدقاء لتحليل مفصل، لكن النظر إلى أبرز البيانات التى وقف عليها تعداد 2017 يعطى العديد من الدلالات السريعة للباحثين فى التغيرات الحادة بخارطة الجينات الوراثية للمجتمع المصرى، خاصة إذا اتسع التعداد السكانى بالتعريف ليشمل حصرا لجميع الأفراد المواطنين والأجانب الموجودين على قيد الحياة داخل الدولة خلال فترة العد، مع جمع بيانات الخصائص الديموغرافية والاجتماعية والاقتصادية لهم.
***
اقترب عدد السكان المصريين من 94,8 مليون نسمة بمعدل نمو سنوى 2,56% عن الفترة من 2006 إلى 2017 مقارنة بمعدل نمو سنوى 2,04 خلال الفترة من 1996 إلى 2006 ما يعنى زيادة معدلات النمو السكانى على الرغم من زيادة معدلات الفقر ومؤشراته خلال الفترة المذكورة. الأمر لا يتصل فقط بتحسن الرعاية الصحية المسئول عن خفض أعداد الوفيات، وتراجع الوعى الإنجابى المسئول عن زيادة معدلات المواليد، بقدر ما يتصل بالغرض من زيادة المواليد فى هذا البلد الفقير. الزيادة السكانية خاصة فى المجتمعات الأكثر فقرا والأقل تعليما تعكس إدراكا مختلا لحقوق الطفل فى بعض تلك المجتمعات، وتحوله صغيرا إلى عنصر من عناصر الإنتاج لإعالة الأسرة أو مصدر من مصادر الثروة والدخل إذا ما تم تزويج الفتيات القاصرات كما اتضح من بيانات التعداد وإشارات رئيس الجمهورية (40% من الإناث يتزوجن دون الثامنة عشر وفقا لتصريحات نائب وزير الصحة والسكان!). ثبات نسبة توزيع السكان بين الريف والحضر لا يعبر بالضرورة عن توقف الهجرة إلى المدن وانحسار عناصر الطرد فى الريف، بقدر ما أراه معبرا عن تفاوت معدلات الزيادة السكانية لصالح الريف وخاصة فى صعيد مصر الذى صار مفرخا للسكان وطاردا لهم فى آن. هنا يجب أن تتجه سياسات الدولة نحو التنمية الشاملة المستدامة لقرى الصعيد وغيرها من المناطق الأكثر فقرا فى الريف والحضر (العشوائيات) ولكن وبنفس الأهمية يجب إنفاذ القانون لتجريم وتشديد العقوبة على استغلال الأطفال، وحرمان الأسر منهم كما يحدث فى الدول المتقدمة.
الطفل الذى يجب أن يشكل عبئا على رب الأسرة حين يتكفل بطعامه وشرابه وتعليمه وعلاجه..أصبح يولد فقط ليكون عبئا على الدولة والمجتمع، فيحرم من حقوقه وطفولته فى بيت أبيه، ويحرم من جودة ما تكفله له الدولة النامية من خدمات، ويتحول إلى عنصر إنتاج منعدم الكفاءة والتأهيل والتعليم، صفر فى المنافسة على فرص العمل المحدودة محليا ودوليا.
الفرصة كامنة فى الخطر كالمعتاد، فالمجتمع المصرى الفتى الذى تشكل نسبة السكان دون 15 عاما ما يناهز 34,2% من تركيبته، ويشكل الشباب بين 1529 عاما ما نسبته 26,8% من مجموع سكانه، يمتلك طاقة كبيرة تماما كالمفاعل النووى يمكن توظيفها للتشغيل والنفع العام، أو استخدامها للتفجير والدمار الشامل. فالتعليم والتأهيل لسوق العمل يحسن استغلال تلك الطاقة، أما عمالة الأطفال وزواج القاصرات إلى غير ذلك من صور انتهاك حقوق الإنسان لا يخلق سوى أفواه مفتوحة فى أحسن الأحوال، ثم ينتج عقولا فارغة، سرعان ما يملؤها التطرف والإرهاب وأوهام الثراء السريع.
وإذا كانت نسبة الأمية قد بلغت 25,8% فلا نهمل تحويل تلك النسبة إلى قيمة مطلقة، لأن ربع السكان فى دولة يقترب تعدادها من 100 مليون مواطن يخلق كتلة حرجة من الأوعية الفارغة المعدة للتخريب الإقليمى وليس المحلى فقط، ما يجعل محو أمية تلك الملايين فرضا إنسانيا لا على الدولة فحسب، بل وعلى مختلف الدول والمنظمات المعنية بالحقوق وبإحلال السلام.
***
شيوع استخدام الهاتف المحمول بين السكان بنسبة 65,4% لا يعكس تحسنا فى مستويات الرفاهة بقدر ما يعبر عن زيادة الاعتماد على تلك الوسيلة لإنجاز كثير من الأعمال، كثيرا ما تجد عاملا بسيطا يحرم نفسه من كثير من الأساسيات للحصول على هاتف نقال لتسهيل التواصل مع عملائه ومشغليه. هنا يجب ألا يخضع المواطن المضطر إلى استخدام خدمات الاتصالات والكهرباء أيضا إلى الممارسات الاحتكارية للشركات المملوكة للدولة أو للقطاع الخاص فى غيبة شبه تامة للأجهزة الرقابية.
عدد المصريين المقيمين بالخارج يفوق تعداد كثير من دول المنطقة، فنحو 9,5 مليون مصرى يعيشون فى الخارج معظمهم فى الدول العربية بغرض الحصول على فرصة عمل أفضل. هذه الكتلة التى نشأ جانب منها وتربى فى الخارج وفقا لنظم دول أكثر تطورا وربما أكثر ثراء وحسب، تمثل فرصة مزدوجة للاقتصاد المصرى. تصدير قوى العمل يعود بتحويلات العاملين فى الخارج من العملة الأجنبية، كما يعود بمستويات تعليم وتدريب وتأهيل يحظى بها كثير من المقيمين فى الخارج ولا تتوافر لنظرائهم فى مصر. هذه العقول المهاجرة التى أثر غيابها سلبا على الدولة الطاردة، ما زال بإمكان مصر الاستفادة منها، ولا أرى أهمية لوجود وزارة للهجرة وشئون المصريين فى الخارج سوى البحث فى بدائل الاستفادة من تلك العقول. فلو أن نهضة مصر الحديثة قد اعتمدت بشكل كبير على البعثات التى أوفدها محمد على باشا خارج البلاد، فتلك بعثات حديثة طردتها الظروف لكنها تتوق إلى خدمة مصر بشتى السبل.
بلغت نسبة الوحدات السكنية الخالية إما لوجود مسكن آخر أو لكونها بدون تشطيب أو مكتملة لكنها بعد غير مسكونة نحو 29,1% من عدد الوحدات فى مصر (12,5 مليون وحدة سكنية) ! وهو مؤشر خطير على فقاعة عقارية حذرت منها كثيرا والآن تدعمها البيانات. فلو أن الدولة قد أعملت سياساتها الضريبية (ضريبة عقارية عادلة) وسياسات الاستثمار لتشجيع «بدائل» الاستثمار العقارى، فسرعان ما تتاح تلك الوحدات المغلقة للعرض فى السوق، لتمثل صدمة كبيرة وفائض عرض ينتج عنه تراجع كبير ومفاجئ فى أسعار الوحدات السكنية. لكن لو لم تعمل الدولة أدواتها، فهى تغذى بذلك تلك الفقاعة، وتعزز التحول شبه التام نحو الاقتصاد الريعى.
***
مازال هناك الكثير من البيانات التى يمكن أن تقرأها بعين الباحث المدقق، ولكن المقال لا يتسع والبيانات المتاحة حتى كتابة تلك السطور غير تفصيلية، لذا بقى أن أثنى على دعوة الرئيس بضرورة تشكيل لجنة عليا لمتابعة وتحليل بيانات التعداد فى أسرع وقت ممكن، وأضيف إلى هذا مطلبا عاجلا بضرورة إتاحة بيانات التعداد وأعمال اللجنة للجمهور دون تأخير.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.