ذكرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن برنامج إيران لتخصيب اليورانيوم يمضى فى طريقه قدما، وإن كان بوتيرة أبطأ. بدون أن تجيب إيران عن الأسئلة التى طرحتها المخابرات الغربية. كما لا تستطيع الوكالة الدولية للطاقة الذرية استبعاد إمكانية أن يكون للبرنامج الإيرانى جوانب عسكرية. ومن ثم، نعم، يجب أن يكون هناك قلق، غير أن هناك سببا آخر يدعو للانزعاج؛ وهو أن هذا البرنامج ظل مستمرا لسنوات، دون أن تقابله جهود دبلوماسية فعالة. فالمطالبات بضرورة أن تقبل إيران المزيد من عمليات تفتيش ليس لها معنى. وهذه المطالبات لم تهدف لمساعدة إيران على إظهار عدم اعتزامها إنتاج أسلحة، لكنها طرحت بأمل العثور على دليل مقنع على وقوع جريمة. وإذا لم يتم العثور على هذا الدليل، فسيقال بحق إنه حتى لو لم يكن لدى إيران نية اليوم للانتقال إلى صنع القنبلة، ربما تغير رأيها العام المقبل. وليست نوايا إيران هى الفكرة الأساسية فى الموضوع، وإنما تطوير قدراتها على إنتاج اليورانيوم المخصب على مستوى صناعى. وما أن توجد هذه القدرة سواء فى إيران، أو تركيا أو إندونيسيا حتى تصبح الدولة أقرب إلى إنتاج القنبلة لو أرادت ذلك. فكلما كانت البلدان الواقعة فى مناطق حساسة أبعد من امتلاك هذه القدرة، كان ذلك أفضل. لقد ضاعت سنوات فى إتباع أساليب غير فعالة. فالأوروبيون، ومن ورائهم الأمريكيون اشترطوا أن تعلق إيران برنامجها للتخصيب حتى يصبحوا مستعدين لمنحها شرف المباحثات المباشرة. ومع مجرد استمرار إيران فى تطوير البرنامج، كانت أوروبا، وليست إيران، هى الحريصة على المباحثات. وقد أعلنت إدارة أوباما، بحكمة، أنها تستطيع أن تجرى محادثات مباشرة مع إيران. وكل ذلك على المحك. فعدم نجاح إقناع إيران بالعدول عن التخصيب على مستوى صناعى، يمكن أن يكون له عواقب خطيرة. فهل يمكن إقناع إيران بالعدول عن البرنامج؟ فى الثمانينيات، عندما كان صدام حسين يقود العراق نحو إنتاج أسلحة نووية، (وقصفت إسرائيل مفاعل أوزيراك للأبحاث) كان يمكن لإيران أن تدعى وجود حافز قوى لتطوير برنامج نووى قادر على إنتاج أسلحة. غير أنه بعد هزيمة العراق فى 1991 و2003، لم تعد إيران ترى فى العراق خطرا نوويا. كما أنها لا تخشى هجوما نوويا من أى من جيرانها، أو حتى من إسرائيل. وفى ظل هذه الظروف، ربما لم يكن من المناسب أن توجه الإدارة الأمريكية تهديدا لإيران بالحديث عن جميع الخيارات المطروحة على مائدة التفاوض، وإرسال حاملات الطائرات إلى الخليج الفارسى. وربما يتصرف فريق أوباما على نحو أفضل باتباع النهج الذى اتبعته الولاياتالمتحدة فى المحادثات مع كوريا الشمالية، وتقديم ضمانات ضد الهجمات من الخارج والأنشطة التخريبية فى الداخل، كجزء من اتفاق نووى. فضلا عن أن الولاياتالمتحدة ليست لديها علاقات دبلوماسية مع إيران منذ 1979. ومن المرجح، أن عرض مثل هذه العلاقات على إيران ومنحها دورا فى المباحثات الإقليمية قد يمثل لإيران حافزا أكبر للتوصل إلى اتفاق نووى، أكثر مما فعلته تصريحات فريق بوش بأن «على إيران أن تهذب من سلوكها». ففى حالة كوريا الشمالية اعتبرت العلاقات الدبلوماسية مع كل من الولاياتالمتحدة واليابان جزءا من اتفاقية نووية. فليس هناك مبرر لأن يكون الأمر أكثر صعوبة فى حالة إيران. لقد استثمرت إيران مواردها ومكانتها فى برنامج التخصيب. فهل يمكنها أن تتخلى عن ذلك؟ حسنا، إنها لن تكون أول من تخلى عن المحطات النووية فى العالم. فاتفاقية عدم الانتشار النووى تجيز حق التخصيب ولكن استخدام الحق ليس واجبا. فعلى إيران أن تحسب التكلفة والمكاسب. عليها أن تدرك أن شراء الوقود النووى سيكون أقل كلفة من إنتاجه. وإن التخلى عن هذا الإنتاج سوف يعوضه ضمانات قوية لإمدادات الوقود الدولى. وأخيرا، يجب أن تدرك أن التخصيب فى إيران قد يشجع على التخصيب فى بلدان أخرى فى الشرق الأوسط. رئيس فريق التفتيش الدولى فى العراق 2003 Copyright: Guardian News & Media 2009