«لم تكن قدرة التمويل متناهى الصغر على النمو وخلق فرص للعمل أكثر وضوحا من الوقت الحالى فى مصر، فى الوقت الذى تزداد فيه المخاطر التى تواجها البنوك التجارية على خلفية الأزمة المالية»، هذا ما جاء فى تقرير صادر عن وحدة الاستخبارات الأمريكية بعنوان «البنوك المصرية: التفكير على نطاق صغير». وتقول الإيكونوميست: إن إحجام البنوك المصرية عن إقراض الآلاف من المشروعات المصرية الصغيرة قد يكون «مفهوما» بسبب أزمة القروض المتعثرة التى شهدتها البلاد فى مطلع العقد الحالى، لكن المؤسسة البحثية البريطانية تشير إلى أنها «حذرة أكثر من اللازم، وكأنها خائفة من أن تلغى التنظيف الذى تم فى محافظها من هذه القروض». كان الخبراء، بل والموقف الرسمى للدولة أيضا قد عولوا على مقولة الأرنب يجرى أسرع من الفيل فى مواجهة الأزمة المالية كبوصلة للسياسات الاقتصادية لتفعيل الطلب المحلى، مؤكدين أهمية تمويل المشروعات الصغيرة فى وقت الأزمة، خاصة أن هذه المشروعات، تمثل العمالة فيها نسبة تتراوح ما بين 6070% من إجمالى حجم العمالة فى القطاع الصناعى المحلى. ويقول خبير فى البنك الأهلى المصرى، طلب عدم ذكر اسمه، إن «الأزمة تجعل من هذا النوع من التمويل أحد المخارج الأساسية لمواجهة الركود»، إلا أنه، كما يوضح، أن هذا النوع من التمويل وإن كان يمثل «قناة شرعية للبنوك من مواجهة أثار الأزمة، فإنه مازال لا يمثل سوى محاولات على استحياء». البنك الأهلى، بنك مصر، والبنك التجارى الدولى، وغيرهما من البنوك التى يغلب عليها طابع القطاع العام، كلها اتخذت خطوات من أجل تسهيل الإقراض فى هذا المجال، ولكنها، وفقا لهذا المسئول، لم تفعل بطريقة ملموسة حتى الآن، وذلك بسبب «ثقافة الخوف من المجازفة فى مثل هذه المشروعات التى يغلب عليها الطابع الاجتماعى أكثر من هدف تحقيق الربح». وكان البنك المركزى، فى خطوة منه لتشجيع تمويل هذه المشروعات، قد اتخذ قرار بإعفاء البنوك التى تمول هذه المشروعات من إيداع 14% من إجمالى ودائعهم كاحتياط فى البنك المركزى. إلا أنه برغم كل هذه القرارات والمبادرات، لم تتجاوز نسبة التمويل التى حصلت عليها المشروعات 5% من إجمالى الطاقات الموجودة فى السوق المصرية، وذلك وفقا لتقديرات صندوق تنمية رأس المال التابع للأمم المتحدة. ويرجع هذا، وفقا لهذا المسئول، إلى التعقيدات التى مازالت تفرضها هذه الجهات خوفا من تحمل أى خسائر نتيجة للمجازفة التى قد تتحملها لتمويل هذه النوع من المشروعات، التى «لا تقدم ربحا يعوض المجازفة»، بحسب كلامه، مشيرا إلى أن البنوك والجهات التمويلية مازالت تفضل الاستثمار فى مشروع واحد كبير ذى عائد مضمون بدلا من «بعثرة أموالها بين عدة مشروعات صغيرة». وتجربة حسن مصطفى، الذى أراد أن يحصل على قرض لتمويل إنشاء مشروع رخام جديد خير دليل على ذلك، إلا أنه نتيجة للتعقيدات وكثرة الأوراق الذى طلبها منه البنك فضل العدول عن فكرة المشروع.. «لماذ يكون على أن أقضى ما يقرب من ثلاث سنوات لكى يتثنى لى الحصول على قرض وبداية مشروع جديد، وكيف يقولون فى النهاية إنهم يسهلون تمويل المشروعات الصغيرة، هذا ادعاء كاذب»، يقول مصطفى. وتمثل الشركات الصغيرة والمتوسطة 98% من عدد الشركات العاملة فى مصر، بالإضافة إلى 80% من الإنتاج القومى للسلع والخدمات، ولكن على الرغم من أنها تمثل نسبة كبيرة من إجمالى عدد المنشآت الاقتصادية فى مصر مقارنة بالمنشآت الكبيرة، إلا أن مساهمتها فى الإنتاج والتشغيل لاتزال أقل بكثير من مساهمة المنشآت الكبيرة. ويرى تقرير وحدة الاستخبارات الاقتصادية فى قيام المركزى بخفض سعر الفائدة بوابة لتمويل هذا النوع من المشروعات الذى طالما عانى نقص التمويل، إلا أن المسئول المصرفى يربط تحقيق ذلك بعدة عوامل منها وجود مرونة أكبر من جانب البنوك من خلال تخفيض سعر الفائدة أو زيادة حجم المبالغ المخصصة لهذا النوع من المشروعات، بالإضافة إلى تدعيمهم من قبل الدولة والقطاع الخاص «الذى مازال يفضل الابتعاد عن هذا النوع من التمويل»، بحسب تعبيره. وكان البنك المركزى قد قام بتخفيض سعر الفائدة لخمس مرات متتالية ليصل سعر الفائدة على الإيداع 8.5% والإقراض 10.5%. كما أشار التقرير أيضا لتأسيس جهاز الرقابة المالية غير المصرفية معتبرا إياه خطوة إيجابية لاستكمال الإطار التنظيمى لسوق التمويل الصغير ومتناهى الصغر، التى اعتبرها الأكثر تنظيما والأكبر من نوعها فى منطقة الشرق الأوسط.